الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للدلالة على أن قوم يونس آمنوا بعد كفرهم، وانتفعوا بذلك الإيمان. وهذا يدل على أن الكفار فريقان: منهم من حكم عليه بخاتمة الكفر، ومنهم من حكم عليه بخاتمة الإيمان، وكل ما قضى الله به فهو واقع.
وذكر في هذه الآيات ما يكمل قبلها في أن الله تعالى خلق البشر مستعدين للإيمان والكفر والخير والشر، وأن مشيئة الله وحكمته متعلقتان بأفعال عباده، ووقوعها على وفقهما.
وكانت العبرة من إيراد هذه القصص الثلاث (قصة نوح، وقصة موسى، وقصة يونس) الرّد على شبهات الكفار التي منها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهددهم بنزول العذاب عليهم، ولم ينزل، فأبان الله تعالى أن تأخير الموعود به لا يقدح في صحة الوعد، بدليل أن الله أخّر العذاب عن قوم نوح، وفرعون، وقوم يونس، ثم أوقعه في الأولين ولم يوقعه في قوم يونس بسبب إيمانهم.
أضواء من التاريخ:
ذكر يونس عليه السلام في القرآن الكريم باسمه أربع مرات: في سورة النساء [163] والأنعام [86] ويونس [98] والصافات [139] وذكر بوصفه في سورتين: في سورة الأنبياء: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً} [87] وفي سورة القلم: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ، إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ} [48].
وهو يونس بن متى، ويقول أهل الكتاب: يونس بن أمتاي. وقد أرسله الله تعالى إلى نينوى من أرض الموصل، فكذبوه، فوعدهم بالعذاب بعد مدة، قيل: إلى أربعين يوما، وذهب عنهم مغاضبا، فلما فقدوه خافوا نزول العقاب، ولما دنا الموعد غامت السماء غيما أسود ذا دخان شديد، فهبط حتى غشي مدينتهم، فهابوا فطلبوا يونس فلم يجدوه، فأيقنوا صدقه، فلبسوا المسوح، وبرزوا إلى
الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم، وفرّقوا بين كل والدة وولدها، فحنّ بعضها إلى بعض، وعلت الأصوات والعجيج، وأخلصوا التوبة، وأظهروا الإيمان، وتضرعوا إلى الله تعالى فرحمهم وكشف عنهم، وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء يوم الجمعة
(1)
. قال الطبري: خص قوم يونس من بين سائر الأمم بأن تيب عليهم بعد معاينة العذاب، وذكر ذلك عن جماعة من المفسرين. وقال الزجاج: إنهم لم يقع بهم العذاب، وإنما رأوا العلامة التي تدل على العذاب، ولو رأوا عين العذاب لما نفعهم الإيمان.
أما يونس فقد ذهب مغاضبا لقومه الذين أرسل إليهم؛ لإبطائهم عن تلبية دعوته، والدخول فيما دعاهم إليه من الإيمان، فهرب إلى الفلك المشحون، من غير إذن الله تعالى.
ثم امتحنه الله تعالى بالإلقاء في اليم والتقام الحوت، قال تعالى:{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً، فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ، سُبْحانَكَ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ، وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء 87/ 21 - 88].
فنبذه الله بالعراء وهو سقيم بعد أن مكث في بطنه ثلاثا أو سبعا أو أكثر أو أقل، وحماه من هضم الحوت له، وأنبت عليه شجرة من يقطين. ثم أرسله الله تعالى إلى مائة ألف أو يزيدون، فآمنوا، وقبل الله منهم إيمانهم.
وأما قوله تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} فمعناه المناسب للأنبياء المعصومين عن الخطأ: فظن أن لن نضيق عليه، أي ظن أننا لن نلزمه بالذهاب إلى القوم الذين أرسل إليهم، ولا نلجئه إلى تبليغ رسالة الله تعالى إليهم، والمراد أنه تأول الأمر وهو أمر الذهاب إلى قومه على أنه أمر إرشاد لا أمر وجوب، ولا
(1)
تفسير الرازي: 165/ 17، تفسير القرطبي: 384/ 8