الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبوة، أمر رسوله بإظهار دينه، وبإظهار المفارقة بينه وبين الشرك وما عليه المشركون من عبادة الأوثان والأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وأن النافع الضار هو الله الذين خلقهم، فتخرج عبادة الله من حالة السر إلى الإعلان.
التفسير والبيان:
يأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقول لأهل مكة وغيرهم من الناس إلى يوم القيامة: إن كنتم لا تعرفون ديني، فأنا أبينه لكم على سبيل التفصيل، وإن كنتم في شك من صحة ما جئتكم به من الدين الحنيف الذي أوحاه الله إلي، فاعلموا وصفه وأنه لا مجال للشك فيه، وهو أني لا أعبد الذين تعبدون من دون الله، من حجارة وغيرها؛ لأنها لا تضر ولا تنفع، بل أعبد الله وحده لا شريك له، الذي يتوفاكم كما أحياكم، ثم إليه مرجعكم، وأن أكون من المؤمنين إيمانا حقا بالله، العارفين به تمام المعرفة.
وفي هذا تعريض بأن الدين الحق لا يشك فيه، ويستحسنه ذوو العقول الصحيحة والفطر السليمة، وأما عباده الأصنام فمقطوع ببطلانها؛ لأنها لا تعقل ولا تضر ولا تنفع، ويستنكرها كل عاقل، فإنها أحجار!!.
ويلاحظ أنه تدرج من نفي عبادة غير الله؛ لأن الإزالة في كل شيء بقصد إصلاحه مقدمة على الإثبات، والتخلي مقدم على التحلي، ثم انتقل إلى إثبات عبادة الله، ليبين أنه يجب ترك عبادة غير الله أولا، ثم يجب الاشتغال بعبادة الله، ثم انتقل إلى ذكر الإيمان والمعرفة بعد العبادة التي هي عمل جسدي، ليدل على وجوب تطابق العمل مع الاعتقاد، فإنه لا جدوى لعمل ما لم ينبع من اعتقاد صحيح يتجلى فيه نور الإيمان والمعرفة. وفي هذا التدرج من نفي عبادة الأصنام إلى إثبات من يعبده وهو الذي يتوفاكم، وفي ذكر هذا الوصف الدال على التوفي دلالة على البدء وهو الخلق وعلى الإعادة
(1)
.
(1)
البحر المحيط: 195/ 5
{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ.} . أي وأمرت أن أكون من المؤمنين وأن أقيم وجهي للدين القيم، أي بالاستقامة في أمر الدين بالتزام الأوامر واجتناب النواهي، وبأن أخلص العبادة لله وحده، حنيفا أي مائلا عن الشرك والباطل إلى الدين الحق، ولهذا قال:{وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أي ممن يشرك في عبادة الله إلها آخر، وهو معطوف على قوله:{وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي قيل لي: كن من المؤمنين وأقم وجهك ولا تشرك.
فقوله {أَقِمْ وَجْهَكَ} معناه استقم إليه ولا تلتفت يمينا ولا شمالا. ونظير الآية قوله تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً، وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام 79/ 6].
وهذا يدل على وجوب التوجه في العبادة والدعاء إلى الله وحده، دون التفات إلى شيء سواه، فمن توجه بقلبه إلى غير الله في عبادة أو دعاء فهو عابد غير الله.
لذا قال تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ..} . أي لا تدع ولا تعبد أيها الرسول متجاوزا الله تعالى ما لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة إن دعوته، ولا يضرك أصلا إن تركت دعاءه.
فإن فعلت هذا وعبدت ودعوت غير الله، كنت حينئذ من الظالمين نفسك؛ لأنه لا ظلم أكبر من الشرك بالله تعالى، ومن الظلم وضع العبادة في غير موضعها.
ثم أكد الله تعالى سلب صلاحية النفع والضر عن غير الله، فقال:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ..} . أي وإن تتعرض لضرر يمسّ جسمك أو مالك من مرض أو فقر أو ألم، فلا كاشف أو لا رافع له إلا الله، وإن يردك أو يخصك الله بخير منه في دينك أو دنياك من نصر ورخاء ونعمة وعافية، فلا دافع لفضله إلا الله؛ إذ