الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} بالذهاب والمجيء والزيادة والنقصان {وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ} من ملائكة وشمس وقمر ونجوم وغير ذلك {وَالْأَرْضِ} وفي الأرض من حيوان وجبال وبحار وأنهار وأشجار وغيرها {لَآياتٍ} دلالات على قدرته تعالى ووجوده ووحدته وكمال علمه وقدرته. {لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} يتقون عواقب الأمور، فيؤمنون، لأن ذلك يحملهم على التفكر والتدبر، وخصهم بالذكر؛ لأنهم المنتفعون بها.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى الأدلة على إثبات الألوهية والتوحيد، والبعث، من خلق السموات والأرض، خصص بالذكر للتأكيد أحوال الشمس والقمر الدالة على التوحيد من جهة الخلق والإيجاد، وعلى إثبات المعاد من جهة كونهما أداة لمعرفة السنين والحساب، وذلك رصد للزمن الذي لا بد له من نهاية، وموت أهله، ثم ذكر المنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار، وما خلق الله في السموات والأرض.
فصارت الأدلة على الألوهية والتوحيد أربعة: خلق السموات والأرض، وأحوال الشمس والقمر، والمنافع المترتبة على اختلاف الليل والنهار، وما خلق الله في السموات والأرض من حوادث وأحوال، كالأمطار والرعد والبرق، والزلازل والبراكين، والمد والجزر في البحار، وأحوال النبات والحيوان والمعادن.
التفسير والبيان:
الله ربكم هو الذي خلق السموات والأرض، وجعل الشمس في النهار ضياء للكون، ومصدرا للحياة وإشعاع الحرارة الضرورية للحياة، في النبات والحيوان، وجعل القمر نورا في الليل يبدد الظلمات، وقدر مسيره في فلكه منازل أو ذا منازل، ينزل كل ليلة في واحد منها، وهي ثمانية وعشرون منزلا معروفة لدى العرب، يرى القمر فيها بالأبصار، كقوله تعالى:{وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ} [يس 39/ 36].
وتخصيص القمر بذكر منازله، إذا جعل الضمير عائدا إليه وحده، لسرعة سيره، ومعاينة منازله، وإناطة أحكام الشرع به، ولذلك علله بقوله:
{لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ} أي يعرف به حساب الأوقات من الشهور والأيام والليالي، والفصول الأربعة، والحساب مطلوب لضبط أوقات العبادة من صلاة وصيام وحج وزكاة ومعاملات وعقود.
وإذا كان تقدير المنازل لكل من الشمس والقمر، فيعرف بهما حساب الأوقات، فبالشمس تعرف الأيام، وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام. وقد حث الشرع على الانتفاع بالحساب الشمسي في نحو قوله تعالى:{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ} [الرحمن 5/ 55] وقوله: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ، فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ، وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً، لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ، وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ} [الإسراء 12/ 17] وفي كل من الحساب الشمسي والقمري فوائد، فالحساب الشمسي ثابت، والحساب القمري أسهل على البدوي والحضري، فأنيطت به الأحكام الشرعية.
ما خلق الله ذلك المذكور من الشمس والقمر إلا خلقا متلبسا بالحق الذي هو الحكمة البالغة، ولم يخلقه عبثا، بل له حكمة عظيمة في ذلك، وحجة بالغة، كقوله تعالى:{وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً} [ص 27/ 38] وقوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً، وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون 115/ 23].
{يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي يبين الله الآيات الكونية الدالة على عظمته وقدرته، والآيات القرآنية، لقوم يعلمون طرق الدلالة على الخالق ومنافع الحياة، ويميزون بين الحق والباطل.
إن في اختلاف الليل والنهار أي في تعاقبهما، إذا جاء هذا ذهب هذا، وإذا