الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي اتقوا وتجنبوا ما لا يرضاه الله من مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكونوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الغزوات، ولا تكونوا متخلفين عنها، وجالسين مع المنافقين في البيوت، وكونوا في الدنيا مع الصادقين في إيمانهم وعهودهم، أو في دين الله نية وقولا وعملا، تكونوا في الآخرين مع الصادقين في الجنة.
والصدق: الثبات على دين الله وشرعه، وتنفيذ أوامره، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد استتبع صدق هؤلاء الثلاثة في ندمهم على ما فعلوا قبول الله تعالى توبتهم. وذلك مؤذن بأن الصدق في المواقف طريق النجاة والفلاح،
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البيهقي مرفوعا: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، إنه يقال للصادق: صدق وبرّ، ويقال للكاذب: كذب وفجر، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا، ويكذب حتى يكتب عند الله كذابا» .
وترك الكذب كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم سبيل لترك جميع المعاصي من خمر وزنا وسرقة ونحوها.
ولا يرخص في الكذب إلا في ثلاث: في الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته ليرضيها، كأن يقول لها: أنت أجمل الناس، وأحب الناس إلى، لا في غير ذلك كمصالح البيت والنفقة ونحوها.
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل يكذب في خديعة حرب، أو صلاح بين اثنين، أو رجل يحدث امرأته ليرضيها» .
وجاء في حديث آخر أخرجه ابن عدي والبيهقي عن عمران بن حصين، وهو ضعيف:«إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب» .
فقه الحياة أو الأحكام:
موضوع الآيات: التوبة والصدق.
أما التوبة فكانت شاملة عامة لكل من شارك في غزوة العسرة أو غزوة تبوك. وذلك تفضل من الله ورحمة، بعد ما تعرضوا للشدائد في جميع أوقات تلك الغزوة، قال جابر: اجتمع عليهم عسرة الظّهر، وعسرة الزاد، وعسرة الماء.
قال الزمخشري في قوله تعالى: {تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ} هو كقوله:
{لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} [الفتح 2/ 48] وقوله:
{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [غافر 55/ 40] وهو بعث للمؤمنين على التوبة، وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار حتى النبي والمهاجرين والأنصار، وإبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله، وأن صفة التوابين الأولين صفة الأنبياء
(1)
.
وشملت هذه التوبة أيضا الثلاثة الذين خلّفوا عن هذه الغزوة، أي أرجئوا وأخّروا عن المنافقين، فلم يقض فيهم بشيء، وذلك أن المنافقين لم تقبل توبتهم، واعتذر أقوام فقبل عذرهم، وأخّر النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة حتى نزل فيهم القرآن.
وهذا هو الصحيح لما رواه مسلم والبخاري وغيرهما. قال كعب فيما رواه مسلم:
كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه؛ فبذلك قال الله عز وجل:{وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وليس الذي ذكر الله مما خلّفنا تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له، واعتذر إليه، فقبل منه.
والأوصاف الثلاثة التي وصفهم بها القرآن دليل على صدقهم في التوبة. لذا
(1)
الكشاف: 61/ 2
أمر تعالى بالصدق بعد هذه الأوصاف، وهو خطاب لجميع المؤمنين يأمر فيه تعالى التزام مذهب الصادقين وسبيلهم.
والآية هذه توجب الصدق، وهو أمر حسن بعد قصة الثلاثة حين نفعهم الصدق، وأبعدهم عن منازل المنافقين، وهي دالة على فضل الصدق، وكمال درجته.
ولا شك بأن التوبة النصوح من أخص أحوال الصدق، فما على العاقل المتقي إلا ملازمة الصدق في الأقوال، والإخلاص في الأفعال، والصفاء في الأحوال، ومن اتصف بذلك صار مع الأبرار، وحظي برضا الإله الغفار.
موقفا صدق وإيمان للمقارنة مع المتخلفين: الأول-
عن أبي ذر الغفاري أن بعيره أبطأ به، فحمل متاعه على ظهره، واتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى سواده: كن أبا ذر! فقال الناس: هو ذاك، فقال:
«رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده» .
والثاني-
أن أبا خيثمة الأنصاري بلغ بستانه، وكانت له امرأة حسناء فرشت له في الظل، وبسطت له الحصير، وقربت إليه الرطب والماء البارد، فنظر فقال: ظل ظليل، ورطب يانع، وماء بارد، وامرأة حسناء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحر والريح، ما هذا بخير، فقام فرحل ناقته، وأخذ سيفه ورمحه، ومر كالريح، فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفه إلى الطريق، فإذا براكب يزهاه السراب، فقال: كن أبا خيثمة! فكان، ففرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستغفر له
(1)
.
(1)
الكشاف: 61/ 2 - 62