الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن العباد) لأمر الله، فهو المختص بعلمه، ولا يأتي بها إلا هو، وإنما على التبليغ، ولعله لا ينزلها، لعدم الفائدة في إنزالها، فقد نزلت آيات كثيرة ولم يؤمن بها المعاندون الجاحدون، والمانع من إنزالها أمر مغيب لا يعلمه إلا هو {فَانْتَظِرُوا} نزول ما اقترحتموه، أو العذاب إن لم تؤمنوا {إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} لما يفعل الله بكم بجحودكم ما نزل عليه من الآيات العظام واقتراحكم غيره.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى ثلاث شبهات للمشركين للطعن في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم (وهي عجبهم من نزول الوحي على محمد، وتعجلهم العذاب إن كان صادقا، وتشككهم في القرآن) ذكر هنا شبهة رابعة لإنكار نبوته، وهي أن الكتاب لا يكون معجزا، بدليل أن كتاب موسى وعيسى ما كان معجزة لهما، بل كان لهما معجزات أخرى دلت على نبوتهما، وكان في مشركي العرب من يدعي إمكان معارضة القرآن، لقوله تعالى:{لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا} [الأنفال 31/ 8] وإنما لا بد لإثبات نبوته من نزول آية كونية حسية مادية غير هذا القرآن، ليكون معجزة له.
هذا مع العلم بأن القرآن الكريم اشتمل على آيات علمية وعقلية دالة على النبوة والرسالة.
التفسير والبيان:
ويقول هؤلاء الكفرة المكذبون المعاندون قولا متكررا: هلا أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم آية كونية حسية مشاهدة كالتي نزلت على نوح وشعيب وهود وصالح وموسى وعيسى، أو أن يحول الصفا لهم ذهبا، أو يزيح، عنهم جبال مكة، ويجعل مكانها بساتين وأنهارا، أو نحو ذلك مما الله عليه قادر.
وقد حكى القرآن عنهم في مواضع كثيرة هذا الطلب بإنزال معجزات مادية، وأجاب عنه إما مجملا كما هنا، وإما مفصلا، كما في سورة الفرقان: {وَقالُوا
مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ، لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ، فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً، أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ، أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها} [7 - 8] ثم في آيات بعدها:{تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً} [10].
وفي سورة الإسراء طالبوا بواحدة من بضع آيات: {وَقالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ، فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً. أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً، أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ، أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ، وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ، قُلْ: سُبْحانَ رَبِّي، هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً} [90 - 93].
وكان الرد الحاسم على مثل هذه الاقتراحات قوله تعالى: {وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} [الإسراء 59/ 17] أي كذب بها قوم عاد وثمود وغيرهم. وقضينا ألا نعاملهم بمثل معاملة الأقوام الغابرة، فنستأصلهم؛ لأن محمدا خاتم النبيين، ورحمة عامة شاملة للعالمين، وقد يلد منهم من يؤمن ويوحد الله تعالى.
ومع كل هذا آتى الله نبيه آيات علمية وكونية، ولكنه لم يجعلها حجة على رسالته، ولا طالبهم بالإيمان بموجبها، بل كانت لضرورة كاستجابة بعض أدعيته صلى الله عليه وسلم، كشفاء المرضى، وإشباع العدد الكثير في غزوتي بدر وتبوك من الطعام القليل، وانشقاق القمر نصفين، وحنين الجذع، وتكليم الضب، ونحو ذلك مما هو معروف مستقصى في كتب السنة والسيرة مثل أعلام النبوة للماوردي.
وبالرغم من تلك الآيات، ظل القرآن الكريم هو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الخالدة، ولعل عصرنا بما اكتشف فيه من اختراعات عجيبة، وظهرت فيه