الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء في (المقتضب): " وتقول: ما أدري أزيدًا أم عمرا ضربت أم خالدا؟ لم ترد أن تعدل بين زيد وعمرو و
لكن
ك جعلتهما جميعا عدلا لخالد في التقدير، والمعنى ما أدري أحد هذين ضربت أم خالد؟ (1).
وجاء في (الخصائص): " قولهم (ما أدري أأذن أو أقام) إذا قالها بـ (أو) لا (أم) فهو أنه لم يعتد أذانه أذانا ولا إقامته أقامة، لأنه لم يوف ذلك حقه. فلما وني فيه لم يثبت له شيئا منه ..
ولو قال: (ما أدري أأذن أم أقام) بـ (أم) لأثبت له احدهما لا محالة (2).
لكن:
تفيد الاستدراك، وتعطف بعد نفي أو نهي، بشرط أفراد معطوفها، نحو: (ما أق
بل
محمد لكن خالد) ولا (تضرب خالدا لكن سالما) فإن وليتها جملة فهي ليست عاطفة، وإنما هي حرف ابتداء يفيد الاستدراك، نحو (ما جاءني خالد لكن جاءني عمرو) وتدخل عند ذاك بعد الموجب وغيره، نحو:(اقبل سعيد لكن عامر لم يقبل)(3).
بل:
حرف اضراب يدخل على المفردات والجمل.
فإن دخلت على جملة كان معنى الاضراب أما إبطاليا، او انتقاليا
فالاضراب الإبطالي هو أن تأتي بجملة تبطل معنى الجملة السابقة، وذلك نحو قوله تعالى:{وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون} [الأنبياء: 26]، فقوله:(بل عباد مكرمون) إبطال للكلام الأول، ونحو قوله تعالى:{أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق} [المؤمنون: 70]، وقوله:{وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان} [المائدة: 64]، وهو رد على القول الأول.
(1) المقتضب 3/ 303
(2)
الخصائص 2/ 169، وانظر 2/ 266، 267
(3)
المغني 1/ 292، التصريح 146 - 147
وأما الاضراب الانتقالي فهو ان تنتقل من غرض إلى غرض آخر، مع عدم أرادة إبطال الكلام الأول، وذلك نحو قوله تعالى:{قد أفلح من تزكي وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقي} [الأعلى: 14 - 17]، فجملة (بل تؤثرون الحياة الدنيا) ليست إبطالا للجملة الأولى بل هي انتقال من غرض إلى غرض آخر، ومثله قوله:{ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة} [المؤمنون: 63](1).، وقوله:{أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون} [البقرة: 100]، وقوله:{ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون} [الزخرف: 58].
وإن دخلت على مفرد فهي عاطفة بشرط أن يتقدمها إيجاب، أو أمر أو نفي أو نهي. فإذا وقعت بعد إيجاب أو أمر نحو (جاء محمد بل خالد) و (أكرم سالما بل خالدا) فهي للاضراب وذلك أنها تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه، فقولك (جاء محمد بل خالد) يعني أن الذي جاء هو خالد، وأما محمد فيجوز أنه جاء، ويجوز أنه لم يجيء، وقولك (أكرم سالما بل خالدا) اضربت فيه عن الكلام الأول وأمرت بإكرام خالد، وأما (سالم) فمسكوت عنه. وليست (بل) ناهية عن إكرام سالم.
جاء في (المغني): " وإن تلاها مفرد فهي عاطفة ثم أن تقدمها أمر أو إيجاب كقولك: (اضرب زيدا بل عمرا) و (قام زيد بل عمرو) فهي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه فلا يحكم عليه بشيء وإثبات الحكم لما بعدها"(2).
وجاء في (شرح الرضي على الكافية): " فإن جاءت بعد إيجاب أو أمر نحو: (قام زيد بل عمرو) فهي لجعل المتبوع في حكم المسكوت عنه منسوبا حكمه إلى التابع، فيكون الإخبار عن قيام زيد غلطا، يجوز أن يكون قد قام وأن لم يقم، أفدت بـ (بل) أن
(1) انظر المغني 1/ 112، شرح الدماميني على المغنى 1/ 232، حاشية الخضري 2/ 65، شرح ابن يعيش 8/ 105
(2)
المغنى 1/ 112، شرح ابن عقيل 2/ 66
تلفظك بالاسم المعطوف عليه كان غلطا عن عمد أو سبق لسان (1).
وإذا وقعت بعد نفي أو نهي، نحو:(ما أقبل محمد بل خالد) و (لا تضرب محمدا بل خالدا) فجمهور النحاة على أنها في المعنى كـ (لكن) فمعنى الأول أن محمدا لم يقبل وإنما الذي أقبل هو خالد، ومعنى الثانية أنك منهي عن ضرب محمد ومأمور يضرب خالد.
جاء في (شرح ابن عقيل): " يعطف بـ (بل) في النفي والنهي فتكون كـ (لكن) في أنها تقرر حكم ما قبلها وتثبت نقيضه لما بعدها نحو: (ما قام زيد بل عمرو) و (لا تضرب زيدا بل عمرا) فقررت النفي والنهي السابقين وأثبت القيام لعمرو وأملا بضربه (2).
وجاء في (التصريح): " ومعناها بعد الأخيرين وهما النفي والنهي تقرير حكم ما قبلها من نفي أو نهي على حاله وجعل ضده لما بعدها، (لكن) كذلك كقولك:(ما كنت في منزل ربيع بل أرض لا يهتدى بها) .. فتقرير نفي الكون في منزل الربيع عن نفسك وتثبت لها الكون في أرض لا يهتدي بها. و (لا يقم زيد بل عمرو) فتقرر نهي زيد عن القيام وتأمر عمرا بالقيام (3).
وأجاز المبرد أن تكون بعد النفي والنهي للاضراب أيضا، فتكون ناقلة معنى النفي والنهي إلى ما بعدها، وعلى هذا يكون معنى (ما أقبل محمد بل خالد) ما أقبل محمد بل ما أقبل خالد، فإقبال محمد حكمه كالمسكوت عنه، يحتمل أنه يكون أقبل، أو لم يكن أقبل وما بعدها منفي، وكذلك المعنى في النهي نحو (لا تضرب محمدا بل خالدا) فالمعنى عنده لا تضرب محمدا بل لا تضرب خالدا.
(1) شرح الرضي 2/ 419، وانظر 2/ 420
(2)
شرح ابن عقيل 2/ 66، المغني 1/ 112
(3)
التصريح 2/ 148
جاء في (المغني): " وأجاز المبرد وعبد الوارث أن تكون ناقلة معنى النفي والنهي إلى ما بعدها وعلى قولها فيصح: ما زيد قائما بل قاعدا، وبل قاعد ويختلف المعنى (1). إذ القعود منفي على التقدير الأول مثبت على التقدير الثاني (2).
وجاء في (شرح الرضي على الكافية): " وإذا عطفت بـ (بل) مفردا بعد النفي، أو النهي فالظاهر أنها للاضراب أيضا، ومعنى الاضراب جعل الحكم الأول موجبا كان، أو غير موجب، كالمسكوت عنه بالنسبة إلى المعطوف عليه، ففي قولك (ما جاءني زيد بل عمرو) أفادت (بل) أن الحكم على زيد بعدم المجيء، كالمسكوت عنه يحتمل أن يصح هذا الحكم فيكون غير جاء، ويحتمل أن لا يصح فيكون قد جاءك كما كان الحكم على زيد بالمجيء في (جاءني زيد بل عمرو) احتمل أن يكون صحيحا وأن لا يكون وهذا الذي ذكرنا ظاهر كلام الأندلسي.
وقال ابن مالك: بل بعد النفي والنهي كـ لكن بعدهما وهذا الاطلاق منه يعطي أن عدم مجيء زيد في قولك (ما جاءني زيد بل عمرو) متحقق بعد مجيء (بل) أيضا كما كان ذلك في (ما جاءني زيد لكن عمرو) بالاتفاق .. وهذا كله حكم (بل) بالنظر إلى ما قبلها، وأما حكم بعد (بل) بعد النفي أو النهي فعند الجمهور أنه مثبت فعمرو جاءك في قولك (ما جاءني زيد بل عمرو) فكأنك قلت:(بل جاءني عمرو) فـ (بل) أبل النفي والاسم المنسوب إليه المجيء ..
وعند المبرد أن الغلط في الاسم المعطوف عليه فقط، فيبقي الفعل المنفي مسندا إلى الثاني فكأنك قلت (بل ما جاءني عمرو) كما كان في الاثبات الفعل الموجب مسندا إلى الثاني (3).
(1) المغني 1/ 112
(2)
شرح الدماميني على المغنى 1/ 234
(3)
شرح الرضي 2/ 419، وانظر شرح ابن يعيش 8/ 105، الهمع 2/ 136
والظاهر صحة رأي الجمهور وذلك أنه هو الذي يشهد له استعمال العرب، فمن ذلك قوله:
لو اعتصمت بنا لم تعتصم بعدا
…
بل أولياء كفاة غير أوكال
فلا يصح أن يقال (بل لم تعصم بأولياء) لأنه للفخر، وكذلك قوله:
وما أنتميت إلى خور ولا كشف
…
ولا لئام غداة الروع أوزاع
بل ضار بين بحسك البيض أن لحقوا
…
شم العرانين عند الموت لذاع (1).
وظاهر أنك إذا أردت المعنى الذي ذكره المبرد كررت العامل، نحو (ما جاءني محمد بل ما جاءني خالد) و (لا تضرب خالدا بل لا تضرب محمدا).
وكذلك يؤدي المعنى الذي ذهب إليه المبرد الاضراب بغير الأداة، وأعني به بدل الاضراب، فإنك إذا قلت (لا تكرم سالما سعدا) كان المعنى أنك نهيت عن اكرام سالم أولا، ثم أضرب عن ذلك فنهيت عن اكرام سعد فصار كأنك قلت: لا تكرم سعدا.
وكذا في النفي، فأنت إذا قلت (ما جاءني محمد خالد) كان المعنى: ما جاء محمد ثم أضربت عن ذلك فقلت: بل ما جاء خالد.
ومما يؤيد ذلك أن البدل على نية تكرار العامل عندهم.
ويجوز ما ذكره المبرد فيما دل عليه دليل نحو (ما محمد كاتبًا بل شاعرا) وذلك أن نصب (شاعر) يدل على أن النفي مكرر، وذلك أن (ما) لا ينتصب الخبر بعدها إذا كان موجبا.
وربما كان المعنى قديما كما ذكر المبرد وذلك أن الأصل أن يكون لكل أداة معنى ثم تطور الاستعمال إلى ما ترى، وتطور الدلالة كثير في اللغة والله أعلم.
(1) انظر شرح ابن الناظم 222، الهمع 2/ 136