الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثل طعمه، والقصد تشبيها به، وتقول (اشتريت عقدا هل رأيت حب الرمان) أي يشبهه، وتقول: اشتريت قماشا هل لمست الحرير غير أنه ليس بحرير أي مثله في الملمس، وكل ذلك على معنى أكلت مثل التمر. هل ذقت التمر، واشتريت عقدا مثل حب الرمان، هل رأيت حب الرمان ونحو ذلك، فإن النعت في الحقيقة محذوف هو مثل واستغني بالجملة عنها لأن القصد معلوم.
والراجح فيما أرى أن يكون الوصف بالجملة الإنشائية التي يراد بها التشبيه قياسا على هذا التأويل والله أعلم.
النعت المقطوع
في العربية ظاهرة جديرة بالالتفات إليها وهي ظاهرة (القطع)، ونعنى بها مغايرة النعت للمنعوت في الإعراب، وذلك بأن يكون المنعوت مرفوعًا ونعته منصوبًا، وقد يكون المنعوت منصوبا، ونعته مرفوعا، وقد يكون المنعوت مجرورا فيقع نعته مرفوعا، أو منصوبا نحو:(مررت بحمد الكريمُ أو الكريم َ).
ويقع القطع في النعت كثيرا، وقد يقع أيضا في العطف، نحو قوله تعالى:{وموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء} [البقرة: 177]، فعطف بالنصب على المرفوع ومثله قوله تعالى:{والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة} [النساء: 162]، فعطف بالنصب على المرفوع، ثم عاد إلى الرفع.
وقد اختفت هذه الظاهرة من التعبير منذ زمن بعيد.
ويستعمل القطع لأداء معنى لا يتم بالاتباع، فهو يلفت نظر السامع إلى النعت المقطوع ويثير انتباهه، وليس كذلك الاتباع، وذلك لأن الأصل في النعت أن يتبع المنعوت، فإذا خالفت بينهما نبهت الذهن وحركته إلى شيء غير معتاد، فهو كاللافتة أو المصباح الأحمر في الطريق، يثير انتباهك ويدعوك إلى التعرف على سبب وضعه.
فهذا التعبير يراد به لفت النظر، وإثارة الانتباه إلى الصفة المقطوعة، وهو يدل على أن اتصاف الموصوف بهذه الصفة بلغ حدا يثير الانتباه.
جاء في (حاشية يس على التصريح): " قال السعد في حواشي الكشاف: فإن قلت: ما وجه دلالة مثل هذا النصب أو الرفع على ما يقصد به من مدح أو ذم أو ترحم؟
قلت: إن في الافتنان لمخالفة الاعراب وغير المألوف زيادة تنبيه، وإيقاظ للسامع وتحريك من رغبته في الاستماع سيما مع التزام حذف الفعل، أو المبتدأ، فإنه أدل دليل على الاهتمام (1).
وجاء في (إرشاد العقل السليم إلى مزيا الكتاب الكريم) في قوله تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب} [البقرة: 3]، " قال أبو علي: إذا ذكرت صفات المدح، وخولف في بعضها الإعراب فقد خولف للافتنان، .. الموجب لإيقاظ السامع وتحيكه إلى الجد في الإصغاء فإن تغيير الكلام المسوق لمعنى من المعاني وصرفه عن سنن السلوك، ينبيء عن اهتمام جديد شأنه من المتكلم، ويستجلب مزيد رغبة فيه من المخاطب (2).
وجاء في معترك الاقران: قطع النعوت في مقام المدح والذم أبلغ من أجرائها قال الفارسي: إذا تكررت صفات في معرض المدح، أو الذم فالاحسن أن يخالف في إعرابها لأن المقام يقتضي الاطناب فإذا خولف في الاعراب كان المقصود أكمل، لأن المعاني عند الاختلاف تتنوع وتتفنن، وعند الاتحاد تكون نوعا واحدا (3).
وذكر الفراء أن العرب تقصد بمخالفة الصفة للموصوف في الحركة أن تجدد له وصفا جديدا غير متبع ولا وله، جاء في (معاني القرآن): " والعرب تعترض من صفات الواحد إذا تطاولت بالمدح أو الذم فيرفعون إذا كان الاسم رفعا وينصبون بعض المدح فكأنهم ينوون إخراج المنصوب بمدح مجدد غير متبع لأول الكلام ..
(1) حاشية يس على التصريح 2/ 117
(2)
إرشاد العقل السليم.
(3)
معترك الاقران 1/ 354، وانظر التفسير الكبير للرازي 5/ 49، البرهان 2/ 446
وقال بعض الشعراء:
إلى الملك القرم وابن الهمام
…
وليث الكتيبة في المزدحم
وذا الرأي حين تغم الأمور
…
بذات الصليل وذات اللج
فنصب (ليث الكتيبة) و (ذا الرأي) على المدح والاسم قبلهما مخفوض (1).
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنك إذا قطعت فإنك تعني أن المخاطب يعلم من اتصاف الموصوف بهذه الصفة، ما يعلمه المتكلم، فإن القطع يدل على أن الموصوف مشتهر بهذه الصفة، معلوم بها عند السامع، كما عند المتكلم ولست تريد ان تعلمه بها، فإذا قلت (مررت بمحمد الكريم) كان المعنى: مررت بمحمد المعروف بالكر المشتهر به بخلاف قولك (مررت بمحمد الكريم) فإنك قد تريد بذلك أن تميزه عن غيره، وتبينه به، فالقطع لا يكون إلا إذا كان الموصوف مشتهرا بالصفة، معلوما بها حقيقة أو ادعاء أي تدعي أنه مشهور بهذه الصفة، فإذا مدحته بالقطع ادعيت أنه معروف بهذه الصفة مشتهر بها فيكون أمدح له. وإذا ذممته كنت ادعيت أنه مشهور بهذه الخصلة الذميمة معلوم بها، فإنك قلت (مررت بخالد الدنيء) لم ترد أن تعلم المخاطب بأن خالدا دنيء لأن المخاطب لا يجهل ذلك، وإنما أردت ذكره بأمر يعلمه كل أحد فيكون اهجي له، وأذم، قال تعالى:{وامرأته حمالة الحطب} [المسد: 4]، فنصب لأنه لم يرد أن يخبر بأمر مجهول، وإنما ذكرها بأمر مشهور يعرفه كل أحد إضافة إلى الذم بصيغة المبالغة فهو ذمها بصيغة المبالغة أولا ثم بالقطع بأن جعل هذا أمرًا معلوما لا يخفى على أحد
ولهذا إذا كانت الصفة لقصد التوضيح والتبيين، وتييز الموصوف من غيره، لا يصح قطعا " إذ لا قطع مع الحاجة" فالموصوف إذا احتاج إلى مائة صفة ليتميز من غيره لم يصح قطع واحدة منها، قال ابن مالك:
وإن نعوت كثرت وقد تلت
…
فتقرا لذكرهن أتبعت
(1) معاني القرآن 1/ 105
وذلك كأن تقول (مررت بمحمد التاجر الشاعر الكاتب) فإنك إذا أردت أن تميزه من ثلاثة آخرين كل واحد اسمه محمد أحدهم تاجر شاعر والثاني تاجر كاتب والثالث شاعر كاتب، كان عليك أن تميز الآخر منهم بقولك، (مررت بمحمد التاجر الشاعر الكاتب) فإنك إذا حذفت أية صفة ألتبس بمحمد آخر، ففي نحو هذا لا يجوز القطع لأن هذه الصفات لقصد تمييزه من غيره، فإن كانت له صفة أخرى مشهورا بها معلومة للمخاطبين كأن يكون فقيها جاز لك القطع على قصد أنه معلوم بها فتقول:(مررت بمحمد التاجر الشاعر الكاتب الفقيه) فتتبع النعوت الأولى وجوبا ويجوز في النعت الآخر القطع.
جاء في التصريح: وأن لم يعرف مسمى المنعوت إلا بمجموعها وجب أتباعها كلها للمنعوت لتنزيلها منه منزلة الشيء الواحد، وإليه أشار الناظم بقوله:
وإن نعوت كثرت وقد تلت
…
مفتقرا لذكرهن أتبعت
وذلك كقولهم (مررت بزيد التاجر الفقيه الكاتب) إذا كان زيد هذا الموصوف بهذه الصفات يشاركه في اسمه ثلاثة من الناس اسم كل واحد منهم زيد وأحدهم تاجر كاتب والآخر فقيه كاتب فلا يتعين زيد الأول من الأخيرين، إلا بالنعوت الثلاثة فيجب اتباعها كلها.
وإن تعين ببعضها جاز فيما عدا ذلك البعض الذي تعين به الأوجه الثلاثة الاتباع والقطع إلى الرفع أو إلى النصب أو الجمع بينهما بشرط تقديم المتبع على الأصح.
وإذا كان المنعوت نكرة تعين في الأول من نعوته الأتباع لأجل التخصيص بخلاف ما إذا كان معرفة فإنه غني عن التخصيص وجاز في الباقي من نعوته القطع عن المتبوع (1).
فالقطع إنما يكون للدلالة على أن الموصوف مشهور بالصفة المقطوعة
جاء في (شرح الرضي على الكافية): " اعلم أن جواز القطع مشروط بأن لا يكون النعت للتأكيد نحو (أمس الدابر) ..
(1) التصريح 2/ 117، وانظر شرح الأشموني 3/ 68، الهمع 2/ 119
والشرط الآخر إن يعلم السامع من اتصاف المنعوت بذلك النعت ما يعلمه المتكلم لأنه إن لم يعلم فالمنعوت محتاج إلى ذلك النعت ليبينه ويميزه، ولا قطع مع الحاجة، وكذا إذا وصفت الموصوف بوصف لا يعرفه المخاطب، لكن ذلك الوصف يستلزم وصفا آخر فلك القطع في ذلك الثاني. اللازم، نحو (مررت بالرجل العالم المبجل) فإن العلم في الأغلب مستلزم للتبجيل (1).
وجاء في (التصريح): " إذا لم تتكرر النعوت وكان المنعوت معلومًا بدون النعت حقيقة أو ادعاء جاز أتباعه وقطعه ما لم يكن لمجرد التوكيد، نحو:(نفخة واحدة) أو ملتزم الذكر نحو (جاؤا الجماء الغفير) أو جاريا على مشار إليه نحو (بهذا الرجل)(2).
وجاء في شرح قطر الندى: ويجوز قطع الصفة المعلوم موصوفها حقيقة أو ادعاء رفعا بتقدير هو ونصبا بتقدير أعني أو أمدح، أو أذم، أو ارحم (3).
وجاء في الكامل: إذا قال (جاءني عبد الله الفاسق الخبيث) فليس يقول إلا وقد عرفه بالخبث والفسق، فنصبه بـ (أعني) وما أشبهه من الأفعال، نحو (اذكر) وهذا أبلغ في الذم أن يقيم الصفة مقام الاسم وكذلك المدح (4).
وجاء في الكتاب: هذا باب ما ينتصب في التعظيم والمدح، وإن شئت جعلته صفة فجري على لأول وإن شئت قطعته فابتدأته وذلك قولك: الحمد صلى الله عليه وسلم الحميد هو والحمد لله أهل الحمد والملك له أهل الملك، ولو ابتدأته فرفعته كان حسنا، كما قال الأخطل
نفسي فداء أمير المؤمنين إذا
…
أبدي النواجذ يوم باسل ذكر
الخائض الغمر والميمون طائره
…
خليفة الله يستسق به المطر
(1) شرح الرضي 1/ 346
(2)
التصريح 2/ 116
(3)
شرح قطر الندي 288، وانظر الكليات لأبي البقاء 220
(4)
الكامل 2/ 748
زعم الخليل أن نصب هذا على أنك لم ترد أن تحدث الناس، ولا من تخاطبه بأمر جهلوه، ولكنهم قد علموا من ذلك ما قد علمت فجعلته ثناء وتعظيما، ونصبه على الفعل كأنه قال:(اذكر أهل ذاك) و (أذكر المقيمين) ولكنه فعل لا يستعمل إظهاره، وهذا شبيه بقوله:(أنا بني فلان نفعل كذا) لأنه لا يريد أن يخبر من لا يدري أنه من بني فلان ولكنه ذكر ذلك افتخارا وابتهاء (1).
وجاء فيه أيضا: " هذا باب ما يجري من الشتم مجرى التعظيم وما أشبهه، وذلك قولك: أتاني زيد الفاسق الخبيب لم يرد أن يكرره، ولا يعرفك شيئا تنكره، ولكنه شتمه بذلك .. وقال عروة الصعاليك:
سقوني الخمر ثم تكنفوني
…
عداة الله من كب وزور
إنما شتمهم بشيء قد استقر عند المخاطبين، .. وقد يجوز (مررت بقومك الكرام) إذا جعلت المخاطب كأنه قد عرفهم (2).
وجاء في شرح السيرافي، بهامش الكتاب: قال أبو سعيد: يحتاج التعظيم إلى إجتماع معنيين في المعظم:
أحدهما أن يكون الذي عظ به فيه مدح وثناء ورفعة:
والآخر أن يكون المعظم قد عرفه المخاطب وشهر عنده بما عظم أو يتقدم من كلام المتكلم ما يتقرر به عند المخاطب حال مدح وتشريف في المذكور يصح أن يورد بعدها التعظيم (3).
فهذه حقيقة القطع وغرضه.
(1) كتاب سيبويه 1/ 248 - 250
(2)
كتاب سيبويه 1/ 252
(3)
شرح السيرافي 1/ 252
ثم أنه يقطع مع المرفوع إلى النصب، ومع المنصوب إلى الرفع، ومع المجرور إلى الرفع، أو النصب، فتقول:(مررت بخالد العظيم، أو العظيم) ويبدو أن القطع إلى الرفع أثبت وأشهر، وذلك لأنه في النصب بتقدير جملة فعلية، نحو:(أعني العظيم أو أمدح) وفي الرفع بتقدير اسم أي (هو العظيم) والاسم أثبت وأقوى وأدوم من الفعل كما مر في قوله تعالى: {قالوا سلاما قال سلام} [هود: 69].
فقولك (مررت بمحمد العظيم) بالاتباع قد يراد منه تمييزه من غيره الذي هو حقير أو يراد مدحه بهذه الصفة.
وقولك (مررت بمحمد العظيم) بالنصب، تريد تنبيه السامع على هذه الصفة كما تعني أن محمدا مشهور بهذه الصفة معلوم بها للمخاطب يعلمه كل أحد.
وقولك (مررت بمحمد العظيم) بالرفع يدل على أن محمدًا معلوم أتصافه بهذه الصفة مشهور بها، غير أن اتصافه بهذه الصفة واستقرارها ورسوخها فيه وتمكنها منه أكثر وأشد مما قبلها.
وورد القطع في العطف أيضا للدلالة على أهمية المقطوع من بين المعطوفات، جاء في الكشاف، في قوله تعالى:{والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء} [البقرة: 177]، وأخرج الصابرين منصوبا على الاختصاص والمدح إظهار لفضل الصبر في الشدائد، ومواطن القتال على سائر الأعمال (1).
وجاء في شرح شذور الذهب، في قوله تعالى:{لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليه وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة} [النساء: 162]، إن المقيمين نصب على المدح، وتقديره وامدح المقيمين، وهو قول سيبويه والمحققين وإنما قطعت هذه الصفة عن بقية الصفات لبيان فضل الصلاة على غيرها (2).
(1) الكشاف 1/ 252
(2)
شرح شذور الذهب 54، وانظر الكشاف 1/ 438