المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما - معاني النحو - جـ ٣

[فاضل صالح السامرائي]

فهرس الكتاب

- ‌حروف الجر

- ‌نيابة حروف الجر بعضها عن بعض

- ‌التضمين

- ‌معاني حروف الجر

- ‌إلى

- ‌الباء

- ‌التاء

- ‌حتى

- ‌رب

- ‌ربّه:

- ‌حذفها:

- ‌عن

- ‌ في

- ‌الكاف

- ‌اللام

- ‌ على

- ‌ من

- ‌منذ ومذ

- ‌الواو

- ‌المعاني المشتركة

- ‌التعليل:

- ‌الظرفية:

- ‌زيادة (ما)

- ‌ما الكافة

- ‌ما غير الكافة:

- ‌التقديم والتأخير

- ‌تعلق الجار والمجرور

- ‌الإضافة

- ‌معنى الإضافة:

- ‌نوعا الإضافة:

- ‌المحضة:

- ‌الأسماء الموغلة في الإبهام:

- ‌الإضافة غير المحضة:

- ‌إضافة المترادفين والصفة والموصوف

- ‌إكتساب المضاف التذكير والتأنيث من المضاف إليه:

- ‌الظروف المعرفة بالقصد:

- ‌حذف المضاف:

- ‌حذف المضاف إليه:

- ‌المصدر

- ‌المصدر الصريح والمؤول:

- ‌الحروف المصدرية

- ‌(أن

- ‌ما

- ‌لو

- ‌كي

- ‌اسم المصدر

- ‌الأتباع على محل المضاف إليه

- ‌اسم الفاعل

- ‌إضافة اسم الفاعل:

- ‌العطف على المضاف إليه:

- ‌صيغ المبالغة

- ‌اسم المفعول

- ‌الصفة المشبهة

- ‌النعت

- ‌النعت الجامد

- ‌النعت بالمصدر

- ‌الوصف بالجملة

- ‌النعت المقطوع

- ‌تعاطف النعوت

- ‌حذف النعت

- ‌البدل

- ‌أقسام البدل

- ‌البدل وعطف البيان

- ‌العطف

- ‌حروف العطف

- ‌الواو:

- ‌أحكام الواو:

- ‌الفاء

- ‌الفاء مع الصفات:

- ‌ثم:

- ‌حتى:

- ‌أم

- ‌أو

- ‌أم وأو:

- ‌لكن

- ‌بل

- ‌لا بل:

- ‌أحرف الأضراب

- ‌ لا

- ‌العطف على اللفظ والمعنى:

- ‌المتعاطفان:

- ‌حذف أحد المتعاطفين:

- ‌حذف حرف العطف:

- ‌العدد

- ‌أحد وواحد:

- ‌اسم الفاعل من العدد:

- ‌تمييز العدد:

- ‌الممنوع من الصرف

- ‌سبب المنع من الصرف:

- ‌رأي الأستاذ إبراهيم مصطفى:

- ‌العلم:

- ‌ الصفات

- ‌التأنيث:

- ‌منتهى الجموع:

- ‌الغرض من التنوين:

- ‌الفعل

- ‌ الفعل الماضي

- ‌أزمنته:

- ‌استعمالاته

- ‌الفعل المضارع

- ‌أزمنته:

- ‌استعمالاته:

- ‌حروف النصب

- ‌أن

- ‌زيادة (لا) بعدها:

- ‌إذن

- ‌كي

- ‌لام التعليل

- ‌التعليل بـ (كي) واللام:

- ‌لن

- ‌لن ولا:

- ‌حروف أخرى ينتصب بعدها الفعل

- ‌أو

- ‌ حتى

- ‌فاء السببية

- ‌واو المعية

الفصل: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما

إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم [البقرة: 136]، وقوله:{رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات} [نوح: 28].

وأما عطف الخاص على العام، نحو قوله تعالى:{من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة: 98]، وقوله:{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238]، فلا تختص الواو بها، بل قد يشاركها فيه غيرها، وذلك نحو مات الناس حتى الأنبياء (1).

‌الفاء

وتفيد الترتيب والتعقيب

ومعنى الترتيب أن المعطوف بها يكون لاحقا لما قبلها، فإذا قلت:(جاء محمد فخالد) كان المعنى أن مجيء محمد كان قبل مجيء خالد.

جاء في (الكتاب): " ومن ذلك قولك (مررت بزيد فعمرو) و (مررت برجل فامرأة) فالفاء اشركت بينهما في المرور وجعلت الأول مبدوءا به (2).

وربما لا تفيد ترتيبا، بل قد تكون لعطف مفصل على مجمل وهو ما يسميه النحاة الترتيب الذكري، وذلك نحو قوله تعالى:{فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة} [النساء: 153]، فقوله:(أرنا الله جهرة) تفصيل لقوله (فقد سألوا موسى أكبر من ذلك) فالسؤال مجمل بينه بقوله (أرنا الله جهرة).

ومنه قوله تعالى: {ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي} [هود: 45]، فقوله:{فقال رب إني ابني من أهلي} تفصيل للنداء، ومنه قوله:{فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين} [الزخرف: 55]، فالإغراق تفصيل للانتقام، ومنه قوله: {وكم من

(1) التصريح 2/ 138

(2)

كتاب سيبويه 1/ 218

ص: 231

قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون} [الأعراف: 4]، ونحوه قولهم:(توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه ورجليه) فقوله (غسل وجه .. إلخ) تفصيل للوضوء ونحوه " أجبته فقلت لبيك"(1).

وأما التعقيب فمعناه أن وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه بغير مهلة أو بمدة قريبة.

جاء في (كتاب سيبويه): " والفاء تضم الشيء إلى الشيء كما فعلت الواو، غير أنها تجعل ذلك متاسقا بعضه في أثر بعض وذلك قولك: مررت بعمرو فزيد فخالد، وسقط المطر بمكان كذا وكذا فمكان كذا وكذا"(2).

وجاء في (المقتضب): " وهي توجب أن الثاني بعد الأول وإن الأمر بينهما قريب (3).

جاء في (الكشاف) في قوله تعالى: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلما فقتله قال أقتلت نفسا} [الكهف: 74]: " فإن قلت: لم قيل {حتى إذا ركبا في السفينة خرقها} بغير فاء، و {حتى إذا لقينا غلاما فقتله} بالفاء؟

قلت: جعل (خرقها) جزاء للشرط وجعل (قتله) من جملة الشرط، معطوفا عليه، والجزء (قال اقتلت).

فإن قلت: فلم خولف بينهما؟

قلت: لأن خرق السفينة لم يتعقب القتل لقاء الغلام (4).

ثم أن تعقيب كل شيء بحسبه " ألا ترى أنه يقال تزوج فلان فولد له، إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل، وإن كانت متطاولة، و (دخلت البصرة فبغداد) إذا لم تقم في البصرة ولا بين البلدين (5).

(1) شرح الرضي 2/ 404، المغنى 1/ 161

(2)

كتاب سيبويه 2/ 304

(3)

المقتضب 1/ 10، الجمل 31

(4)

الكشاف 2/ 66

(5)

المغني 1/ 161 - 162

ص: 232

جاء في (شرح قطر الندى): " وتعقيب كل شيء بحسبه، فإذا قلت (دخلت البصرة فبغداد)، وكان بينهما ثلاثة أيام، ودخلت بعد الثالث، فذلك تعقيب في مثل هذا عادة فإذا دخلت بعد الرابع أو الخامس، فليس بتعقيب ولم يجز الكلام"(1).

وفي شرح ابن يعيش: أن معنى قولك (دخلت الكوفة فالبصرة).

" إن البصرة داخلة في الدخول، كالكوفة على سبيل الاتصال، ومعنى ذلك أنه لم يقطع سيره الذي دخل به الكوفة حتى اتصل بالسير الذي دخل به البصرة من غير فتور ولا مهلة (2).

غير أن في لزوم إفادة الفاء التعقيب بحثا فقد ورد في القرآن الكريم التعبير بالفاء في غير ما يفيد التعقيب، وذلك نحو قوله تعالى:{والذي أخرج المرعي فجعله غثاء أحوى} [الأعلى: 4 - 5]، فجعله غثاء أسود لا يعقب خروج المرعي، بل يكون بعده بمدة بدليل قوله تعالى في آية أخرى {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما} [الزمر: 21]، فعبر عن جعله حطاما بـ (ثم)، ونحوه ما جاء في سورة الحديد:{كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما} [الحديد: 20].

ومن ذلك قوله تعالى: {وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم} [البقرة: 22]، فاخراج الثمرات لا يعقب نزول الماء بل بينهما مهلة ومدة، ونحوه قوله تعالى:{خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين} [النحل: 4]، وخصومة الإنسان لا تعقب كونه نطفة، بل إن الإنسان ينتقل في أطوار حتى يبلغ الرشد، قال تعالى:{يأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم} [الحج: 5]، فعبر عما دون ذلك وأقرب منه بـ (ثم).

(1) شرح قطر الندى 302

(2)

شرح ابن يعيش 8/ 95

ص: 233

وللنحاة في ذلك تخريجات منها أن الفاء نابت عن (ثم)، ومنها أن في الكلام حذفًا يقتضيه المعنى إذ التقدير في آية الأعلى " والذي أخرج المرعى فمضت مدة فجعله غثاء (1).

ومثل هذا الحذف كثير في القرآن الكريم فإنه - أي القرآن - يذكر ما يريد ذكره وما هو محط العناية والاهتمام ويطوي ما عدا ذلك، فلا يذكره وذلك نحو قوله تعالى:{فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا} [البقرة: 60]، أي فضربه فانفجرت فحذف الفعل، (فضربه) لأنه مفهوم من السياق، ولأنه لا يتعلق غرض بذكره، فقوله {فانفجرت} في عقب الفعل المحذوف لا في عقب (فقلنا اضرب).

ونحوه قوله تعالى: {فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا} [الفرقان: 36]، فإن التقدير: فذهبا إلى أولئك القوم فدعوا هم إلى عبادة الله وأرياهم آياته فكذبوهما فدمرناهم تدميرا، فقوله:{فدمرناهم تدميرا} ليس في عقب (فقلنا اذهبا) وإنما في عقب المحذوف وهو التكذيب بالآيات الذي هو مفهوم من السياق.

وهناك توجيه آخر، وهو أن الأصل في الفاء أن تكون للتعقيب، وهذا التعقيب قد يكون حقيقا، وذلك كما في قوله تعالى:{ثم أماته فأقبره} [عبس: 21]، وقوله:{وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس} [البقرة: 34].

وقد يكون التعقيب مجازيا كما في قوله تعالى: {والذي أخرج المرعى، فجعله غثاء أحوي} ومعنى التعقيب المجازي أن المقام يقتضي المتكلم تقصير المدة الطويلة فيأتي بالفاء وقد يقتضيه العكس فيأتي بـ (ثم)، فيقال مثلا في مقام:(الدنيا طويلة)، وفي مقام يقال:(الدنيا قصيرة)، ألا ترى إنك تقد تقول مهددا خصمك:(الأيام طويلة وأنا لك بالمرصاد) وفي مقام تقول: (الدنيا قصيرة وسنلتقي عند أحكم الحاكمين).

(1) حاشية الخضري 2/ 6

ص: 234

ثم ألا ترى أنك قد تكون في مقام تريد فيه أن تبين طول الدنيا وتقلبها، فتقول:(إن هذه الدنيا طويلة تغر الحليم وتغير النفوس، وكثيرا ما تتغير الطباع بتبدل الدهر وطول الزمان وتغير الحدثان) وتقول: (إن الصبر قد ينفد في هذا العمر الطويل، والنفس لا تحتمل مثل هذه المشقة، والمرارة طوال أيام العمر).

وقد تكون في مقام تريد فيه النهي عن الانصراف إلى الدنيا، فتقصرها في عين الرائي فتقول:(إنها سريعة الفناء والزوال، وكثيرا ما شاهدنا أناسا ذوي سطوة وجاه، زالوا في أسرع من لحظة العين، فاللبيب اللبيب من شمر للآخرة، وسعى لها سعيها ولا يغتر بهذه الدنيا الخداعة).

فإذا كان المقام مقام تطويل، جئت بـ (ثم)، وإذا كان المقام مقام تقصير، جئت بالفاء فتقول مثلا:(ألا ترى إلى فلان كيف نشأ من أبوين فقيرين، ثم كبر ثم ساد، ثم انتزع الملك من بني فلان، وحكم ما شاء الله له ان يحكم، وبقي أولئك يتربصون به ويستعدون ويجمعون عليه الأنصار، ثم انقضوا عليه فأهلكوه).

فإذا أردت أن تقصر ذلك، قلت:(ألا ترى إلى فلان كيف ساد وملك، فإذا هو بعد مرة كأن لم يكن فأصبح أثرا بعد عين وغيبا بعد شهود).

ولكل مقام مقال.

وقد تفيد الفاء الدلالة على السبب، وذلك كقوله تعالى:{فوكزه موسى فقضى عليه} [القصص: 15]، ونحو قولك (أغضب خالد أباه فأهانه) و (أكل فشبع)، و (تعب فنام) فيؤتي بالفاء لإرادة السببية، ومن ذلك قوله تعالى:{وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم} [البقرة: 22]، فالفاء أفادت السبب، فإذا أردنا السبب لم يصح الإتيان بـ (ثم)، لأنها لا تفيده، بل تأتي بالفاء وإن كان ثمة تراخ، فإن فاء السبب لا تفيد التعقيب دوما، بل هي قد تفيده، كما في قوله تعالى:{فوكزه موسى فقضى عليه} وربما لا تفيده نحو: {وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم} .

ص: 235

جاء في (الأمالي النحوية) لابن الحاجب في قوله تعالى: {أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة} [الحج: 63]، " الفاء للتعقيب من غير مهلة، وإصباح الأرض مخضرة بعد الإنزال إنما يكون بمهلة، أن هذه الفاء فاء السببية، وفاء السببية لا يشترط فيها ذلك وإنما شرطها أن يكون ما بعدها مسببا عن الأول كما لو صرح بالشرط، ألا ترى إلى صحة قولك: (أن يسلم زيد فهو يدخل الجنة) مع العلم بالمهملة العظيمة بينهما"(1).

ويمكن أن يكون من ذلك قوله تعالى: {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين} [النحل: 4]، فإنه يمكن أن يخرج على أن القصد إسراع الإنسان في الخصومة فليس بين كونه نطفة، وكونه خصيما إلا فترة النمو، فهو من قبيل (تزوج فلان فولد له)، ويمكن حمل ذلك على السببية أي كان عاقبة خلقه من نطفة، والإحسان إليه خصومته لربه فكأنما خلقه كان سببا للخصومة.

وذلك أنك تقول: (مدحني فكافأته، وأسديت له معروفا فشكرني) فالمدح سبب المكافأة، وإسداء المعروف سبب الشكر، وقد يكون الجزء على عكس المؤمل والمرجو كما تقول (أحسنت إليه فأساء إلي، ودفعت عنه فشتمني) أي كان إحساني إليه سببا للإساءة إلي ودفعني عنه كان سببا لشتمي، وعلى هذا يمكن حمل قوله تعالى {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين} أي هو بدل أن يكون شاكرا لربه عارفا له حقه كان خصما له، جاحدًا لنعمه، كما تقول: (غذوته وربيته فإذا هو عدو لي أي أن غذائي وتربيتي إياه كان سببا لعداوتي.

ولا تؤدي (ثم) هذا المعنى.

والفاء العاطفة لا تفيد السبب دومًا، بل هي قد تفيد، كما في قوله تعالى:{فوكزه موسى فقضى عليه} ، وربما لم تفده كما في قوله تعالى:{فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم} [الذاريات: 26، 27](2).

(1) الأمالي النحوية: 4

(2)

المغني 1/ 163

ص: 236