الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المدينة وما حولها عن تبوك، بعد عودتهم. وهذا من شأن الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ومن الإخبار عن المغيبات في المستقبل.
التفسير والبيان:
هذا كلام مستأنف قصد به الإخبار عن المنافقين إذا رجع المؤمنون من تبوك إليهم، أنهم يعتذرون إليكم أيها المؤمنون عن سيئاتهم وتخلفهم عن القتال بغير عذر إذا رجعتم إليهم من غزوة تبوك. قل لهم أيها الرسول: لا تعتذروا بالأعذار الكاذبة؛ لأنا لن نصدقكم أبدا.
والسبب في عدم تصديقكم أن الله قد أخبرنا سلفا بالوحي إلى نبيه بعض أخباركم وأحوالكم: وهو ما في ضمائركم من الشر والفساد ومناقصة الحقائق. وسيرى الله عملكم ورسوله، أي سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا، ويعلم مستقبلكم من الإصرار على النفاق أو التوبة منه، فإن تبتم فإن الله يتقبل توبتكم، ويغفر لكم ذنوبكم، وإن مكثتم فيما أنتم عليه من النفاق، عاملكم الرسول بما تستحقون.
وفي هذا ترغيب لهم بالتوبة وإمهال لإظهارها وإصلاح شؤونهم.
ثم يكون مصيركم إلى الله عالم الغيب والشهادة، فيعلم ما تكتمون وما تعلنون، فيخبركم بأعمالكم خيرها وشرها، ويجزيكم عليها، علما بأنكم أشد عذابا من الكفار، كما قال تعالى:{إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ} [النساء 145/ 4] وقوله: {فَيُنَبِّئُكُمْ..} . تصريح بالتوبيخ والعقاب على أعمالهم.
وهذا يتضمن ضرورة تجنب المعاذير الكاذبة، وتحاشي كل ما يعتذر منه من السيئات، كما
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الضياء عن أنس: «إياك وكل أمر يعتذر منه» .
ثم أخبر الله تعالى عنهم أنهم سيؤكدون تلك الأعذار بالأيمان الكاذبة، فقال:
{سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ..} . أي إنهم سيحلفون لكم بالله معتذرين، لتعرضوا عنهم،
فلا تعاتبوهم ولا تؤنبوهم على قعودهم مع الخالفين من النساء وأمثالهم.
فأعرضوا عنهم ولا توبخوهم، احتقارا لهم؛ لأنهم رجس أي قذر معنوي، وخبث نجس بواطنهم واعتقاداتهم، لا يقبلون التطهير، وهذا علة الإعراض وترك المعاتبة.
ومأواهم في آخرتهم جهنم، جزاء بما كانوا يكسبون في الدنيا من الآثام والخطايا. وهذا من تمام التعليل، وكأنه قال: إنهم أرجاس من أهل النار، لا ينفع فيهم التوبيخ في الدنيا والآخرة.
ثم أعلمنا الله تعالى بأن أيمانهم الكاذبة التي يحلفونها هي مجرد استرضاء لكم، لتستديموا في معاملتهم كأهل الإسلام.
وإنكم إن رضيتم عنهم، فلا ينفعهم رضاكم، إذا كانوا في سخط الله وبصدد عقابه، بسبب فسقهم، أي خروجهم عن طاعة الله وطاعة رسوله، فليكن همهم إرضاء الله ورسوله، لا إرضاؤكم، كما قال تعالى:{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ، وَهُوَ مَعَهُمْ} [النساء 108/ 4] وقال سبحانه: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} [الحشر 13/ 59].
وهذا إرشاد إلى منع المؤمنين من الرضا عنهم، والاغترار بأيمانهم الكاذبة، وكفى بالله شهيدا، وكفى بالله عليما ومعلما للمؤمنين طريق الاستقامة والصواب ومواقف الحزم والسداد.
ونظرا لأهمية هذه المعاني أعيدت هنا مرة أخرى، ويكون الكلام شاملا مناهج المنافقين كلهم، سواء كانوا من أهل الحضر وهم من سبق أو من أهل البادية، وهم المقصودون هنا.