الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتاب الله أيضا على الثلاثة الذين خلّفوا أي تخلفوا عن الغزو لا بسبب النفاق، وإنما كسلا وإيثارا للراحة والقعود. وخلفوا الغازين بالمدينة أي صاروا خلفاء للذين ذهبوا إلى الغزو وأرجئوا وأخروا عن المنافقين فلم يقض فيهم شيء، وهم المرجون لأمر الله، وهم كعب بن مالك الشاعر، وهلال بن أمية الواقفي الذي نزلت فيه آية اللعان، ومرارة بن الربيع العامري، وكلهم من الأنصار.
ووصف الله هؤلاء الثلاثة بصفات ثلاث هي:
الصفة الأولى:
{حَتّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ} : أي خلفوا عن التوبة حتى شعروا بأن الأرض قد ضاقت عليهم على رحبها وسعتها بالخلق جميعا، خوفا من العاقبة، وجزعا من إعراض النبي صلى الله عليه وسلم عنهم، ومنع المؤمنين من مكالمتهم، وأمر أزواجهم باعتزالهم، حتى بقوا على هذه الحالة خمسين يوما أو أكثر.
والصفة الثانية:
{وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} أي ضاقت صدورهم بسبب الهم والغم، ومجانبة الأحباء، ونظر الناس لهم بعين الإهانة.
والصفة الثانية:
{وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاّ إِلَيْهِ} أي علموا واعتقدوا ألا ملجأ ولا ملاذ من غضب الله إلا بالتوبة والاستغفار ورجاء رحمته.
{ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ} أي أنزل قبول توبتهم.
{لِيَتُوبُوا} أي ليرجعوا إليه بعد إعراضهم عن هدايته واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذه الأوصاف السابقة كانت دليلا على توبتهم وصدقهم في ندمهم. إن الله
كثير القبول لتوبة التائبين، واسع الرحمة للمحسنين. وقصة قبول توبتهم تظهر فيما يأتي:
قال أكثر المفسرين: إنهم ما ذهبوا خلف الرسول عليه الصلاة والسلام،
قال كعب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب حديثي، فلما أبطأت عنه في الخروج، قال عليه الصلاة والسلام:«ما الذي حبس كعبا؟» فلما قدم المدينة، اعتذر المنافقون، فعذرهم، وأتيته وقلت: إن كراعي (خيلى) وزادي كان حاضرا، واحتبست بذنبي، فاستغفر لي، فأبى الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك.
ثم إنه عليه الصلاة والسلام نهى عن مجالسة هؤلاء الثلاثة، وأمر بمباينتهم حتى أمر بذلك نساءهم، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وجاءت امرأة هلال بن أمية، وقالت: يا رسول الله، لقد بكى هلال، حتى خفت على بصره، حتى إذا مضى خمسون يومأ أنزل الله تعالى:{لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ} وأنزل قوله: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} فعند ذلك خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرته، وهو عند أم سلمة فقال:«الله أكبر، قد أنزل الله عذر أصحابنا» فلما صلى الفجر ذكر ذلك لأصحابه، وبشرهم بأن الله تاب عليهم، فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلا عليهم ما نزل فيهم.
فقال كعب: توبتي إلى الله أن أخرج مالي صدقة، فقال: لا، قلت:
فنصفه قال: لا، قلت: فثلاثة؟ قال: نعم
(1)
.
وبعد أن نزل قوله تعالى بقبول توبة هؤلاء الثلاثة، زجر عن فعل ما مضى، وهو التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فقال:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ} .
(1)
تفسير الرازي: 218/ 16