الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعليل بـ (كي) واللام:
قد يرد سؤال على الذهن يحتاج إلى إنعام نظر وهو: ما الفرق بين اللام، و (كي).؟ وهل التعليل بهما متطابق.
الحقيقة أنه لا يبدو هناك فرق واضح بينهما في التعليل، فهما متقاربان جدًا، غير أن الذي يبدو لي أن الأصل في (كي) أن تستعمل لبيان الغرض الحقيقي، واللام تستعمل له ولغيره، فاللام أوسع أستعمالا من (كي) وهذا ما نراه في الاستعمال القرآني، فقد وردت (كي) في القرآن في عشرة مواطن هي:
1 -
{فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم} [آل عمران: 153].
2 -
{وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا} [طه: 32 - 34].
3 -
{فرجعنك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن} [طه: 40].
4 -
{ومنكم من يتوفي ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا} [الحج: 5].
5 -
{فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق} [القصص: 13]
6 -
{فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج} [الأحزاب: 37].
7 -
{قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج} [الأحزاب: 50].
8 -
{وما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} [الحديد: 22 - 23].
9 -
{ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا} [النحل: 70].
10 -
ووردت اللام في مواطن كثيرة جدًا، وبموازنة الاستعمال القرآني بينهما نرى أن القرآن خص (كي) بالتعليل الحقيقي، وأما اللام فقد استعملها له ولغيره، فمن ذلك مثلا:
1 -
أن اللام وردت للتعليل المجازي في القرآن الكريم، وذلك نحو قوله تعالى:{فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} [القصص: 8]، وهو الذي يسميه النحاة لام العاقبة، فإن هذا تعليل مجازي، وذلك أن آل فرعون لم يتلقطوه لذلك، بل لينفعهم كما قال تعالى على لسان امرأة فرعون:{قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا} [القصص: 9].
ولكن عاقبة التقاطه أن أصبح لهم عدوا وحزنا، فكأنهم التقطوه لذلك، وهذا كما تقول (علمتك الرماية لترميني وعلمتك الشعر لتهجوني) أي كان ذلك عاقبة أمرك، ولم يرد تعليل مجازي بـ (كي) في القرآن الكريم، فلم يقل مثلا:(التقطه آل فرعون كي يكون لهم عدوًا وحزنا).
2 -
وقريب من ذا قوله تعالى: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم} [الأنعام: 144]، فهذا قريب من التعليل المجازي إذ من المحتل أنه لم يكن غرض المفترى إضلال الناس، بدليل قوله تعالى (بغير علم) وبدليل قوله تعالى:{وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم} [الأنعام: 119]، ولكن المفترى على الله يضل الناس يقينا، ولا تشفع له نيته في ذلك، أيا كانت بدليل قوله تعالى:{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} [الكهف: 103 - 105]، فهؤلاء، لا يشفع لهم أعتقادهم أنهم يحسنون صنعا.
فاستعمل التعليل هنا باللام ولم يستعمله بـ (كي)، وذلك أنه لو قال (أفترى على الله كذبا كي يضل الناس) كان المعنى أنه افترى الكذب لهذا الغرض.
ونحو هذا أن تقول (سعى ليفسد في الأرض من دون أن يعلم) لأنه بـ (كي) يكون المعنى إن غرض السعي الذي سعاه هو الإفساد، فكيف يصح أن يقال: من دون أن يعلم؟
ويجوز ذلك في اللام لأنها للغرض عموما.
3 -
وقريب من ذا أيضا قوله تعالى: {وليعلم الله الذين أمنوا} [آل عمران: 140]. وقوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول} [البقرة: 143]، ولا شك أن الله يعلم ذلك ابتداء، والمقصود هنا العلم الذي يتعلق به الثواب والعقاب، وليس مجرد العلم، فجعل التعليل باللام ولم يجعله - بـ (كي) ولو قال (كي نعلم) لكان المقصود العلم لذاته، ومعنى ذلك أن الأمر مجهول له سبحانه، ولم يأت نحو هذا التعبير بـ (كي) في القرآن الكريم.
4 -
والظاهر من الاستعمال القرآني أن (كي) تستعمل للغرض المؤكد، والمطلوب الأول، يدل على ذلك قوله تعالى:{فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق} [القصص: 13]، فقد جعل التعليل الأول بـ (كي)(كي تقر عينها) والثاني باللام (ولتعلم أن وعد الله حق). والأول هو المطلوب الأول، والمقصود الذي تلح عليه الأم بدليل اقتصاره عليه في آية طه، قال تعالى:{فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن} [طه: 40].
فالمطلوب الأول للأم هو رد ابنها إليها في الحال، أما جعله نبيا مرسلا، وهو ما يشير إليه قوله تعالى:{ولتعلم أن وعد الله حق} [القصص: 13]، فهو غرض بعيد، إذ هي محترفة لرد ابنها الرضيع إليها.
وهذا غرض كل أم سلب منها ابنها، أعني أن يعاد إليها أولا، سواء كانت الأم مؤمنة،
أم كافرة، بل هو مطلوب للامات من الحيوان، ولذا عللها في الموطنين بـ (كي) ولم يعلله باللام.
ثم أن أم موسى تعلم أن وعد الله حق لا يتخلف، وقد وعدها ربها بأنه سيرده إليها ويجعله من المرسلين، {إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} [القصص: 7].
فقوله تعالى: {ولتعلم أن وعد الله حق} [القصص: 13]، معناه الاطمئنان، لا مجرد العلم، ولو قال (كي تعلم أن وعد الله حق) لكان المعنى أنها تجهل أن وعد الله حق وأنه رده إليها لتعلم هذا الأمر.
ونظير هذا قوله تعالى: {وكذلكأعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها} [الكهف: 21]، وهذا في أصحاب الكهف، وهم يعلمون أن وعد الله حق، ولا شك وكيف لا وهم فارقوا قومهم لإيمانهم بالله تعالى؟ فلو قال (كي يعلموا) لكان المعنى أن هذا هو الغرض الحقيقي وقد كانوا يجهلون ذاك.
وأم قوله (كي تقر عينها ولا تحزن) فهذا غرض حقيقي لا يتحقق إلا برد طفلها إليها، وهذا أشبه بما مر في النقطة السابقة.
5 -
ومن أوجه الخلاف بينهما في الاستعمال أن اللام تستعمل مع كان المنفية وهي التي تسمى لام الجحود، نحو قوله تعالى:{وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} [الأنفال: 33]، وقوله:{لم يكن الله ليغفر لهم} [النساء: 137]، ولا يصح استعمال (كي) هنا. فلا تقول (ما كان الله كي يعذبهم) ولا (لم أكن كي أحضر). ومن الجدير بالذكر أن (كي) غير المقترنة بنفي لم ترد في التعليل، إلا في ثلاثة مواطن هي:
1 -
{فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن} [طه: 40].
2 -
{فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن} [القصص: 3].
3 -
{وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا} [طه: 33 - 34].