الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعاصرون للنبي عليه الصلاة والسلام، وبه قال جمع عظيم من المفسرين وهم قبائل اليهود في المدينة (قريظة والنضير وبنو قينقاع) ومنزل الصدق: ما بين المدينة والشام، والطيبات: ما في تلك البلاد من التمور، والمراد بالعلم: القرآن، وسماه علما لأنه سبب للعلم على سبيل المجاز، وكونه سبب الاختلاف: أن اليهود اختلفوا فآمن قوم وبقي آخرون على كفرهم، فصار نزول القرآن سببا لحدوث انقسام بينهم.
{فَمَا اخْتَلَفُوا حَتّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ} أي فما اختلف بنو إسرائيل في أمر دينهم إلا من بعد ما علموا وقرءوا التوراة وعلموا أحكامها، أو ما اختلفوا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا من بعد ما علموا صدقه بنعوته وتظاهر معجزاته، وذلك أنهم كانوا قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم مقرين بنبوته، مجمعين على صحة رسالته، وكانوا يستفتحون به على الذين كفروا، ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم بالنعت الذي كانوا يجدونه مكتوبا عندهم، فلما بعث وجاءهم ما عرفوا، كفروا به، فكفر به بعضهم حسدا وحبا للرياسة ولجمع المال، وآمن آخرون.
والخلاصة: إنهم ما اختلفوا في شيء من المسائل جهلا، وإنما من بعد ما جاءهم العلم، ولم يكن لهم أن يختلفوا.
{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي..} . أي إن ربك يفصل ويحكم بينهم يوم القيامة في شأن ما اختلفوا فيه، فيميز المحق من المبطل بالإنجاء للمحقين من النار وإدخالهم الجنة، والإهلاك للمبطلين في عذاب جهنم.
فقه الحياة أو الأحكام:
اشتملت الآيات على الأحكام التالية:
1 -
قد ينصر الله تعالى الضعفاء أو المستضعفين على الأشداء الأقوياء، كما
نصر الله موسى وأخاه هارون على ضعفهما، على فرعون الجبار وجنوده الأشداء، إذ كانت دولتهم أقوى دول العالم القديم.
2 -
إيمان اليأس لا ينفع؛ لأنه في وقت الإلجاء والاضطرار والإكراه وفقد عنصر الاختيار وزوال وقت التكليف، فلم يقبل الله إعلان فرعون الإيمان حينما أشرف على الغرق بمعان ثلاثة يؤكد بعضها بعضا.
قال الرازي: آمن فرعون ثلاث مرات، أولها قوله:{آمَنْتُ} وثانيها قوله: {لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ} وثالثها قوله: {وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فما السبب في عدم القبول، والله تعالى متعال عن أن يلحقه غيظ وحقد، حتى يقال: إنه لأجل ذلك الحقد لم يقبل منه هذا الإقرار؟ والجواب أنه إنما آمن عند نزول العذاب. والإيمان في هذا الوقت غير مقبول؛ لأن عند نزول العذاب يصير الحال وقت الإلجاء، وفي هذه الحال لا تكون التوبة مقبولة، ولهذا السبب قال تعالى:{فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا}
(1)
3 - كان فرعون عاصيا كافرا عاتيا متكبرا مفسدا في الأرض بالضلال والإضلال، فاستحق التوبيخ والإنكار والتهكم عليه.
4 -
تمّ إنقاذ جثة فرعون من الغرق، واسمه منبتاح بن رمسيس 1225 ق. م، وهي التي ما تزال موجودة في متحف الآثار المصرية بالقاهرة وشاهدتها بنفسي، وشاهدت فيها آثار ملوحة ماء البحر البيضاء على عظم الجبهة. ويعدّ هذا الإنقاذ عبرة وعظة لكل من يدعي الربوبية ويكفر بالله، فهو أحقر من أن يكون ربا؛ لأن الرب لا يموت. قال المفسرون: إنما نجّى الله بدن فرعون بعد الغرق؛ لأن قوما اعتقدوا فيه الألوهية، وزعموا أن مثله
(1)
تفسير الرازي: 154/ 17
لا يموت، فأراد الله أن يشاهده الناس على ذلك الذل والمهانة، ليتحققوا موته، ويعرفوا أن الذي كان بالأمس في نهاية الجلالة والعظمة قد آل أمره إلى الذل والهوان، فيكون عبرة للخلق، وزجرا لأهل الطغيان.
5 -
ذم الغفلة وعدم التفكر في أسباب الحوادث الجسام وعواقبها المؤثرة في التاريخ.
6 -
إن في قصة إغراق فرعون الطاغية عبرة لمكذبي النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذين يغترون بقوتهم وكثرتهم وثروتهم، فقد كان فرعون وقومه أكثر منهم عددا، وأشد قوة، وأوفر ثروة، وقد جعل الله تعالى سنته في المكذبين واحدة وهي التدمير والإهلاك، إما في الدنيا وإما في الآخرة، فالعاقل من المكذبين من يتدبر في الأمر، ويبادر إلى ساحة الرضا والإيمان، ليكون من أهل النجاة في الآخرة:
{لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ} [يوسف 111/ 12].
7 -
لقد أنعم الله على بني إسرائيل بالنعم الكثيرة الدينية والدنيوية، ومن أهمها إنقاذهم من طغيان فرعون، وأمانهم واستقرارهم في فلسطين في الماضي، ولكنهم لم يتعظوا ولم يعتبروا بها.
بل إنهم كفروا بهذه النعم، وكفروا برسالة عيسى ومحمد عليهما السلام، فأصبحوا مثل غيرهم ممن يستحق العذاب والطرد والإجلاء من ديار الإسلام.
والمقصود بذلك أحوال بني إسرائيل القدامى والمعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن المتأخرين راضون بفعل المتقدمين، وسائرون على نهجهم، وهذا جمع بين القولين السابقين.
ولم يختلفوا في شأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وصدقه قبل بعثته، بل كانوا مجمعين على نبوته والإيمان به على وفق الأوصاف المذكورة في كتبهم، وإنما اختلفوا بعد بعثته حسدا وبغيا وحبا في بقاء المراكز الدينية، والزعامة السياسية، فكان اختلافهم