الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«الأنبياء أولاد علاّت» أي أننا أولاد من أمهات شتى والأب واحد، وديننا وإيماننا واحد: وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وإن تنوعت شرائعنا.
فكذبوه، أي فأصروا على تكذيبه، فنجيناه هو ومن آمن معه في الفلك أي السفينة التي صنعها بأمرنا.
وجعلناهم خلائف، أي وجعلنا الناجين مع نوح في السفينة خلائف أولئك الهالكين، في عمارة الأرض وسكناها من بعدهم، وأغرقنا بالطوفان الذين كذبوا نوحا، فانظر أيها الرسول كيف أنجينا المؤمنين، وأهلكنا المكذبين المنذرين، الذين أنذرهم رسولهم بالعذاب قبل وقوعه، فلم يرتدعوا، وأصروا على تكذيبه، وهذه عاقبة كل المصرّين على تكذيب الأنبياء، وعاقبة المؤمنين.
فقه الحياة أو الأحكام:
1 -
العبرة من قصة نوح: ذكر الله تعالى في هذه السورة قصة نوح عليه السلام لفائدتين: الأولى-أن تصير تلك القصة عبرة لهؤلاء الكفار، وهجر الجحود بالتوحيد والإيمان بالنبوة؛ لأن الله عجل هلاك قوم نوح بالغرق لما أصروا على الكفر والجحود.
والثانية-أن الإنذار بالعذاب لا بد أن يتحقق، فقد كان كفار مكة يستعجلون العذاب الذي يذكره الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، ويقولون له: كذبت، فإنه ما جاءنا هذا العذاب، فذكر الله تعالى قصة نوح ليبين لهم أن ما أنذر به نوح قومه وقع في نهاية الأمر، كما أخبر، فكذلك يقع كل عذاب أنذركم به.
2 -
النظر في الموقف والمقارنة بينها: موقف نوح وموقف قومه، فموقف نوح عليه السلام كان موقف المؤمن الجريء الجسور الذي لا يخشى الصعاب، ولا يعرف التردد، ولا يهاب الموت في سبيل دعوته، ويتحدى الجمع الغفير فيما
يريدون أن يعملوه معه. وموقف قومه كان موقف الهيّاب الضعيف المتخاذل المتردد الذي لم يستطع اتخاذ قرار حاسم في شأن نوح، الذي كانت هيبة الإيمان تحميه وتعصمه من مكائدهم وشرورهم.
3 -
كلمات نوح مع أولئك الكفار: كانت كلمات نوح مكونة من جملة شرط وجزاء. أما الشرط ففيه أمران: الأول- {إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي} أي ثقل وشق بسبب مكثه فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، وبسبب ما ألفه الكفار من مذاهب فاسدة وعقائد ومناهج باطلة، والغالب أن من ألف طريقة في الدين يثقل عليه تغييرها.
والأمر الثاني- {تَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ} لأن من شغف بلذات الدنيا كان شديد النفرة من الأمر بالطاعات والنهي عن المعاصي والمنكرات.
وأما الجزاء على الشرط ففيه أمور خمسة:
الأول- {فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ} أي إن شدة بغضكم لي التي تحملكم على إيذائي تجعلني لا أقابل ذلك الشر إلا بالتوكل على الله، وهذا منه توكل على الله في دفع شر هذه الساعة، إن كان متوكلا أبدا على الله تعالى.
الثاني- {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ} أي اعزموا على الأمر الذي تريدون إيقاعه بي، وابذلوا جهودكم في الكيد لي والمكر بي، مع شركائكم الأوثان التي تسمونها آلهة، وفي هذا تحد شديد لمخططاتهم ومكائدهم.
الثالث- {ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} أي ليكن أمركم ظاهرا منكشفا تتمكنون فيه مما شئتم، وفي هذا استعداد لمواجهة قراراتهم بصراحة وجرأة، وصرامة وصبر.
الرابع- {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} أي امضوا إلى بمكروهكم وما توعدونني به، وهذا
دليل الإباء وعدم المبالاة بما ينفذون من قرار.
الخامس- {وَلا تُنْظِرُونِ} أي لا تمهلون بعد إعلامكم إياي ما اتفقتم عليه، وهذا غاية الشجاعة والبأس، فإنه لا يحتاج إلى إنذار وإمهال. وهو أيضا من دلائل النبوات، فإنه أعلمهم أنهم لا يصلون إليه بسوء؛ لأن الله عاصم أنبياءه.
4 -
النبي في دعوته لا يطلب أجرا من أحد على نصحه: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} قال المفسرون: هذا إشارة إلى أنه ما أخذ منهم مالا على دعوتهم إلى دين الله تعالى. ومتى كان الإنسان خاليا من الطمع كان قوله أقوى تأثيرا في القلب. وهكذا كانت سيرة جميع الأنبياء.
5 -
الثبات على المبدأ: {إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللهِ، وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فيه قولان:
الأول-أنكم سواء قبلتم دين الإسلام أو لم تقبلوا، فأنا مأمور بأن أكون على دين الإسلام.
والثاني-أني مأمور بالاستسلام لكل ما يصل إلى لأجل هذه الدعوة. قال الرازي: وهذا الوجه أليق بهذا الموضع، لانسجامه مع قوله السابق:{ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} .
6 -
عاقبة القصة بين نوح وقومه: ترتب على هذا النقاش الحاد بين نوح وقومه الكفار نتائج حاسمة ومهمة جدا.
أما بالنسبة لنوح وأصحابه فأمران: أنه تعالى نجاهم من الكفار، وأنه جعلهم خلائف بمعنى أنهم يخلفون من هلك بالغرق.
وأما بالنسبة للكفار: فهو أنه تعالى أغرقهم بالطوفان وأهلكهم. وهذه القصة زحر للمخالفين من حيث يخافون آن ينزل بهم مثل ما نزل بقوم نوح،