الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على جميع الناس، غير مخصوص بها قوم دون قوم، وإذا ثبت ذلك كانت هي الزكاة المفروضة؛ إذ ليس في أموال سائر الناس حق سوى الصدقات المفروضة.
وقوله: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها} لا دلالة فيه على أنها صدقة مكفرة للذنوب غير الزكاة المفروضة؛ لأن الزكاة المفروضة أيضا تطهر وتزكي مؤديها، وسائر الناس في المكلفين محتاجون إلى ما يطهرهم ويزكيهم
(1)
.
التفسير والبيان:
خذ أيها الرسول وكل حاكم مسلم بعدك من أموال هؤلاء التائبين ومن غيرهم صدقة مقدرة بمقدار معين، تطهرهم بها من داء البخل والطمع، وتزكي أنفسهم بها، وتنمي بها حسناتهم، وترفعهم إلى منازل المخلصين. والتزكية: مبالغة في التطهير وزيادة فيه، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال، أي أنه تعالى يجعل النقصان الحاصل بسبب إخراج قدر الزكاة سببا للإنماء،
وفي الحديث الذي رواه أحمد ومسلم والترمذي عن أبي هريرة: «ما نقصت صدقة من مال» .
{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي ادع لهم واستغفر وترحم، فإن دعاءك واستغفارك سكن لهم يسكنون إليه وتطمئن قلوبهم بأن الله قد تاب عليهم. والصلاة من الله على عباده: الرحمة، ومن ملائكته: الاستغفار، ومن النبي والمؤمنين: الدعاء.
{وَاللهُ سَمِيعٌ} يسمع اعترافهم بذنوبهم ودعاءهم، وسميع لدعائك سماع قبول وإجابة، عليم بما في ضمائرهم وبإخلاصهم في توبتهم وصدقاتهم وبما فيه الخير والمصلحة لهم.
فالصدقة مطهرة للنفس، مرضاة للرب، وحصن للمال.
ألم يعلم أولئك التائبون وجميع المؤمنين أن الله هو الذي يقبل توبة عباده،
(1)
أحكام القران للجصاص: 148/ 3
ويتجاوز عن سيئاتهم، ويأخذ الصدقات أي يقبلها ويثيب عليها ويضاعف أجرها، كما قال:{إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً، يُضاعِفْهُ لَكُمْ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [التغابن 17/ 64]
وفي الحديث الثابت الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة: «إن الله يربي الصدقة كما يربي أحدكم فلوّه» أي ولد الفرس، وهذا تمثيل لزيادة الأجر.
وفي هذا حث على التوبة وإعطاء الصدقة سواء كانت فريضة أو تطوعا. قيل في سبب نزول هذه الآية: قال الذين لم يتوبوا من المتخلفين: هؤلاء كانوا معنا بالأمس، لا يكلّمون ولا يجالسون، فما لهم الآن؟ وما هذه الخاصة التي خصّوا بها؛ فنزلت:{أَلَمْ يَعْلَمُوا} فالضمير في {يَعْلَمُوا} عائد إلى الذين لم يتوبوا من المتخلفين.
وأن الله هو التواب الذي من شأنه قبول توبة التائبين، والتفضل عليهم، وهو الرحيم بعباده التائبين، الذي يثيبهم على أعمالهم الصالحة، كما قال تعالى:
{وَإِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى} [طه 82/ 20] وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ، فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا، وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران 135/ 3] والتوبة مفيدة في تجديد همة النفس والعهد، ومحو الذنب.
وقل أيها الرسول لهؤلاء التائبين ولغيرهم: اعملوا، فإن عملكم لا يخفى على الله وعباده، خيرا كان أو شرا، فالعمل أساس السعادة، وسيرى الله عملكم، ورسوله والمؤمنون باطلاعه إياهم على أعمالكم. وهذا وعيد لهم وتحذير من عاقبة الإصرار على الذنب والذهول عن التوبة، ولكل المخالفين أوامر الله، بأن أعمالهم ستعرض عليه تعالى، وعلى الرسول، وعلى المؤمنين، وهذا كائن لا محالة يوم القيامة، كما قال:{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ} [الحاقة 18/ 69].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أحمد والبيهقي عن أبي سعيد الخدري: «لو أن