الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سارع هؤلاء إلى تكذيب القرآن من قبل أن يتدبروا ما فيه، أو يفهموه، وهذا.
شأن المعاند الجاهل.
{وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} أي وكما أنهم كذبوا به بداهة قبل التدبر والمعرفة تقليدا للآباء، كذلك كذبوه بعد التدبر ومعرفة علو شأنه وإعجازه وضعف قواهم في المعارضة، تمردا وعنادا، وبغيا وحسدا. ويجوز أن يكون معنى {وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}: لم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإخبار بالمغيبات، حتى يتبين لهم أهو كذب أم صدق؟ {كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي مثل ذلك التكذيب كذبت الأمم السابقة بمعجزات الأنبياء قبل النظر فيها وقبل تدبرها من غير إنصاف من أنفسهم، ولكن تقليدا للآباء وعنادا.
{فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظّالِمِينَ} أي فانظر أيها الرسول كيف كانت عاقبة أولئك الظالمين لأنفسهم بتكذيبهم رسلهم وطلبهم الدنيا وترك الآخرة، وهي أننا أهلكناهم بسبب تكذيبهم رسلنا، ظلما وعلوا، وكفرا وعنادا وجهلا، فاحذروا أيها المكذبون أن يصيبكم ما أصابهم:{فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا، وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت 40/ 29].
فقه الحياة أو الأحكام:
الآيات إثبات قاطع لكون القرآن كلام الله تعالى ووحيه إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وليس افتراء من محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك بدليل وصفه بالأوصاف الخمس التي ذكرت في الآية، وأوضحتها في التفسير السابق.
وبدليل التحدي للعرب بأن يأتوا بمثل سورة من هذا القرآن، إذا كان في زعمهم من كلام محمد صلى الله عليه وسلم وهو بشر مثلهم، وهم عرب فصحاء بلغاء مثله.
فالآية الأولى دلت على كون القرآن من عند الله تعالى؛ لأنه مصدّق الذي بين يديه من الكتب، وموافق لها، من غير أن يتعلم محمد عليه الصلاة والسلام عن أحد.
والآية الثانية إلزام بسورة مثله إن كان مفترى. وهذا مناسب لما اشتهر به العرب من فصاحة وبلاغة وبيان، فالقرآن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم الخالدة في بيانه ونظمه وتشريعه وعلومه. كما أن كل معجزة لنبي تناسب العصر الذي عاش فيه، مثل معجزة العصا واليد لموسى عليه السلام في زمن برع فيه السحرة بفنون السحر، ومعجزة عيسى عليه السلام الذي بعث في زمان اشتهار علم الطب، فكان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، وهذا من غير علاج ولا دواء.
لهذا جاء
في الحديث الصحيح المتقدم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من نبي من الأنبياء، إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا» .
ودلت الآية الثالثة: {بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} على انهيار موقف العرب من القرآن، فهم قبل أن يتأملوا بما فيه كذبوا به تقليدا للآباء وإبقاء على عبادة الأوثان، وبعد أن تأملوا وتدبروا فيه كذبوا به أيضا تمردا وعنادا، وبغيا وحسدا، وعجزا وضعفا من معارضته والإتيان بمثل أقصر سورة فيه في سلامة النظم والأسلوب والمعنى والحكم. لذا أنذرهم القرآن بالدمار والهلاك على ظلمهم كما أهلك الأمم الخالية بسبب تكذيب الرسل.