الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيكون مخصوصا من هذا العموم، ويكون المنصوص عليهم هم المقصودين بالنص العام.
ولا يصح لهؤلاء إيثار أنفسهم على نفس الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يرضوا لأنفسهم بالدعة والراحة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المشقة.
لم يكن لهم حق التخلف، بل يجب عليهم الاتباع والجهاد، بسبب أن كل ما يصيبهم في جهادهم-من معاناة ومكابدة ومشاق كالعطش والتعب والجوع والألم في سبيل الله، ووط ء جزء من أرض الكفر يغيظ الكفار، والنيل من الأعداء بالأسر أو القتل أو الهزيمة أو الغنيمة-يستوجب الثواب الجزيل المكافئ لما قدموه وزيادة، وذلك مما يوجب المشاركة في الجهاد، إن الله لا يضيع أجر المحسنين، أي لا يدع له شيئا من الثواب على إحسانه إلا كافأه به، كقوله تعالى:
{إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف 30/ 18].
وكذلك لا ينفق هؤلاء المجاهدون (الغزاة)
(1)
في سبيل الله نفقة صغيرة ولا كبيرة، أي قبيلا ولا كثيرا، ولا يقطعون واديا، أي في السير إلى الأعداء، إلا أثبت لهم الجزء الأوفى، ليجزيهم الله أحسن الجزاء على عملهم؛ لأن الجهاد في سبيل الله إعلاء لكلمة الإسلام، وصون الإيمان، وحفظ الأوطان، وما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا واستعبدوا.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على الأحكام التالية:
1 -
فرضية الجهاد ووجوبه على أهل المدينة وقبائل العرب المجاورة لها، بسبب كون المدينة عاصمة الإسلام، وكونهم سكانها، وجيران الرسول صلى الله عليه وسلم،
(1)
الغزو والجهاد والحرب كلها بمعنى واحد في اللغة.
ويصيبهم مباشرة ما أصابه من مجد أو خير أو نصر أو غير ذلك.
2 -
لا يصح لمؤمن إيثار نفسه على نفس الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإيمان لا يكمل إلا بأن يحب الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر مما يحب نفسه.
3 -
إن كل ما يتعرض له المجاهد من مكابدة ومتاعب في السفر للجهاد يثاب عليه ثوابا جزيلا.
4 -
إن في الجهاد إحسانا، سواء في حق الأعداء؛ لأنه قد ينقلهم من دائرة الكفر إلى دائرة الإسلام، وفي حق المسلمين؛ لأنهم يصونون به الحرمات: حرمة الدين والإيمان، وحرمة البلاد والأوطان والأموال والأعراض، ويحققون به العزة والمجد والكرامة.
5 -
تستحق الغنيمة بمجرد الاستيلاء، كما قال الشافعي؛ لأن الله تعالى جعل وط ء ديار الكفار بمثابة النّيل من أموالهم، وإخراجهم من ديارهم، وهو الذي يغيظهم، ويدخل الذّل عليهم، فهو بمثابة نيل الغنيمة والقتل والأسر.
6 -
إن هذه الآية منسوخة بالآية التالية بعدها: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً.} . وإن حكمها كان في حال قلة المسلمين، فلما كثروا نسخت، وأباح الله التخلف عن الجهاد مع الحكام لمن شاء. قال قتادة: كان هذا خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، إذا غزا بنفسه فليس لأحد أن يتخلف عنه إلا بعذر؛ فأما غيره من الأئمة والولاة، فلمن شاء أن يتخلف خلفه من المسلمين إذا لم يكن بالناس حاجة إليه ولا ضرورة. قال القرطبي: قول قتادة حسن، بدليل غزاة تبوك.
أما المعذورون الباقون في المدينة فلهم مثل أجر العاملين المجاهدين؛ لما
روى أبو داود عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد تركتم بالمدينة أقواما، ما سرتم مسيرا، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه، قالوا: يا رسول الله، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال: حبسهم العذر»
وأخرجه مسلم من حديث جابر قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فقال: