الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والطريقة الثالثة: تقدير لام التعليل، وذلك في نحو قوله تعالى:{يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم} [الممتحنة: 1]، و {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} [غافر: 28]، أي لأن تؤمنوا ولأن تؤمنوا ولأن يقول ربي الله.
وهذا التقدير صحيح مع ذكر (أن)، ولكن لا يصح تقدير اللام وحدها من دون ذكر أن، فلا يصح أن تقول (يخرجون الرسول وإياكم لتؤمنوا بالله ربكم) ولا (أتقتلون رجلا ليقول ربي الله) مع أن اللام عندهم على تقدير (أن) (1). فإن قولنا (جئت لاستفيد) تقديره عند النحاة (جئت لأن أستفيد) فمعنى قولنا:(يخرجون الرسول وإياكم لتؤمنوا أن المخاطبين والرسول غير مؤمنين وأنهم يخرجون حتى يؤمنوا فمعناها باللام أنهم غير مؤمنين ومعناها بـ (أن): أنهم مؤمنون.
وكذلك قوله: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} [غافر: 28]، فإنه لا يصح أن تقول للمعنى نفسه (أتقتلون رجلا ليقول ربي الله) مع أن اللام على تقدير أن وأن من الجائز إظهارها كما يقول النحاة.
فإن المعنى بـ (أن): أتقتلونه لأنه يقول ربي الله: أي أن سبب القتل وهو قوله (ربي الله) ومعناها باللام انهم يقتلونه حتى يقولها، فمعناها بأن، أنه يقولها، ومعناها باللام، أنه لا يقولها.
فأنت ترى أن ذكر (أن) يؤدي معنى في التعليل لا يؤديه حذفها وإبدال غيرها بها.
فالذي يترجح أنها للتعليل والله أعلم، وقد سبق شيء من هذا في موطن سابق.
زيادة (لا) بعدها:
تزاد (لا) بعد (أن) توكيدا، قال سيبويه:" وأما لا فتكون كـ ما في التوكيد واللغو، قال الله عز وجل: {لئلا يعلم أهل الكتاب} [الحديد: 29]، أي لأن يعلم"(2).
(1) انظر المغني 1/ 210
(2)
كتاب سيبويه 2/ 306
ولا تأتي توكيدا إلا في الموطن الذي يؤمن اللبس فيه.
جاء في (الأصول): " ولا تكون توكيدا إلا في الموضع الذي لا يلتبس فيه الإيجاب بالنفي من أجل المعنى"(1).
ومن ورودها زائدة مؤكدة في القرآن الكريم: قوله تعالى: {قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري} [طه: 92 - 93]، والمعنى ما منعك أن تتبعني؟ لو لم تقدرها زائدة للتوكيد، لكان المعنى: ما منعك من عدم اتباعي؟ أي هو يحاسبه على اتباعه في حين أن المعنى: ما منعك من اتباعي، أي لم لم تتبعني؟ فـ (لا) زائدة للتوكيد، ومثله قوله تعالى: مخاطبا إبليس: {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} [الأعراف: 12]، والمعنى ما منعك أن تسجد؟ وإلا كان إبليس ساجدًا ويكون محاسبا على سجودهـ، لأنه سيكون المعنى: ما منعك من عدم السجود؟ أي لم سجدت، ؟ في حين أن المعنى هو: ما منعك من السجود أي: لم لم تسجد؟ يدل على ذلك قوله تعالى في سورة (ص): {قال يإبليس ما منعك أن تسجد لماخلقت بيدي} [ص: 75]، من دون (لا).
فزيدت (لا) في الأعراف توكيدا، ولم تزد في (ص) وذلك أن المقام يقتضي أن يكون كل في موضعه، وسياق كل من القصتين يوضح ذلك.
قال تعالى في سورة الأعراف:
(1) الأصول 2/ 220
وقال في سورة ص:
وبالنظر في سياق كل من السورتين يتضح سبب زيادة (لا) في الأعراف، دون سورة (ص) فإن التوكيد في سورة الأعراف بقوله (ولقد خلقناكم) و (لقد) مؤكدان هما اللام و (قد)، وهي أعني (لقد) جواب قسم عند النحاة، والقسم توكيد بخلاف القصة في (ص) فإنها تبدأ بقوله:(وإذ قلنا).
ثم إن المؤكدات في قصة الأعراف أكثر (لقد، وزيادة (لا)، أنك من الصاغرين أنك من المنظرين، لأقعدن لآتينهم لأملأن جهنم منكم أجمعين، وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) فناسب ذلك المجيء بـ (لا) الزائدة المؤكدة.
ثم إن مقام السخط والغضب في قصة الأعراف أكبر، فناسب ذلك الزيادة في التوكيد والغلظة في القول، ويدل على ذلك أمور منها:
أنه طوي إسمه فلم يذكره في الأعراف، فقال (قال ما منعك ألا تسجد) في حين ذكر إسمه في ص، فقال:(قال يا إبليس ما منعك أن تسجد).
ويدل على ذلك صيغة الطرد في الأعراف قال (فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فأخرج أنك من الصاغرين) فقد كرر الطرد مع الصغار، (فاهبط)(فاخرج أنك من الصاغرين) وكرر الطرد مرة أخرى في الآية 18 قائلا (قال أخرج منها مذؤوما مدحورا).
وليس كذلك في سورة ص، فإنه قال (قال فأخرج منها فإنك رجيم، وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين).
ومما يدل أيضا على ان مقام السخط في قصة الأعراف أكبر، وهو عدم التبسط مع إبليس في الكلام، بخلاف آيات ص، وإن عدم التبسط في الكلام مما يدل على السخط الكبير يدل على ذلك، أنه قال في الأعراف قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك [الأعراف: 12].
وقال في ص: {قال يإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من الغالين} [ص: 38]، / وقال في الأعراف:{قال إنك من المنظرين} [الأعراف: 15]، وقال في ص:{قال فإنك من المنظرين، إلى يوم الوقت المعلوم} [ص: 80 - 81]، فزاد الفاء وزاد إلى يوم الوقت المعلوم.
وقال في الأعراف: {قال أنظرني إلى يوم يبعثون} [الأعراف: 14]، وقال في ص:{قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون} [الأعراف: 79]، فزاد رب والفاء. فإنه لما كان المقام مقام تبسط في الكلام، تبسط هو أيضا بخلاف آية الأعراف، فإنه لما كان مقام سخط كبير، حذف التبسط، وجعل الكلام على أوجز صورة، ولكل مقام مقال.
ثم إن القصة في الأعراف أطول مما هي في ص، فناسب ذلك زياد لا أيضا فيها دون ص.
وهناك جانب فني آخر حسن زيادة لا في الأعراف دون ص، وهو أن سورة الأعراف تبدأ بـ (المص)، وقد أنتبه القدامي إلى أن الحروف المقطعة التي تبدأ بها السور يكثر ترديدها في السورة بصورة أكثر وأوضح من غيرها (1).
(1) انظر بدائع الفوائد 3/ 173
فناسب زيادة (لا) وهي لام وألف مع السورة التي تبدأ بألف ولام، دون التي لم تبدأ بهما والله أعلم.
ثم أن جو السورة في الأعراف، يختلف عنه في ص، مما حسن تأكيد السجود في الأعراف دون ص، فإنه من الواضح لدارس القرآن أن لكل سورة من سوره جوا معينا يسيطر عليها، ولعل الله ييسر لها فرصة البحث في هذا الموضوع.
فإن مشتقات السجود كالمسجد، والساجدين، ونحوها تردتت في سورة (الأعراف) تسع مرات بخلاف سورة ص، فإنها لم تذكر إلا ثلاث مرات.
فقد جاءت مشتقات السجود في الأعراف في المواطن الآتية:
1 -
{ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين} [الأعراف: 11].
2 -
{قال ما منعك ألا تسجد} [الأعراف: 12].
3 -
{وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد} [الأعراف: 29].
4 -
{خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31].
5 -
{وألقي السحرة ساجدين} [الأعراف: 120].
6 -
{وادخلوا الباب سجدا} [الأعراف: 161].
7 -
وختم السورة بقولة: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون} [الأعراف: 206].
في حين لم ترد مشتقات السجود في سورة (ص) إلا في هذا الموطن، وهي قوله:
1 -
{فقعوا له ساجدين} [ص: 72].
2 -
{فسجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس استكبر} [ص: 73 - 74].