الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر تعالى هنا ثلاث قصص: قصة نوح مع قومه، وقصة موسى وهارون مع فرعون، وقصة يونس مع قومه، وفي كل قصة عبرة وعظة. ولقد ذكرت أضواء من التاريخ على القصتين الأوليين، وسأذكر ما يناسب قصة يونس عليه السلام.
التفسير والبيان:
وأخبر أيها الرسول واقصص على كفار مكة الذين يخالفونك ويكذبونك خبر نوح مع قومه الذين كذبوه، كيف أهلكهم الله، ودمر هم بالغرق أجمعين عن آخرهم، ليحذر هؤلاء أن يصيبهم من الهلاك والدمار ما أصاب أولئك.
اذكر لهم حين قال نوح لقومه: يا قوم إن كان قد شق عليكم وعظم قيامي معكم للدعوة إلى عبادة ربكم، وتذكيري ووعظي إياكم بآيات الله أي بحججه وبراهينه الدالة على وحدانيته وعبادته، فإني توكلت على الله وحده ووثقت به، فلا أبالي ولا أكف عن دعوتي ورسالتي، سواء عظم عليكم أو لا.
فأجمعوا أمركم، أي اعزموا على ما تريدون من أمر تفعلونه بي، أنتم وشركاؤكم الذين تعبدونهم من دون الله من صنم ووثن.
ولا تجعلوا أمركم الذي تعتزمونه خفيا ملتبسا عليكم، بل أظهروه لي، وتبصروا فيه، وافصلوا حالكم معي.
فإن كنتم تزعمون أنكم محقون فاقضوا إلى ذلك الأمر ونفّذوه بالفعل، ولا تؤخروني ساعة واحدة عن تنفيذ هذا القضاء، فمهما قدرتم فافعلوا، فإني لا أبالي بكم ولا أخاف منكم؛ لأنكم لستم على شيء. وهذا الموقف الواثق بالله وبنصره لنوح أبي البشر الثاني مشابه لموقف هود عليه السلام إذ قال لقومه:
{إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ، وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ، مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً، ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} الآية [هود 54/ 11 - 56].
وهكذا يتبين الفرق الجلي بين موقف المؤمن الراسخ الإيمان الذي لا يعرف التردد، المعتصم بالله وبوعده وثقته به، وبين موقف الكافر الضعيف المتردد الذي لا ملاذ له، إلا بالقوة الوهمية الخاثرة بل المنعدمة للشركاء والآلهة المزعومة.
فإن توليتم أي أعرضتم عن تذكيري وكذبتم ولم تؤمنوا برسالتي ولم تطيعوني فيما أدعوكم إليه من الدين الحق، فإني لم أطلب منكم على نصحي إياكم شيئا: أجرا أو جزاء، إن ثواب عملي وجزائي على الله ربي الذي أرسلني إليكم، وأمرني أن أكون من المسلمين، أي المنقادين الممتثلين لما أمرت به من الاستسلام لكل ما يصل إلى من أجل هذه الدعوة، والإسلام والخضوع لله عز وجل، والإسلام هو دين الأنبياء جميعا من أولهم إلى آخرهم
(1)
، وإن تنوعت شرائعهم التفصيلية كما قال تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً} [المائدة 48/ 5] فأصولهم واحدة، ومصدرهم واحد،
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد:
(1)
فهذا نوح يقول: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وقال تعالى عن إبراهيم الخليل: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، قالَ: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ. وَوَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ، يا بَنِيَّ، إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ، فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة 131/ 2 - 132]. وقال يوسف: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ، وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ، فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، تَوَفَّنِي مُسْلِماً، وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ [يوسف 101/ 12]. وقال موسى: يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ، فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا، إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس 84/ 10] وقال السحرة: رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً، وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ [الأعراف 126/ 7] وقالت بلقيس: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ، لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [النمل 44/ 27]. وقال تعالى واصفا رسالة الأنبياء: إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة 44/ 5] وقال تعالى عن الحوار بين: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي، قالُوا: آمَنّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ [المائدة 111/ 5] وقال الرسول وسيد البشر صلى الله عليه وسلم امتثالا لقول الله: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام 163/ 6] أي من هذه الأمة.