الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحقيقة أن معنى (جئته من عن يمينه) أن مبتدأ المجيء كان منحرفًا عن اليمين بخلاف قولك: (جئته عن يمينه) فإن معناه أن المجيء كان منحرفًا عن اليمين، وليس معناه أن مبتدأ المجيء كان منحرفا عن جهة اليمين، فقد يكون مبتدأ المجيء من جهة اليمين ثم انحرفت.
فنحن نقول: جئته عن يمينه وجئته من يمينه وجئته من عن يمينه. فمعنى (جئته عن يمينه) أنك جئت منحرفا عن يمينه.
ومعنى (جئته من يمينه) أنك جئت من هذه الجهة، وأن ابتداء مجيئك كان من جهة اليمين.
و(جئته من عن يمينه) معناه أن ابتداء مجيئك، كان منحرفا عن جهة اليمين.
فليست (عن) الإسمية بمعنى (جانب) بل هي الجانب المنحرف.
وقولك (جلست عن يمينه) معناه جلست متراخيا عن بدنه.
و(جلست من عن يمينه) معناه أن جلوسي كان من الجهة المنحرفة ع يمينه.
و(جلست يمينه) معناه جلست
في
جهة يمينه.
في
(في) تفيد الظرفية، مكانية أو زمانية، فمن الظرفية المكانية قولهم:(الدراهم في الكيس) و (هو في الدار)، ومن الظرفية الزمانية قولك:(جئت في يوم الجمعة) قال تعالى: {ولقد علمتم الذني اعتدوا منكم في السبت} [البقرة: 65].
وهذه الظرفية حقيقة، وقد تكون الظرفية مجازية، نحو (سأمشي في حاجتك) و (سأنظر في أمرك) جعلت الحاجة مكانًا للمشي والأمر محلا للنظر.
جاء في (كتاب سيبويه): وأما (في) فهي للوعاء، تقول:(هو في الجراب) و (في الكيس) و (هو في بطن أمه)، وكذلك هو في الغُل، لأنه جعله إذ أدخله فيه كالوعاء له وكذلك هو في الغل، لأنه جعله إذ ادخله فيه كالوعاء له، وكذلك هو القبة، وفي الدار. وإن اتسعت في الكلام فهي على هذا وإنما تكون كالمثل يجاء به يقارب الشيء، وليس مثله (1).
وجاء في (المقتضب): وأما (في) فهي للدعاء نحو زيد في الدار .. وقد يتسع القول في هذه الحروف، وإن اكن ما بدأنا به الأصل نحو قولك: زيد ينظر في العلم فصيرت العل بمنزلة المتضمن، وإنما هو كقولك: قد دخل عبد الله في العلم وخرج مما يملك.
ومثل ذلك (في يد زيد الضيعة النفيسة)، وإنما قيل ذلك لأن ما كان محيطًا به ملكه بمنزلة ما أحيطت به يده (2).
فمعنى (في) الظرفية وإن اتسعت في الكلام فهي على ذلك كما ذكر سيبويه. وقد ذكروا لها معاني هي في الحقيقة توسع في معنى الظرفية، منها أن تكون: بمعنى الباء كقوله:
ويركب يوم الروع منا فوارس
…
بصيرون في طعن الأباهر واللي (3).
قيل: والأولى أن يكون بمعناها أي لهم بصارة وحذق في هذا الشأن (4)، ونحو قوله:
نحابي بها أكفاءنا ونهينها
…
ونشرب في أثمانها ونقامر
قيل: والأولى أن تكون بمعناها أيضًا، وذلك أن الشاعر جعل أثمانها ظرفًا للشرب والقمار مجازًا (5).
(1) كتاب سيبويه 2/ 308، وانظر الأصول 1/ 503
(2)
المقتضب 4/ 139
(3)
المغنى 1/ 168
(4)
شرح الرضي على الكافية 2/ 362
(5)
نفس المصدر 2/ 363
وبمعنى (مع) نحو قوله: {ادخلوا في أمم} [الأعراف: 38]، أي: مع أمم.
وقيل: بل التقدير ادخلوا في جملة أمم فحذف المضاف (1).
وهو أولى، فهناك فرق بين قوله دخل معهم، ودخل فيهم، فمعنى (دخل فيهم) أنه أصبح من جملتهم، ومعنى (دخل معهم) أنه مصاحب لهم، وليس منهم.
يقال (اذهب في الناس وتسمع الخبر) أي: ادخل فيهم.
ثم ألا ترى أنك تقول (ذهب خالد مع القوم) وإن كان منعزلا عنهم غير مختلط بهم، ولا تقول (ذهب فيهم) إلا إذا دخل في جملتهم، وانغمر في مجموعهم؟
والدليل على أنها بمعناها وليست بمعنى (مع) أنه لا يصح أن تقول (إذهب في خالد) ولا (ادخل فيه) كما تقول (اذهب مع خالد وادخل معه) لأن خالدًا لا يكون ظرفا لك بخلاف (اذهب في القوم وادخل فيهم) فإن القوم يكونون كالظرف له يحتوونه.
وبمعنى (إلى)، وجعلوا منه قوله تعالى:{فردوا أيديهم في أفواههم} [إبراهيم: 9]، قالوا هي بمعنى إلى (2).
وقيل بل الأولى أن تكون بمعناها والمراد التمكن. (3).
وبمعنى (على) نحو قوله تعالى: {ولأصلبنك في جذوع النخل} [طه: 71]، وقد مر القول فيها.
والتعليل نحو قوله تعالى: {لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم} [النور 14]، وفي الحديث (إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)(4).
(1) المغني 1/ 168
(2)
المغني 1/ 169
(3)
شرح الرضي على الكافية 2/ 362
(4)
المغنى 1/ 168