الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَفْسٍ.}. أي أنه إذا قامت القيامة يود الكافر لو افتدى من عذاب الله بملء الأرض ذهبا.
وأسروا الندم: وهو ما يجد الإنسان في نفسه من الألم والحسرة عقب كل فعل ضارّ، لما رأوا العذاب الشديد، فصاروا مبهوتين متحيرين. وقد يجهرون بالندم كما قال:{يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ} [الزمر 56/ 39] ثم بين تعالى أنه لا ظلم حينئذ فقال: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ.} . أي وحكم الله بين الظالمين والمظلومين بالعدل. لأن الكفار وإن اشتركوا في العذاب، فإنه لا بد وأن يقضي الله تعالى بينهم بالحق، رفعا لما ظلم به بعضهم بعضا في الدنيا، فيكون في القضاء تخفيف عذاب بعضهم، وتثقيل عذاب الباقين.
ثم أتبع ذلك الاعلام وأنه ليس للظالم شيء يفتدي به، بأن الملك كله لله وأنه المعاقب فإن الله مالك السموات والأرض، وكل الأشياء ملكه وفي سلطانه، وأن وعده حق كائن لا محالة، ولكن أكثر الكفار منكري البعث والجزاء لا يعلمون أمر الآخرة والمعاد، لغفلتهم عنها، وعدم إيمانهم بالإله القادر الحكيم، فأبان تعالى لهم الحقيقة، وأن كل ما سواه مملوك له.
والدليل على قدرته تعالى على البعث والجزاء والثواب والعقاب أنه تعالى هو المحيي والمميت، وإليه مرجع الخلائق حين يحييهم بعد موتهم، فيحشرهم للحساب والجزاء على أعمالهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يلي:
1 -
عذاب الكفار شديد مضاعف في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يعذبون بالهزيمة والذل والخزي ونحوها من القلق والخوف، وفي الآخرة بعذاب النار.
والله تعالى يري رسوله في الدنيا نماذج من عذابهم، وسيريه يوم القيامة ما هو أشد وأكثر، مما يدل على أن عاقبة المؤمنين محمودة، وعاقبة المذنبين مذمومة.
2 -
لكل أمة رسول شاهد عليهم، فإذا جاء رسولهم يوم القيامة قضي بينهم، وكذلك لا يعذب الناس في الدنيا حتى يرسل الله إليهم رسولا، فمن آمن فاز ونجا، ومن لم يؤمن هلك وعذّب؛ لقوله تعالى:{وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء 15/ 17].
3 -
القضاء بين العباد حق قائم على العدل المطلق، وهم لا يعذبون بغير ذنب، ولا يؤاخذون بغير حجة.
4 -
النقاش حول نزول العقاب الإلهي ومجيء القيامة قديم بين الأمم مع الرسل عليهم السلام، وبين الأمة العربية مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مستمر دائم بين الكفار ودعاة الإسلام المصلحين.
5 -
إنزال العذاب مقدر بأجل معين في علم الله تعالى، ولا يملك إنزاله إلا الله تعالى، ومتى حان وقت هلاك أمة من الأمم، فلا يتأخر ولا يتقدم لحظة.
وليس لرسول أو نبي أو غير هما الحيلولة دون وقوع العذاب المقرر.
6 -
استعجال العذاب لا نفع فيه، وإنما النافع هو الإيمان قبل نزول العذاب، فإذا نزل فلا فائدة ولا نفع فيه؛ لأن إيمان اليأس غير مفيد ولا صحيح.
والقائل في قوله: {آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} إما الملائكة استهزاء بهم، وإما من قول الله تعالى.
7 -
تبكيت الظالمين بما يقال لهم: {ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ} أي الذي لا ينقطع، والجزاء لا يكون إلا جزاء الكفر والعصيان.
8 -
قيام الساعة والبعث والمعاد حق ثابت أقسم الله ورسوله على أنه حق كائن لا شك في وقوعه، وجميع الناس غير فائتين عن عذابه ومجازاته.
9 -
لا يقبل من أحد الفداء عن ذنبه؛ لأن الله هو مالك السموات والأرض وكل شيء في ملكه وسلطانه، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا، وَهُمْ كُفّارٌ، فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً، وَلَوِ افْتَدى بِهِ} [آل عمران 91/ 3].
10 -
يندم الكفار والظلمة والعصاة على أعمالهم في الدنيا، وهم إما أن يخفوا الندامة أحيانا، وإما أن يظهروها أحيانا أخرى. ورؤساء الضلالة يخفون ندامتهم عن أتباعهم قبل الإحراق بالنار، فإذا وقعوا في النار ألهتهم النار عن التصنع، بدليل قولهم:{رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا، وَكُنّا قَوْماً ضالِّينَ} [المؤمنون 106/ 23] فبيّن أنهم لا يكتمون ما بهم.
11 -
القضاء بالعدل بين الكفار أنفسهم لدفع الظلم الذي كان بينهم واقع أيضا في الآخرة، فيخفف العذاب حينئذ عن المظلوم، ويزاد على الظالم.
12 -
تنبيه الناس قاطبة على أمور هي: أن الله مالك السموات والأرض، وأن وعد الله حق كائن لا محالة فلا مانع يمنعه من إنفاذ ما وعده، وأنه يحيي ويميت، وإليه مرجعهم، وأنه القادر على ما يريد، العليم بأماكن وجودهم قبل البعث والحشر في البر والبحر، وأن أكثر الكفار منكري البعث غافلون عن أمر الآخرة، مقصّرون في الاستعداد لها.
والله تعالى في الآخرة كما في الدنيا قادر لذاته على الإحياء والإماتة، لا تزول قدرته، والمادة القابلة بالذات للحياة والموت قابلة لهما أبدا.