الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبذلك يكون التعبير بالرفع تعبيرا احتماليا، أي قد يحتمل أحيانا السببية، وقد يحتمل غيرها، أما النصب فهو تعبير قطعي في الدلالة على السبب، وهذا شبيه بقولنا (أقبل محمد وخالد) فإنه بالرفع يحتمل المصاحبة وغيرها، وبالنصب يكون نصا في المعية وشبيه بقولنا (لا رجل في الدار) فإنه بالرفع يحتمل نفي الجنس والوحدة، وبالفتح هو نص في نفي الجنس.
واو المعية
ينتصب الفعل المضارع بعد الواو، للدلالة على المعية نصا، نحو (لا تأكل وتضحك) أي لا تجمع بين الأكل والضحك ونحو قوله:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
…
عار عليك إذا فعلت عظيم
أي لا تجمع بينهما:
ويصح الاتباع على معنى آخرـ هو النهي عن كل واحد منهما على حدة، فيكون معنى المثال الأول ولا تأكل ولا تضحك، ومعنى البيت (لا تنه عن خلق ولا تأت مثله) وهو غير مراد لأنه ليس المراد أن ينهاه عن أن ينهي عن خلق بل المراد أن يقول له: إذا نهيت عن خلق فلا تفعل مثله.
ويجوز الرفع على قصد الاشتئناف، فإذا رفعت (تضحك) كان المعنى أنك أثبت له الضحك، أي (أنت تضحك) فهو ينهاه عن الأكل، ثم يقول له (انت تضحك) أي هذا شأنك، أو على معنى إباحة الضحك له، أو على معىن آخر سنذكره في موطنه.
وإذا رفع (تأتي) كان المقصود أنه يفعل مثل ذلك الخلق، فيكون المعنى أنه ينهاه عن أن ينهي عن خلق، مع أنه مستمر على فعله.
ومنه المثال النحوي المشهور (لا تأكل السمك وتشرب اللبن) بنصب (تشرب) والمقصود النهي عن الجع بينهما، وإباحة أن يأكل السمك على حدة، وأن يشرب اللبن
على حدة، وإذا جز كان المقصود النهي عن كل واحد منهما سواء، كانا منفردين أم مجتمعين، أي لا تأكل السمك، ولا تشرب اللبن.
جاء في (الكتاب): " ومنعك أن تجزم في الأول لأنه إنما أراد أن يقول له، لا تجمع بين السمك واللبن، ولا ينهاه أن يأكل السمك على حدة، ويشرب اللبن على حدة، فإذا جزم فكأنه نهاة أن يأكل السمك على كل حال، أو يشرب اللبن على كل حال (1).
وأما الرفع فعلى النهي عن أكل السمك وإباحة شرب اللبن على كل حال (2).
وعلى هذا فإن ما بعد الواو ثلاثة أحوال:
1 -
الاتباع: ويكون حكمه حكم الأول أثباتا ونفيا وغير ذلك، نحو:(لا تضرب محمدًا وتشتم خالدا) أي لا تضرب محمدًا، ولا تشتم خالدًا، ونحو:(هل يأتي أخوك ويسافر أبوك)؟ إذا استفهمت عنهما جميعا، ونحو قول جرير:
ولا تشتم المولى وتبلغ إذاته
…
فإنك أن تفعل تشفه وجهل
جاء في (المقتضب): " اعلم أن الواو في الخبر بمنزلة الفاء، وكذلك كل موضع يعطف فيه ما بعدها على ما قبلها فيدخل فيما دخل فيه، وذلك قولك:(أنت تاتيني وتكرمني) و (أنا أزورك وأعطيك) و (لم آتك وأكرمم) و (هل يذهب زيد ويجيء عمرو؟ ) إذا استفهمت عنهما جميعا، وكقولك (أين يذهب عمرو وينطلق عبد الله) و (لا تضربن زيدا وتشتم عمرا) لأن النهي عنهما جميعا.
فإن جعلت الثاني، جوابا فليس له في جميع الكلام إلا معنى واحد، وهو الجمع بين الشيئين، وذلك قولك (لا تأكل السمك وتشرب اللبن) أي: لا يكون منك جمع بين هذين (3).
(1) كتاب سيبويه 1/ 425، وانظر المقتضب 2/ 25، الأصول 2/ 159
(2)
التصريح 2/ 241
(3)
المقتضب 2/ 25
2 -
النصب: ويفيد التنصيص على المصاحبة، نحو (ادع إلى الخير وافعله، ولا تنه عن الشر وتفعله) أي اجمع بين الأولين ولا تجمع بين الأخيرين.
وهذه الواو نظيرة الواو التي ينتصب بعدها الاسم، في نحو (مشيت والجدار) أعني واو المعية، إن لم تكن إياها إذ يفيد كل منهما التنصيص، على مصاحبة ما بعده الواو لما قبلها.
جاء في (معاني القرآن) للفراء: تأتي بالواو معطوفة على كلام في أوله حادثة لا تستقيم إعادتها على ما عطف عليه ولم يستقم أن يعاد فيه الحادث الذي قبله كقوله الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
…
عار عليك إذا فعلت عظيم
ألا ترى أنه لا يجوز إعادة (لا) في (تأتي مثله). فلذلك سمي صرفا إذا كان معطوفا ولم يستقم أن يعاد فيه الحادث الذي قبله، ومثله من الأسماء التي نصبتها العرب وهي معطوفة على مرفوع قولهم (لو تركت والأسد لأكلك) و (لو خليت ورأيك لضللت) تهيبوا أن يعطفوا حرفا لا يستقيم فيه ما حدث في الذي قبله (1).
وجاء في (شرح الرضي على الكافية): " وكذلك تقول في الفعل المنصوب بعد واو الصرف أنهم لما قصدوا فيها معنى الجمعية نصبوا المضارع بعدها، ليكون الصرف عن سنن الكلام المتقدم مرشدًا من أول الأمر أنها ليست للعطف، فهي إذن أما واو الحال وأكثر دخولها على الجملة الاسمية، فالمضارع بعدها في تقدير مبتدأ محذوف الخبر وجوبا فمعنى (قم وأقوم) أي قم وقيامي ثابت، أي في حال ثبوت قيامي، وأما بمعنى (مع) وهي لا تدخل إلا على الاسم، قصدوا ههنا مصاحبة الفعل للفعل، فنصبوا ما بعدها فمعنى (قم وأقوم) أي قم مع قيامي، كما قصدوا في المفعول معه مصاحبة الاسم، للاسم فنصبوا ما بعد الواو (2).
(1) معاني القرآن 1/ 34
(2)
شرح الرضي 2/ 273
3 -
الرفع على الاستئناف: نحو (لم تأتني وأكرمك)، والمعنى أنك لم تأتني وأنا أكرمك على كل حال، أي أنني أكرمك وأنت لم تأتني، فأكرامك له ثابت وبذا يكون المعنى نفي الاتيان وإثبات الاكرام.
ولو جزم لكان الاتيان والاكرام منفيين، ولو نصب لكان نفي الجمع بين الاتيان والاكرام، وقد يكون اتيان ولا اكرام أو أكرام، ولا اتيان.
ومثله (دعني ولا أعود): " أي فأني ممن لا يعود، فإنما يسأل الترك وقد أوجب على نفسه أن لا عودة له البتة ترك، أو لم يترك، ولم يرد أن يسأل أن يجتمع له الترك، وأن لا يعود .. وتقول:(زرني وأزورك) أي: أنا ممن قد أوجب زيارتك على نفسه، ولم ترد أن تقول: لتجتمع منك الزيارة وأن أزورك تعني لتجتمع منك الزيارة فزيارة مني ولكنه أراد أن يقول: زيارتك واجبة على كل حال، فلتكن منك زيارة (1).
قال تعالى: {لنبين لكن، ونقر في الأرحام ما نشاء} [الحج: 5]، أي نحن ونقر في الأرحام (2). ولم يرد العطف على التعليل.
وربما جاء الرفع للدلالة على معنى المعية (3). نحو: (قم ولا أقوم) ونحو (لا تأكل وتضحك) وهو قليل، فيكون النصب للدلالة على المصاحبة نصا بخلاف الرفع فإنه ليس نصا في المصاحبة، وهو نظير قولنا في الأسماء (أقبل محمد وسعيد)، فهذا يحتمل المصاحبة وعدمها، بخلاف النصب فإنه للتنصيص على المصاحبة.
(1) كتاب سيبويه 1/ 426
(2)
كتاب سيبويه 1/ 430
(3)
انظر شرح الرضي على الكافية 2/ 275