المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وتقول (ظمئت إليه) أي كان الظمأ منتهيا إليه بمعنى أردته. - معاني النحو - جـ ٣

[فاضل صالح السامرائي]

فهرس الكتاب

- ‌حروف الجر

- ‌نيابة حروف الجر بعضها عن بعض

- ‌التضمين

- ‌معاني حروف الجر

- ‌إلى

- ‌الباء

- ‌التاء

- ‌حتى

- ‌رب

- ‌ربّه:

- ‌حذفها:

- ‌عن

- ‌ في

- ‌الكاف

- ‌اللام

- ‌ على

- ‌ من

- ‌منذ ومذ

- ‌الواو

- ‌المعاني المشتركة

- ‌التعليل:

- ‌الظرفية:

- ‌زيادة (ما)

- ‌ما الكافة

- ‌ما غير الكافة:

- ‌التقديم والتأخير

- ‌تعلق الجار والمجرور

- ‌الإضافة

- ‌معنى الإضافة:

- ‌نوعا الإضافة:

- ‌المحضة:

- ‌الأسماء الموغلة في الإبهام:

- ‌الإضافة غير المحضة:

- ‌إضافة المترادفين والصفة والموصوف

- ‌إكتساب المضاف التذكير والتأنيث من المضاف إليه:

- ‌الظروف المعرفة بالقصد:

- ‌حذف المضاف:

- ‌حذف المضاف إليه:

- ‌المصدر

- ‌المصدر الصريح والمؤول:

- ‌الحروف المصدرية

- ‌(أن

- ‌ما

- ‌لو

- ‌كي

- ‌اسم المصدر

- ‌الأتباع على محل المضاف إليه

- ‌اسم الفاعل

- ‌إضافة اسم الفاعل:

- ‌العطف على المضاف إليه:

- ‌صيغ المبالغة

- ‌اسم المفعول

- ‌الصفة المشبهة

- ‌النعت

- ‌النعت الجامد

- ‌النعت بالمصدر

- ‌الوصف بالجملة

- ‌النعت المقطوع

- ‌تعاطف النعوت

- ‌حذف النعت

- ‌البدل

- ‌أقسام البدل

- ‌البدل وعطف البيان

- ‌العطف

- ‌حروف العطف

- ‌الواو:

- ‌أحكام الواو:

- ‌الفاء

- ‌الفاء مع الصفات:

- ‌ثم:

- ‌حتى:

- ‌أم

- ‌أو

- ‌أم وأو:

- ‌لكن

- ‌بل

- ‌لا بل:

- ‌أحرف الأضراب

- ‌ لا

- ‌العطف على اللفظ والمعنى:

- ‌المتعاطفان:

- ‌حذف أحد المتعاطفين:

- ‌حذف حرف العطف:

- ‌العدد

- ‌أحد وواحد:

- ‌اسم الفاعل من العدد:

- ‌تمييز العدد:

- ‌الممنوع من الصرف

- ‌سبب المنع من الصرف:

- ‌رأي الأستاذ إبراهيم مصطفى:

- ‌العلم:

- ‌ الصفات

- ‌التأنيث:

- ‌منتهى الجموع:

- ‌الغرض من التنوين:

- ‌الفعل

- ‌ الفعل الماضي

- ‌أزمنته:

- ‌استعمالاته

- ‌الفعل المضارع

- ‌أزمنته:

- ‌استعمالاته:

- ‌حروف النصب

- ‌أن

- ‌زيادة (لا) بعدها:

- ‌إذن

- ‌كي

- ‌لام التعليل

- ‌التعليل بـ (كي) واللام:

- ‌لن

- ‌لن ولا:

- ‌حروف أخرى ينتصب بعدها الفعل

- ‌أو

- ‌ حتى

- ‌فاء السببية

- ‌واو المعية

الفصل: وتقول (ظمئت إليه) أي كان الظمأ منتهيا إليه بمعنى أردته.

وتقول (ظمئت إليه) أي كان الظمأ منتهيا إليه بمعنى أردته. وتقول: (لا أظمأ إليه) أي أريده و (لا أظمأ منه) أي يأتي منه ظمأ إلي كما تقول: أنا لا أظمأ من الطعام الملح، ولا أظمأ من السمك، أي لا يكون سببا في ظمئي

وهكذا بقية معاني هذا الحرف، فإنها لا تكون تخرج عن معنى الانتهاء والأولى كما ذكرنا إبقاء الحرف على اصل معناه ما أمكن.

‌الباء

معنى الباء الرئيس هو الالصاق، وما ذكر لها من معاني أخرى تحمل هذا المعنى، قال سيبويه: " وباء الجر إنما هي للالزاق والاختلاط، وذلك قولك خرجت بزيد ودخلت به وضربته بالسوط، ألزقت ضربك إياه بالسوط.

فما اتسع من هذا في الكلام فهذا أصله (1).

قيل: ولا يفارقها هذا المعنى (2).

والالصاق حقيقي ومجازي، فمن الالصاق الحقيقي. قولك (أمسكت بمحمد) " إذا قبضت على شيء من جسمه، أو على ما يحبسه من يد، أو ثوب، أو نحوه.

ولو قلت (أمسكته) احتمل ذلك، وأن تكون منعته من التصرف (3).

ومنه قولك تعلقت به، وتشبثت به، والتصقت به. ومن الالصاق المجازي قولك (بخل به) أي إلتصق بخله به، وتعلق به إذا كان التعلق معنويا، ورأفت به أي ألتصقت رأفتك به

(1) كتاب سيبويه 2/ 304

(2)

المغني 1/ 101

(3)

المغني 1/ 101، شرح ابن يعيش 2/ 22

ص: 19

ومن التوسع في الالصاق قولك (مررت به) بمعنى الصقت مروري بمكان يقرب منه (1). وليس على معنى انك الصقت نفسك به في مرورك، قال تعالى:{وإذا مروا بهم يتغامزون} [المطففين: 30]، أي قريبًا منهم.

ومن معانيها الاستعانة، نحو قطعت بالسكين وكتبت القلم (2). ومنه قوله تعالى:{واستعيوا بالصبر والصلاة} [البقرة: 45]، وفيها معنى الالصاق كما هو بين.

ومنها المصاحبة، ، كقوله تعالى:{دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} [المائدة: 61]، واشترى الدار بآلاتها، وفيها معنى الالصاق والاختلاط ومن قوله تعالى:{اهبط بسلام} [هود: 48](3).

قالوا وللتعدية نحو ذهبت به، ودخلت به، وخرجت به، قالوا هي في معنى أذهبته وأدخلته، وأخرجته (4).

وذهب قوم إلى أن بين التعديتين فرقا فإنك إذا قلت (ذهبت بزيد) كنت مصاحبا له في الذهاب (5). جاء في الكشاف: " فإن قلت: أي فرق بين تعدية (ذهب) بالباء وبينها بالهمزة؟ قلت: إذا عدي بالباء فمعناه الأخذ والاستصحاب، كقوله تعالى: {فلما ذهبوا به} [يوسف: 15]، وأما الأذهاب فكا لإزالة"(6).

(1) انظر المغني 1/ 101

(2)

الأصول 1/ 53، المقتضب 1/ 39، شرح ابن يعيش 2/ 22

(3)

المغنى 1/ 103، شرح الرضي 2/ 363، شرح ابن يعيش 2/ 22

(4)

المغنى 1/ 102

(5)

المغني 1/ 102

(6)

الكشاف 1/ 388، وانظر التفسير الكبير 2/ 76

ص: 20

وهو الصواب فيما نرى، فإنك إذا قلت (أدخلت محمدا على الأمير) جاز أنك دخلت معه وجاز أنك لم تدخل معه، وأما قولك:(دخلت به) ففيها معنى المصاحبة، ومنه قول الأستاذ (أدخلت الطالب الصف) أو (أخرجته منه) فهو يحتمل الدخول معه، وعدم الدخول، وأما قولك (دخلت به) و (خرجت به)، فليس فيه إلا معنى المصاحبة.

ومنها الظرفية (1). كقوله تعالى: {لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد} [البلد: 1 - 2]، وقوله:{إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى} [الأنفال: 42]، وقوله:{ومن هو مستخف بالليل وسارب النهار} [الرعد: 10]، وقوله:{إنك بالواد المقدس طوى} [طه: 12]، وقوله:{نجيناهم بسحر} [القمر: 34].

وفيها معنى الالصاق كما سنوضح ذلك في الفرق بين ظرفيه الباء وظرفيه (في).

ومنها المقابلة، والعوض، كقوله تعالى:{أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير} [البقرة: 61]، ونحو (اشتريته به) و (بدلته به)، وقوله تعالى:{اشتروا الحياة الدينا بالآخرة} [البقرة: 86]، واشتريته بألف (2).

وتكون الباء مع الذاهب، وفيها معنى الالصاق كأن الذي هو خير كان معهم فأخذوا مكانه الذي هو أدنى، ونحوه قولك (اشتريته بمائة) فالثمن كان معك فدفعته وأخذت بدله ما اشتريته، وقوله تعالى:{اشتروا الحياة الدينا بالآخرة} [البقرة: 86]، فكان الآخرة كانت معهم قريبة منهم، وفي متناول أيديهم، ولكن أعطوها واشتروا بها الدنيا، وفيها كلها معنى الالصاق واضح.

ومنها البدل كقوله:

فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا

شنوا الإغارة فرسانًا وركبانا

(1) المغني 1/ 104، شرح الرضي على الكافية 2/ 363

(2)

المغني 1/ 104، شرح الرضي 2/ 363

ص: 21

وقوله صلى الله عليه وسلم: ما يسرني بها حمر النعم " أي بدلها (1).

وهو قريب من المعنى السابق.

ومنها السببية، كقوله تعالى:{إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل} [البقرة: 54](2).، وقوله:{فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم} [المائدة: 13]، وسنبحث معنى السببية بالباء واللام وغيرهما في مكان لاحق من هذا الباب.

قالوا ومن معانيها المجاوزة، كـ (عن) وجعلوا منه قوله:{سأل سائل بعذاب واقع} [المعارج: 1]، بدليل قوله تعالى:{يسئلون عن أنبائكم} [الأحزاب: 20]، قوله:{الرحمن فسئل به خبيرا} [الفرقان: 59].

جاء في (المخصص): " فمهما رأيت الباء بعدما سألت، أو ساءلت، أو ما تصرف منهما فاعلم أنها موضوعة موضع عن (3).

وجعلوا منه في غير السؤال قوله تعالى: {يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم} [الحديد: 12]، وقوله:{ويوم تشقق السماء بالغمام} [الفرقان: 25](4). وأنكر البصريون هذا المعنى.

أما ما قاله صاحب المخصص من أن كل باء بعد سأل وما تصرف منه بمعنى (عن) ففيه نظر، فقوله تعالى:{سأل سائل بعذاب واقع} [المعارج: 1]، ليس بمعنى عن عذاب، فهناك فرق بين سأل به وسأل عنه، ولا مجال للاستدلال بقوله تعالى:{يسئلون عن أنبائكم} [الأحزاب: 20] و {يسئلونك عن الساعة} [النازعات: 42]، ونحو ذلك فإن المعنى مختلف.

(1) المغني 1/ 104

(2)

المغنى 1/ 103

(3)

المخصص 14/ 65

(4)

انظر المغني 1/ 104، شرح ابن عقيل 1/ 131، الهمع 2/ 22

ص: 22

فإن السائل في قوله تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع} لم يأل عن العذاب وموعده كما سأل عن الساعة وعن الأنباء، وسبب نزول الآية أن النضر بن الحارث قال:{إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [الأنفال: 32](1). فأنزل الله تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع} أي دعا بالعذاب لنفسه، وطلبه لها، ولم يسأل عن العذاب وموعده، فـ (سأل به) معناه (دعا به وطلبه) جاء في (الكشاف) في هذه الأية: " ضمن (سأل) معنى (دعا) فعدي تعديته كأنه قيل دعا داع بعذاب واقع من قولك: دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه، ومنه قوله تعالى:{يدعون فيها بكل فاكهة} [الدخان: 55](2).

وأما سأل عنه فمعناه بحث عنه، جاء في (الكشاف) في قوله تعالى:{الرحمن فسئل به خبيرا} [الفرقان: 59]، " فسأل به كقوله اهتم به واعتني به واشتغل به، وسأل عنه كقلك بحث عنه وفتش عنه ونقر عنه"(3).

وأما قوله تعالى: {الرحمن فسئل به خبيرا} فيحتمل ان المعنى فاسأل خبيرا به، أي سل " عنه رجلا عارفا يخبرك برحمته أو فسل رجلا خبيرا به وبرحمته"(4).

وأما قوله تعالى: {يسعى نورهم بين أيدهم وبأيمانهم} فليس على معنى المجاوزة والله أعلم لأن معنى (عن ايمانهم) مبتعد عن أيمانهم، وليس هناك دليل عليه في هذه الآية، بل الأقرب أن النور قريب من اليمين أو مختلط باليمين، لا مبتعد عنها، كما في قوله تعالى:{وما تلك بيمينك يا موسى} [طه: 17].

وأما قوله تعالى: {ويوم تشقق السماء بالغمم} [الفرقان: 25]، فليس على المجاوزة أيضا والله أعلم، فإن هناك فرقا بين قولك (انشقت التربة عن النبتة) و (انشقت التربة بالنبتة)

(1) الكشاف 3/ 267

(2)

الكشاف 3/ 267

(3)

الكشاف 2/ 413

(4)

الكشاف 2/ 413

ص: 23

فمعنى الأول، أنها انكشفت عن النبتة، ومعنى الثاني أنها انشقت بسببها، قال تعالى:{يوم تشقق الأرض عنهم سراعا} [ق: 44]، أي تنكشف عنهم فإنهم كانوا تحتها فتشق عنهم، وليس ذلك معنى (تشقق بهم) فأنت إذا قلت (تشقق بهم) فهو إما بسببهم، وأما أن تنشق وهم بها، تقول (أنشقت به الأرض)، و (انشقت عنه الأرض) فانشقت عنه إذا كان تحتها، وانشقت به إذا كان عليها، فقولك (تشقق السماء عن الغمام) معناه: أن الغمام كان داخلا في السماء، وكانت السماء تعطيه وتحجبه، كما تقول (انشقت عنه الأرض) وأما قولك (انشقت به السماء) فمعناه أن الغمام عليها وتتشقق بوجوده، كما تقول انشقت به الأرض، والمعنى - والله أعلم - أنها تشقق ممتلئة بالغمام، وذهب الزمخشري إلى أنها بمنزلتها في شققت السنام بالشفرة على ان الغمام جعل كالآلة التي يشق بها (1).

والمعنى ما ذكرته والله أعلم.

قالوا وتكون بمعنى على وجعلوا منه قوله تعالى: {من إن تأمنه بقنطار} [آل عمران: 75]، بدليل قوله تعالى:{هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل} [يوسف: 64]، وقول الشاعر:

أرب يبول الثعلبان برأسه.

بدليل تمامه:

لقد هان من بالت عليه الثعالب (2).

والحق أن المعنى مختلف، فقولك (امنته به) يختلف عن قولك (امنته عليه) فقولك (لا آمنه عليك)، معناه لا آمنه أن يحيف عليك أو يهجم عليك أو يتعدى عليك وما إلى ذلك ففيه معنى الاستعلاء والتسلط والعدوان.

(1) المغني 1/ 104، وانظر الكشاف 2/ 406

(2)

المغني 1/ 140 - 105

ص: 24

وأما قولك (لا آمنه بدرهم) فمعناه لا آمنه من أن يتصرف به، أو يعبث به، لأن (على) تفيد الاستعلاء، و (الباء) تفيد الالصاق، والمعنى انه لا يلتصق أمنه بدرهم، بل ستفارقه أمانته ويتصرف به.

فأمنه عليه تستعمل للهجوم والاعتداء، وأمنه به تستعمل للتصرف كما ذكرنا، تقول: لا آمن عليك الذئاب، ولا آمن غوائل الطريق، ولا تقول: لا آمن بك الذئاب.

ولذلك - والله أعلم - استعمل القرآن (أمنه عليه) مع الأشخاص، و (أمنه به) مع الأمواللأ. فقال:{قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف} [يوسف: 11]، وقال:{هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل} [يوسف: 64]، وقال في الأموال:{ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقناطر يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك} [آل عمران: 75]، لأن في الأولى معنى العدوان، وفي الثانية معنى التصرف، وإن كان يجوز أن يقال (لا آمنه على هذا المال) بمعنى التسلط عليه والاستحواذ، وقيل إن معنى قولك أمنتك بدينار، أي وثقت بك فيه، وقولك:(أمنت عليه) أي جعلتك أمينا عليه، وحافظًا له" (1).

وأما البيت فإنه كما ذكرنا قد يوقع الشاعر حرفا موقع حرف آخرـ ومع ذلك فالمعنى محتمل المغايرة فقوله: (أرب يبول الثعلبان برأسه) كأنه جعل رأسه وعاء بال فيه. وقوله: (لقد هان من بالت عليه الثعالب) معناه: من علته الثعالب ببولها من فوق إلى أسفل فكسته إياه.

قالوا وللتبعيض بمعنى (من) وجعلوا منه قوله تعالى: {عينا يشرب بها عباد الله} [الإنسان: 6](2).، أي منها، وقيل بل ضمن شرب معنى روي (3).

(1) التفسير الكبير 8/ 100

(2)

المغني 1/ 105، الهمع 2/ 21

(3)

المغني 1/ 105

ص: 25

وفيها معنى آخر، وهو أن الباء تفيد الالصاق، فقولك (يشربون بالعين) معناه أنهم يكونون بها، كما تقول (أقمنا بالعين وأكلنا وشربنا بها) أي هم قريبون من العين يشربون منها، بخلاف قولك (يشربون منها) فإنه ليس فيه نص على معنى القرب من العين، فقولك (اكلت من تفاح بستانك) لا يدل دلالة قاطعة على أنك كنت بالبستان، بل ربما حمل إليك.

فقوله (يشرب بها) يدل على أنهم نازلون بالعين، يشربون منها، فهو يدل على القرب والشرب، فالتمتع حاصل بلذتي النظر والشراب بخلاف الأولى، جاء في (البرهان) أن " العين ههنا إشارة إلى المكان الذي ينبع منه الماء لا إلى الماء نفسه نحو (نزلت بعين) فصار كقوله: مكانا يشرب به" (1).

قالوا: وقد تأتي للغاية بمعنى إلى، نحو قوله تعالى:{وقد أحسن بي} [يوسف: 100]، قالوا: هي بمعنى إلي، وقيل بل ضمن (أحسن) معنى (لطف) أي لطف بي (2).

وثمة فرق بين أحسن إليه، وأحسن به، فإن معنى (أحسن إليه) قدم إليه إحسانا، أو صنع له إحسانا، أما (أحسن به) فمعناه وضع إحسانه به، ومن ذلك أنك تقول: أحسنت بهذا الأمر وأحسنت بعملك أي الصقت إحسانك بعملك ووضعته به، ولا تقول: أحسنت إلى عملك، ولا أحسنت إلى هذا الأمر إلا على معنى آخر، وهو أنك قدمت إليه إحسانا وهو معنى مجازي.

فإن الإحسان في (أحسن به) ألصق إذ إن فيه معنى الرعاية واللطف، قال تعالى:{وأحسن كما أحسن الله إليك} [القصص: 77]، وقال على لسان سيدنا يوسف عليه السلام:{وقد أحسن بي} [يوسف: 100]، ففي الثانية إحسان خاص يختلف عن الأول، فإن الآية الأولى في عموم الخلق، وإحسان الله إلى الخلق إحسان عام يشترك فيه سيدنا يوسف

(1) البرهان 3/ 338 - 339

(2)

المغنى 1/ 106

ص: 26

وبقية الخلق، أما قوله:(وقد أحسن بي) فإن فيه إحسانا خالصا ألصق من الأول إذ أخرجه من السجن وبوأه مكانة عالية وجاء إليه بأهله وما إلى ذلك من العناية الربانية واللطف. وتأتي للقسم قال تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم} [الواقعة: 75]، وللقسم موضع خاص به نبحثه فيه بإذن الله.

وتأتي للتجرد نحو قولهم (رأيت بمحمدٍ أسدًا) قالوا: أي برؤيته (1).

جاء في (جواهر الأدب) أن الباء تأتي للتجريد وهي التي تثبت لمدخولها صفة عظيمة، أما مدخا أو ذما نحو (لقتي بزيد بحرا) وبعمرو أسدًا وبخالد سفيها، ومنه قوله:

لقيت به يوم العريكة فارسا

على أدهم كالليل صبحه الفجر

كأن الباء تجرد مصحوبها عن غير هذه الصفة، مثبتة لها إياها كأنه منطبع، ومنجبل عليها أي ليست صفته إلا البحرية في الجود، والفروسية في الشجاعة " (2).

وفي (شرح الدماميني على المغنى): أن في باء التجريد قولين أحدهما أنها للسبية كما قال المصنف فجردت من زيد أسدًا مبالغة في كمال شجاعته، حيث بلغ أن ينتزع منه أسد .. والثاني أنها للظرفية، أي لقيت في زيد الأسد كذا قال الشيخ بهاء الدين السبكي قلت وقد عدوا مثل قوله:

وشوهاء تعدو بي إلى صارخ الوغي

بمستلئم مثل العتيق المرجل

من التجريد والباء فيه للمصاحبة. (3).

وكونها للظرفية أظهر فيما يبدو لي، وذلك أن قولك (رأيت بخالد أسدًا) معناه حل به أسد، كما تقول حل بالمكان ونزل به، فقد جردت خالدًا من شخصه وجعلت بدله أسدًا، وهي على معنى الالصاق.

(1) شرح الرضي على الكافية 2/ 363

(2)

جواهر الأدب 19

(3)

شرح الدماميني على المغني 1/ 216

ص: 27

وتأتي زائدة وذكروا لها مواطن، ومن مواطن زيادتها، زيادتها في:

فاعل فعل التعجب، نحو: أكرم بخالد، وهذه فيها خلاف، ومواطنها التعجب وستبحث في موطنها.

ومنها زيادتها في فاعل (كفى) نحو: {وكفي بالله شهيدًا} [النساء: 79]، و {وكفي بالله حسيبا} [الأحزاب: 39]، وهذه الزيادة غالبة، قال الزجاج: " دخلت لتضمن كفى معنى اكتفن وهو من الحسن بمكان .. ويوجب قولهم: (كفى بهند) بترك التاء .. ولا تزاد في فاعل كفى التي بمعنى أجزأ، أو أغنى، ولا التي بمعنى وقى.

والأولى متعدية لواحد كقوله:

قليل منك يكفيني ولكن

قليلك لا يقال له قليل

والثانية متعدية لاثنين، كقوله تعالى:{وكفي الله المؤمنين القتال} [الأحزاب: 25]{فسيكفيكهم الله} [البقرة: 137](1).

وعلى هذا هي لا تزاد في فاعل كفى باطراد، فلا تزاد في نحو قولك (يكفيني قليل من الماء) ولا في نحو (كفاني محمد هذا الأمر) ولا نحو (كفاك علم محمد) وإنما تزاد لتضمن كفى معنى اكتف، كما قال الزجاج على معنى هو يكفيك عن غيره. واكثر ما يكون ذلك لدلالة على التعجب، نحو (كفي به فارسا)، و (كفى به شاعرًا) والتعجب قد يؤتي معه بالباء نحو: أكرم به ونحو: ناهيك به رجلا، بمعنى هو يكفيك عن غيره، وللمدح والذم نحو:(كفاك به رجلا) وفيه معنى التعجب، جاء في معاني القرآن للفراء: وإنما يجوز دخول الباء في المرفوع إذا كان يمدح به صاحبه، ألا ترى أنك تقول: كفاك به، ونهاك به، وأكرم به رجلا وبئس به رجلا، ونعم به رجلا، وطاب بطعامك طعاما، وجاد بثوبك ثوبا، ولو لم يكن مدحا أو ذما لم يجز دخولها، ألا ترى أن الذي يقول: قام أخوك أو قعد أخوك لا يجوز له أن يقول:

(1) المغني 1/ 106 - 107

ص: 28

قام بأخيك ولا قعد بأخيك إلا أن يريد قام به غيره وقعد به" (1).

وزيدت في مفعول كفى للدلالة على هذه المعاني، نحو (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع) أي ليكتف بهذا الاثم وكقول الشاعر:

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا

وحسب المنايا أن يكون أمانيا

ومن مواطن زيادتها زيادتها في المبتدأ، وذلك نحو (ناهيك بمحمد) فـ (محمد) مبتدأ والمعنى: ينهاك محمد على طلب غيره لما فيه من الكفاية.

جاء في (حاشية التصريح): " قال الدنوشري: من المبتدأ المقرون بالحرف الزائد قولهم (ناهيك بزيد) فزيد مبتدأ مؤخر، وناهيك خبر مقدم، والمعنى أن زيدًا ناهيك عن غيره لما فيه من الكفاية (2).

وهذا المعنى قريب من المعنى السابق الذي ذكرناه في كفى

قالوا: ومن زيادتها في المبتدأ، نحو قولهم: خرجت فإذا بمحمد، وهو المبتدأ الواقع بعد إذا الفجائية (3).

والحق أنها ليست زائدة، وليس دخولها كخروجها، فهناك فرق بين قولك (خرجت وإذا بمحمد) وقولك (خرجت وإذا محمد)، وقولك (خرجت وإذا بأخيك يركض) و (خرجت وإذا أخوك يركض).

فإن أصل الجملة الأولى فيما ارى: خرجت وإذا أنا بمحمد، وخرجت وإذا أنا بأخيك يركض، فهي ليست زائدة، والخبر محذوف، وتقدير الكلام: وإذا أنا أُبصر بمحمد أو بأخيك، أو افجأ به، أو ملتق به ونحو ذلك.

(1) معاني القرآن 2/ 119 - 120

(2)

حاشية التصريح 1/ 156

(3)

المغني 1/ 109

ص: 29

وتقول: (خرجت وإذا بدوي عظيم) تقدير الكلام، وإذا أنا بدوي، والخبر محذوف وتقديره وإذا أنا افجأ بدوي، أو محس بدوي، ونحو ذلك.

جاء في (التطور النحوي): " وقد يدخل على الاسم التالي لا ذا الباء نحو (بينما هو يسير إذا برهج) ومعنى الباء هنا يتضح من مثل (فلما توسطت الدرب، إذا أنا بصوت عظيم) أي أنا شاعر بصوت عظيم، غير أنه لا لزوم لتقدير ضمير في (إذا برهج) بل معناه إذا شعور برهج، فهي من أشباه الجملة أيضا، ليست جملة كاملة"(1).

قالوا ومنها زيادتها في المبتدأ الواقع بعد (كيف)، نحو: كيف بك إذا كان كذا (2). وعلى هذا يكون المعنى: كيف أنت؟

والحق أنها ليست زائدة أيضا، تقول: كيف بك إذا نجح الطلاب وأنت راسب؟ وتقدير الكلام: كيف تبصر بنفسك، وكيف تحس بنفسك، وكيف تشعر بنفسك، وكيف يبلغ بك الأمر، وما إلى ذلك من معان، ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول: كيف بك؟ وتسكيت حتى تذكر أمرًا بعده، في حين تقول: كيف أنت؟ وتسكت.

فالمعنى مختلف وهي ليست زائدة.

جاء في (التطور النحوي): " ومن الروابط بين المبتدأ والخبر الباء، وهي تلحق بالخبر وأكثر ذلك عند النفي، نحو {وما ربك بظلام للعبيد} [فصلت: 46]، وقد تلحق بالمبتدأ نحو كيف به، أي كيف هو، غير أن بين الاثنين فرقا والتقدير الأقرب إلى معنى (كيف به) هو كيف به الحال، فيظهر أن (كيف به) ليست في الأصل بجملة إسمية كاملة مبتدؤها ضمير الغائب، بل هي من أشباه الجمل المذكورة آنفا (3).

ومنها زيادتها في الخبر المنفي، نحو (ما أخوك بحاضر)، و {أليس الله بكاف عبده} [الزمر: 36]، وهي تفيد توكيد النفي، وقد مر ذكرها في (كان وأخواتها).

(1) التطور النحوي 82

(2)

المغني 1/ 109

(3)

التطور النحوي 89

ص: 30

ومنها زيادتها في التوكيد بالنفس والعين (1).، تقول: أقبل محمد نفسه، وأقبل محمد بنفسه، ولها دلالة لا تظهر في الحذف تقول (أقبل الرجل نفسه)، و (أقبل الرجل نفسه) فقولك (أقبل الرجل نفسه) معناه أنه هو الذي جاء وليس غيره، وأما قولك (أقبل الرجل بنفسه) فهو - وإن كان فيه الدلالة على أنه هو الذي جاء - يحمل معنى آخر وهو أنه لم ينب أحدًا عنه وقد كان متوقعًا أن ينيب عنه أحد غلمانه مثلا، ففيه معنى الاهتمام والتعظيم للرجل.

وتقول (فعليه رئيس النجارين بنفسه) على معنى أنه لم يكلف أحد صناعه، ففيه الدلالة على الاهتمام والتعظيم.

وتقول (جاءني الأمير نفسه) و (جاءني الأمير بنفسه) وتقول (لا أفعله حتى يأتي سعيد بنفسه) وذلك إذا كان يندر حضوره، بأن تكون له منزلة ومكانة، أو لغير ذلك، أو لأن الأمر مهم يستدعي حضوره بنفسه.

وعلى هذا فالباء يؤتى بها للاهتمام والتعظيم، فقولك (اشتريت السوار بنفسي) فيه الدلالة على تعظيمك الأمر والاهتمام به.

ونستعمل معها في العامية تعبيرات أخرى تحمل الدلالة نفسها، فنقول مثلا:(لا أفعله حتى يأتي برجله) وفيها كلها معنى الاهتمام، وأحسبها في الفصيحة كذلك.

وسيأتي في شأنها مزيد بحث في باب التوكيد إن شاء الله.

ومنها زيادتها في المفعول، نحو قوله تعالى:{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195]، وقيل بل ضمن (تلقوا) معنى (تفضوا) وقيل: " المراد (ولا تلقوا أنفسكم إلى التهلكة بأيديكم) فحذف المفعول به، والباء للآلة، كما في قولك (كتبت بالقلم)، أو المراد بسبب أيديكم، كما يقال لا تفسد أمرك برأيك (2).

(1) المغني 1/ 110 - 111

(2)

المغني 1/ 109

ص: 31

وكل ذلك أولى من جعلها زائدة.

قيل: " وتزاد قياسًا في مفعول علمت، وعرفت وجهلت وسمعت، وتيقنت، وأحسست وقولهم (سمعت بزيد وعلمت به) أي بحال زيد على حذف المضاف (1).

قيل ومنه قوله تعالى: {ألم يعلم بأن الله يرى} [العلق: 14]، قالوا: الباء فيه زائدة لقوله تعالى {ويعلمون أن الله هو الحق المبين} [النور: 25](2).

والصواب أن هناك فرقا بين قولك علمته، وعلمت به، فقولك (علمته) معنى علمت الأمر بنفسه، أما (علمت به) فالمعنى علمت بحاله، فقوله تعالى:{ألم يعلم بأن الله يرى} لا يطابق (ألم يعلم أن الله يرى) فمعنى الثانية ألم يعلم رؤية الله، ومعنى الأولى ألم يعلم بهذا الأمر؟ ألم يخبر به؟ ألم يسمع بهذا الأمر سماع علم ونحو ذلك.

جاء في (درة التنزيل) للخطيب الإسكافي في قوله تعالى: {إن ربك هو أعلم بمن يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} [الأنعام: 117]، وقوله:{إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} [القلم: 7].

للسائل أن يسأل عن الفرق بين اللفظين وحذف الباء وإثباتها، وهل كان يصح اللفظ الذي ههنا، هناك، وإن الذي هناك هنا.؟

والجواب أن يقالأ: إن مكان كل واحد يقتضي ما وقع فيه، وبين اللفظين فرق في المعنى يوجب اختصاص اللفظ الذي جاء له، فقوله (إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله) معناه: الله يعلم أي المأمورين يضل عن سبيله، أزيد ام عمرو؟ وهذا المعنى يقتضي ما تقدم هذه الآية وما جاء بعدها مما تعلق بها، فالذي قبلها:{وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} [الأنعام: 116]، أي: إن تطع الكفار يضلوك عن طاعة الله وعبادته. ثم أخبر أنه يعلم من الذي يغوونه ويضلونه، ومن الذي لا يتمكنون من إضلاله ..

(1) شرح الرضي على الكافية 2/ 363

(2)

شرح ابن يعيش 8/ 24

ص: 32