الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآن، وقد أيست من نفسك ولم يبق لك اختيار. {وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} قبل ذلك مدة عمرك.
{وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} الضالين المضلين عن الإيمان.
{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ} نلقيك على نجوة (مكان مرتفع) من الأرض ليراك بنو إسرائيل، أو لا نغرقك في قعر البحر ونجعلك طافيا. {بِبَدَنِكَ} جسدك الذي لا روح فيه. {لِمَنْ خَلْفَكَ} بعدك وهم بنو إسرائيل. {آيَةً} عبرة وعظة، فيعرفوا عبوديتك ولا يقدموا على مثل فعلك.
روي عن ابن عباس: أن بعض بني إسرائيل شكّوا في موته، فأخرج لهم ليروه. {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ} أي أهل مكة وغيرهم. {عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ} لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها.
{وَلَقَدْ بَوَّأْنا} أنزلنا. {مُبَوَّأَ صِدْقٍ} منزل كرامة أو منزلا صالحا مرضيا وهو الشام ومصر. {وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ} من اللذائذ. {فَمَا اخْتَلَفُوا} في أمر دينهم، بأن آمن بعض وكفر بعض، إلا من بعد ما قرءوا التوراة وعلموا أحكامها، أو اختلفوا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا من بعد ما علموا صدقه بنعوته وتظاهر معجزاته. {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من أمر الدين، بإنجاء المؤمنين وتعذيب الكافرين، فيميز المحق من المبطل بالإنجاء والإهلاك.
المناسبة:
هذا هو الفصل الخامس من قصة موسى مع فرعون التي ابتدأها الله تعالى بالحوار بينهما، ثم أتبعها بقصة السحرة، ثم استطرد في أثنائها لبيان إيمان طائفة من بني إسرائيل بدعوة موسى، استعدادا للخروج من مصر، ثم ذكر دعاء موسى على فرعون وملئه.
ولما أجاب الله تعالى دعاء موسى وهارون، أمر بني إسرائيل بالخروج من مصر في الوقت المعلوم ويسّر لهم أسبابه، وفرعون كان غافلا عن ذلك، فذكر هنا خاتمة القصة الدالة على تأييد الله لموسى وأخيه على ضعفهما، وقوة فرعون وقومه.
التفسير والبيان:
هذا هو الفصل الخامس من قصة موسى عليه السلام.
وموضوع الآيات كيفية إغراق فرعون وجنوده، فإن بني إسرائيل لما خرجوا من مصر مع موسى عليه السلام، وهم فيما قيل: ست مائة ألف مقاتل سوى الذرية، وقد كانوا استعاروا من القبط حليا كثيرا، فخرجوا به معهم، فاشتد حنق فرعون عليهم، فركب وراءهم مع جنوده وجيوشه الهائلة، فلحقوهم وقت شروق الشمس عند ساحل البحر (البحر الأحمر-بحر السويس) فخاف أصحاب موسى عليه السلام، وإذا ضاق الأمر اتسع، فأمره الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه، فضربه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، أي كالجبل العظيم، وصار اثني عشر طريقا لكل سبط واحد، وأمر الله الريح فنشفت أرضه، وجاوزت بنو إسرائيل البحر، فلما خرج آخرهم منه، انتهى فرعون وجنوده إلى حافته من الناحية الأخرى، فلما رأى ذلك هاله وأحجم وهاب وهمّ بالرجوع، ثم صمّم على المتابعة وقال لأمرائه: ليس بنو إسرائيل بأحق بالبحر منا، فاقتحموا كلهم عن آخرهم، ولما أصبحوا في وسط البحر، أمر الله القدير البحر أن يرتطم عليهم فارتطم عليهم، فلم ينج منهم أحد، وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم، وتراكمت الأمواج فوق فرعون، وغشيته سكرات الموت فقال وهو كذلك:
{آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ، وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فآمن حيث لا ينفعه الإيمان، كقوله تعالى:{فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا: آمَنّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا، سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ، وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ} [غافر 84/ 40 - 85].
ولهذا قال الله تعالى في جواب فرعون حين قال ما قال: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} أي أهذا الوقت تؤمن، وقد عصيت الله قبل هذا؟ {وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} أي في الأرض من الذين أضلوا الناس.
هذه القصة من أسرار الغيب التي أعلم الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم.