الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{فَإِنْ كُنْتَ} أيها السامع في شك مما أنزلنا على لسان نبيك إليك أو أن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد به قومه، على نحو قول العرب: إياك أعني واسمعي يا جارة، وهو مثل قوله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر 65/ 39] وقوله: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ} [الأحزاب 41/ 33].
{فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ} يا محمد من القصص على سبيل الافتراض. {الْكِتابَ} هنا التوراة. {مِنْ قَبْلِكَ} فإنه ثابت عندهم يخبروك بصدقه،
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا أشك ولا أسأل» .
{لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} واضحا لا مرية فيه، بالآيات القاطعة. {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ} الشاكين فيه. {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ.} . أيضا من باب التهييج والتثبيت وقطع الأطماع عنه، كقوله:{فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ} [القصص 86/ 28].
{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ} وجبت وثبتت. {كَلِمَتُ رَبِّكَ} باستحقاق العذاب.
{لا يُؤْمِنُونَ} وهذا واقع؛ لأن الله لا يكذب كلامه ولا ينتقض قضاؤه. {وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} لأنهم أصروا على الكفر. {حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ} وحينئذ لا ينفعهم، كما لا ينفع فرعون.
المناسبة:
بعد أن أخبر الله تعالى عن قصص الأنبياء السابقين كنوح وموسى وهارون عليهم السلام بإنجاز النصر لهم على أقوامهم، وحكى اختلاف بني إسرائيل عند ما جاءهم العلم حسدا وبغيا وإيثارا لبقاء الرياسة، أورد ما يقوي صدق القرآن فيما قال ووعد وأوعد، وخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم وأراد قومه.
التفسير والبيان:
أراد الله تعالى أن يؤكد صحة القرآن وصدق النبوة على سبيل الافتراض والمبالغة، فقال: فإن وقع منك شك على سبيل الافتراض والتقدير في صحة ما أنزلنا إليك من القرآن المتضمن قصص الأنبياء المتقدمين مثل هود ونوح وموسى وغيرهم، فاسأل علماء أهل الكتاب الذين يقرءون الكتاب أي التوراة من قبلك، فهم على علم تام بصحة ما أنزل إليك.
والمراد الإحالة على علماء أهل الكتاب الصادقين ووصفهم بالعلم، لا وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالشك، قال ابن عباس: لا والله ما شك طرفة عين، ولا سأل أحدا منهم،
وقال: «لا أشك ولا أسأل، بل أشهد أنه الحق» كما ذكر قتادة وسعيد بن جبير والحسن البصري.
والرأي الأولى كما ذكرت في بيان المفردات: أن الخطاب للسامع أو للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته، وهذا تعبير مألوف بين العرب. كما أن افتراض الشك في الشيء لنفي احتمال وقوعه مألوف أيضا لدى العرب، فيقول أحدهم: إن كنت ابني حقا فكن شجاعا. وذلك مثل قول عيسى عليه السلام: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة 116/ 5] فهو يعلم أنه لم يقله، ولكنه يفرضه ليستدل على أنه لو قاله لعلمه الله منه.
قال البيضاوي: وفي الآية تنبيه على أن كل من خالجته شبهة في الدين ينبغي أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى أهل العلم.
{لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ.} . أي تالله لقد جاءك الحق واضحا لا مرية فيه ولا ريب، بما أخبرناك في القرآن، وبأنك رسول الله، وأن اليهود والنصارى يعلمون صحة ذلك، لما يجدون في كتبهم من نعتك وأوصافك، فلا تكونن من الشاكين في صدق ما نقول.
وفي هذا تثبيت للأمة وإعلام لهم أن صفة نبيهم صلى الله عليه وسلم موجودة في الكتب المتقدمة التي بأيدي أهل الكتاب، كما قال تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف 157/ 7].
وهذا النهي: {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ} تعريض بالشاكين والمكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم من قومه.
{وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا..} . أي ولا تكونن أيها النبي ممن كذب بآيات الله الدالة على وحدانيته وقدرته على إرسال الرسل لهداية البشر، فتكون ممن خسروا الدنيا والآخرة.
وهذا أيضا من باب التهييج والتثبيت وقطع الأطماع عنه عليه الصلاة والسلام، كقوله تعالى:{فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ} [القصص 86/ 28] وفيه تعريض بالكفار الخاسرين الضالين.
{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ..} . أي إن الذين ثبتت عليهم كلمة الله أي قضاؤه وحكمه بالعذاب لا يؤمنون أبدا، لفقدهم الاستعداد للإيمان، وتصميمهم على الكفر، وليس المعنى أن الله يمنعهم الإيمان، وإنما هم الذين اختاروا الكفر وكسبوه. والمراد من الآية: أن من علم الله منهم الإيمان أو الكفر، لا بد من حصوله؛ لأن علم الله واسع شامل، لا يتخلف.
{وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ.} . أي إن هؤلاء الذين علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون، سيبقون على كفرهم وجحودهم، ولو جاءتهم كل آية كونية حسية، أو علمية، أو قرآنية، مثل آيات موسى التي اقترحوا مثلها على النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل تفجير الأنهار والصعود في السماء، وامتلاك الجنات أي البساتين، ومثل آيات القرآن الدالة بإعجازها على أنها من عند الله تعالى، وربما لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم الموجع الذي يحدق بهم ويطبق عليهم، وحينئذ لا ينفعهم إيمانهم، كما لم ينفع فرعون إيمانه حين أشرف على الغرق، وكما قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ، وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى، وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً، ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام 111/ 6] فالأدلة لا تنفعهم مهما كثرت؛ لأن الدليل لا يهدي إلا بإعانة الله وتوفيقه، وتوافر الاستعداد لقبوله.