الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} جعل الإعادة كالابتداء في الإلزام بها، لظهور برهانها.
{تُؤْفَكُونَ} تصرفون عن الحق إلى الباطل وعن عبادته مع قيام الدليل.
{مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} بإقامة الحجج، وإرسال الرسل، وخلق الاهتداء أو التوفيق للنظر والتدبر. {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} وهو الله {أَمَّنْ لا يَهِدِّي} أم الذي لا يهتدي، والاستفهام للتقرير والتوبيخ، أي الأول أحق. {كَيْفَ تَحْكُمُونَ} هذا الحكم الفاسد من اتباع ما لا يحق اتباعه، وما يقتضي صريح العقل بطلانه.
{وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ} في عبادة الأصنام، والمراد بالأكثر الجميع، أو الذي عنده تمييز ونظر ولا يرضى بالتقليد. {إِلاّ ظَنًّا} وهو تقليد الآباء بالاعتماد على خيالات فارغة وقياسات فاسدة، كقياس الغائب على الشاهد والخالق على المخلوق بأدنى مشاركة موهومة. {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} أي لا يفيد الظن فيما يطلب فيه العلم والاعتقاد الحق. {شَيْئاً} من الإغناء. {إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ} فيجازيهم عليه.
المناسبة:
انتقل الله تعالى فورا في بيانه من إثبات التوحيد إلى إثبات البعث، من طريق معرفة القادر ابتداء على خلق الإنسان وخلق السموات والأرض، وأن الإعادة كالابتداء، ثم عرض الأمر على العقلاء في بيان الأحق بالاتباع أهو الله الذي يخلق الاهتداء والتوفيق إليه، أم المحتاج إلى هداية غيره؟ وصيغ البيان أو الحجة بطريق السؤال والاستفهام؛ لأنه أوقع في النفس، وأبلغ تأثيرا على القلب.
التفسير والبيان:
قل للمشركين أيها الرسول: من الذي بدأ خلق السموات والأرض، ثم أنشأ ما فيهما من الخلائق؟ هل يستطيع أحد غير الله ذلك؟ سواء كان صنما أو وثنا أو كوكبا أو ملكا أو جنّا أو رسولا أو غيرهم؟ ومن يقدر أن يعيد الخلق خلقا جديدا؟
وبما أنهم بسبب اللجاج والمكابرة لا يؤمنون بالبعث والمعاد، فلم يجيبوا كما أجابوا عن الأسئلة الخمسة المتقدمة، فأجابهم الله تعالى بقوله:{قُلِ: اللهُ..} .
أي قل أيها الرسول: الله هو القادر على بدء الخلق وإعادته؛ لأن القادر على البدء قادر على الإعادة، فهو سبحانه وتعالى الذي يفعل هذا ويستقل به وحده لا شريك له. علما بأنهم يعترفون بأن المبدئ والمعيد في النباتات هو الله، لما يشاهدونه من تكرار بدء ظهور النبات بالمطر في فصل الشتاء، ثم موته في الصيف، ثم عودته إلى الظهور في الشتاء القادم مرة أخرى. ولكنهم ينكرون إعادة الحياة في الأحياء الحيوانية من إنسان وغيره.
{فَأَنّى تُؤْفَكُونَ؟} أي فكيف تصرفون عن طريق الرشد إلى الباطل وعن الحق وهو التوحيد إلى الضلال وهو الإشراك وعبادة الأصنام؟ أي إذا كانت فطرتكم وعقولكم أو أنظاركم وملاحظاتكم تؤدي إلى أن الله تعالى هو الذي يعيد الحياة إلى النبات، فلم لا تعترفون بقدرته على إعادة الحياة إلى الإنسان؟ وذلك يؤدي بكم إلى الإيمان بالبعث والجزاء يوم القيامة؟! ثم سألهم الله تعالى عن شأن من شؤون الربوبية، بقوله:{قُلْ: هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ؟ ..} . أي قل لهم أيها الرسول: هل يستطيع أحد من شركائكم هداية الضال والحيران: إما بالفطرة والغريزة، وإما بالحواس من سمع وبصر ونحوهما، وإما بالعقل والتفكير، وإما بهداية الكتب السماوية والرسل، أو هم عاجزون عن ذلك كله؟! وهذه الهداية هي تماما كالقدرة على الخلق والتكوين، كقوله تعالى:
{رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ، ثُمَّ هَدى} [طه 50/ 20].
وبما أنهم يدركون تماما أن شركاءهم لا يستطيعون شيئا من الخلق والهداية التشريعية، فلم يجدوا جوابا، فأجابهم الله تعالى:{قُلِ: اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ}
أي قل أيها الرسول: هو الله الذي يهدي إلى الحق بما أوجد من الأدلة والحجج، وأرسل من الرسل، وأنزل من الكتب، ومنح الإنسان مفاتيح العلم والمعرفة والإيمان بالعقل والحواس.
ومن هو أحق باتباع قوله وطاعة أمره؟ أهو الذي يقدر على الهداية إلى الحق والرشد والإيمان، أم الذي لا يهتدي بنفسه إلا أن يهديه غيره، وهو الله تعالى؟ وهذا يشمل جميع الشركاء من ملائكة وغيرهم كالمسيح وعزير {فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} أي فما بالكم وأي شيء دهاكم، كيف سوّيتم بين الله وبين خلقه، وحكمتم بجواز عبادة غير الله وشفاعتهم؟ وهذا تعجب شديد من حكمهم الجائر بالمساواة بين عبادة الله تعالى وعبادة شركائهم العاجزة عن كل شيء.
ثم بين الله تعالى أنهم لا يتبعون في اعتقادهم هذا وشركهم وعبادتهم غير الله دليلا ولا برهانا، وإنما يتبع جميعهم نوعا من الظن الضعيف وهو التوهم والتخيل، وذلك لا يغني عنهم شيئا، لأن الظن الخائب لا يغني شيئا من الإغناء فيما يطلب فيه الحق الثابت، أي العلم والاعتقاد الصواب.
إن الله عليم بأفعالهم، فيجازيهم على كل فعل منها، كتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، مع قيام الأدلة القطعية على صدقه، وتقليد الآباء والأجداد بدون حجة أو دليل. وهذا تهديد لهم ووعيد شديد؛ لأنه تعالى أخبر أنه سيجازيهم على ذلك أتم الجزاء.
والخلاصة: أن مجموعات، الآيات السابقة اشتملت على حجج ثلاث للاستدلال على وجود الله تعالى: الأولى-أنه الرازق الموجد السمع والبصر خالق الموت والحياة، والثانية-أنه خالق الإنسان والسموات والأرض وما بينهما، والثالثة-