الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلرَّحْمنِ وَلَداً. وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً. إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً. لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً} [مريم 88/ 19 - 95].
ثم توعد الله تعالى الكاذبين عليه المفترين، ممن زعم أن له ولدا بأنهم لا يفلحون، مما يدل على أن هذا المذهب افتراء على الله ونسبة لما لا يليق به إليه:{قُلْ: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ..} . أي قل لهم أيها الرسول: إن الذين يختلقون على الله الكذب بنسبة الشريك إليه، أو باتخاذ الولد، لا يفلحون ولا يفوزون أبدا، في الدنيا ولا في الآخرة. أما في الدنيا فيستدرجهم ويمتعهم قليلا، وأما في الآخرة فيضطرهم إلى عذاب غليظ شديد، كما قال تعالى:
{مَتاعٌ فِي الدُّنْيا} أي لهم تمتع في الدنيا قليل لمدة قصيرة {ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ} ثم بعد الموت يرجعون إلى ربهم بالبعث يوم القيامة، وما فيه من أهوال الحشر والحساب {ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ} أي ثم يلقون الشقاء المؤبد ويعذبون في نار جهنم العذاب الموجع المؤلم الغليظ أي الشديد، بسبب كفرهم وافترائهم وكذبهم على الله، فيما ادعوه من الإفك والزور.
وفي هذا دلالة واضحة على الخسارة المحققة للكافرين، فإن ما يتوهمون أنه نجاح في الدنيا بالحصول على المنافع المادية والمعنوية، لا قيمة له أصلا في مقابلة ما فاتهم في الآخرة من ثواب عظيم ونعيم مقيم في جنان الخلد، فإن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة.
فقه الحياة أو الأحكام:
تضمنت الآيات أمرين: الأول-بطلان القول بنسبة الولد لله تعالى بالأدلة القاهرة، وبانعدام الدليل على صحة هذا القول. والثاني-ظهور أن هذا المذهب افتراء على الله ونسبة لما لا يليق به إليه.
أما أدلة بطلان القول بنسبة الولد لله تعالى فهي كما ذكرت الآية الأولى خمسة:
1 -
سبحانه: وهو تنزيه وتقديس الله تعالى عن الصاحبة والأولاد وعن الشركاء والأنداد، وتعجب شديد من هذه الكلمة الحمقاء؛ لأنه تعالى ليس محتاجا إلى غيره، وإنما هو مصدر قضاء الحوائج.
2 -
هو الغني: الله هو الغني غنى مطلقا عن كل ما سواه، وكل شيء فقير إليه.
وكل من كان غنيا امتنع أن يكون له أب وأم، ومن تقدس عن الوالدين تقدس عن الأولاد. وامتنع أن ينفصل عنه جزء من أجزائه، والولد عبارة عن انفصال جزء من أجزاء الإنسان. وامتنع أن يكون موصوفا بالشهوة واللذة، فلا صاحبة له ولا ولد. وامتنع من اتخاذ الولد، لعدم احتياجه إلى إعانته على المصالح الحاصلة والمتوقعة.
وكل من كان غنيا كان قديما أزليا باقيا سرمديا، فلا يطرأ عليه الانقراض والانقضاء، والولد إنما يحصل للشيء الذي ينقضي وينقرض.
وكل من كان غنيا مطلقا كان واجب الوجود لذاته، فلو كان له ولد، لكان ولده مساويا له، أي يصبح واجب الوجود أيضا، وإذا اتصف بهذه الصفة امتنع تولده من غيره، وإذا لم يكن متولدا من غيره لم يكن ولدا.
فثبت أن كونه تعالى غنيا من أقوى الدلائل على أنه تعالى لا ولد له
(1)
.
3 -
له ما في السموات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا، فكيف يكون له ولد مما خلق، وكل شيء مملوك له، عبد له؟!.
(1)
تفسير الرازي: 132/ 17 وما بعدها.
4 -
إن عندكم من سلطان بهذا، أي ليس عندكم من حجة ولا دليل على صحة قولكم، والدعوى العارية من الدليل باطلة بطلانا مطلقا.
(1)
5 -
أتقولون على الله مالا تعلمون؟ من إثبات الولد له، والولد يقتضي المجانسة والمشابهة، والله تعالى لا يجانس شيئا، ولا يشابه شيئا. وهذا بالإضافة إلى كونه تأكيدا لما سبق إنكار شديد ووعيد أكيد وتقريع وتوبيخ على من تجرأ بنسبة الولد إلى الله تعالى.
وأما ظهور كون هذا المذهب افتراء وكذبا على الله، فواضح مترتب على بطلان الادعاء بثبوت الولد لله تعالى.
وقد دل قوله تعالى: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ} على أن إثبات العقيدة لا سيما فيما يتعلق بإثبات الله الصانع يتطلب دليلا قطعيا يقينا، ولا يقبل فيه التقليد والوراثة ومحاكاة عقائد المسلمين المؤمنين بحق. ودل قوله {لا يُفْلِحُونَ} على إفلاس الكافر وخسارته المحققة يوم القيامة وعدم نجاته من العذاب.
كذلك دل قوله تعالى: {مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ..} . الآية على أن التمتع في الدنيا قليل وحقير جدا بالنسبة لنعيم الآخرة، وأن مرجع جميع الخلائق إلى الله تعالى، وأن الكفار والمشركين معذبون عذابا شديدا بسبب كفرهم.
(1)
تفسير الرازي: 132/ 17 وما بعدها.