الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينصب مفعولها نحو (إن الله سميع دعاء
من
دعاه) وكثيرا ما تدخل عليه اللام نحو {سماعون للكذب} [المائدة: 42]، أو أمقت الناس للشرع (1).
فهذه الظاهرة ليست مختصة بالعربية بل ربما كانت سامية قديمة احتفظت بها العربية. ولا يمنع أن تكون العربية خصت اللام في نحو هذا بمعنى كالاختصاص. فإن العربية خصت كثيرا من الظواهر السامية بمعان (2).
من
لـ (من) معان أشهرها: ابتداء الغاية نحو سافرت من بغداد إلى الموصل، فيبغداد ابتداء السفر. وتقول: إذا كتبت كتابا: من فلان إلى فلان" (3).
ومنه قولك: (هو أفضل من زيد) فقد جعلت زيدا الموضع الذي ارتفع منه، أو سفل منه في قولك: شر من زيد (4).
والأحسن أن يقال هي للابتداء لا لابتداء الغاية، لأن ابتداء الغاية معناه أن الحدث ممتد إلى غاية معينة كقوله تعالى:{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1]، ونحو:(جئت من داري)، فإن الأسراء امتد من المسجد الحرام وانتهى بالمسجد الأقصى، فالمسجد الأقصى هو الغاية. جاء في (شرح الرضى على الكافية): " كثيرا ما يجري في كلاهم أن من، لابتداء الغاية وإلى لانتهاء الغاية، ولفظ الغاية يستعمل بمعنى النهاية وبمعنى المدى .. والمراد بالغاية في قولهم ابتداء الغاية وانتهاء الغاية جميع المسافة، إذ لا معنى لابتداء النهاية وانتهاء النهاية (5).
(1) التطور النحوي 102 - 103
(2)
انظر التطور النحوي 105
(3)
كتاب سيبويه 2/ 307، وانظر المقتضب 4/ 136 - 137
(4)
كتاب سيبويه 2/ 307
(5)
شرح الرضي 2/ 355
و (من) تستعمل فيما هو أعم من ذلك، إذ تستعمل للابتداء عموما، سواء كان الحدث ممتدا أم لا، نحو:(اشتريت الكتاب من خالد) فخالد مبتدأ الشراء، وهو ليس حدثا ممتدا، ونحو (أخرجت الدراهم من الكيس) و (أخذت الكتاب من المنضدة) و (شربت الماء من الكأس) و (رأيت الهلال من داري)، و (سمعت صوتك من داخل غرفتي).
فهذه كلها لا تفيد ابتداء الغاية، بل تفيد ابتداء وقوع الحدث، فإن الحدث ليس ممتدا كالاسراء والمجيء ونحوهما.
وعند سيبويه والبصريين أنها لا تكون لابتداء غاية الزمان، فلا يصح أن تقول:(سافرت من يوم الخميس) وعند الكوفيين وجماعة أنها تكون لابتداء غاية الزمان، وغيره واستدلوا بقوله تعالى:{لمسجد أسس على التقوى من أول يوم} [التوبة: 108](1).
وفي الحديث (فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة)(2). والبصريون يتأولون ذلك. والأرجح أنها تكون للزمان وغيره، جاء في (شرح الرضي على الكافية)، و (من) للابتداء في غير الزمان عند البصرية. . وأجاز الكوفيون استعمالها في الزمان أيضا استدلالا بقوله تعالى:{من أول يوم} ، وقوله تعالى:{نودي للصلاة من يوم الجمعة} [الجمعة: 9]، وقوله:
لمن الديار بقنة الحجر
…
أقوين من حجج ومن شهر
وأنا لا أرى في الآيتين معنى الابتداء، إذ المقصود من معنى الابتداء في (من) أن يكون الفعل المتعدى بـ (من) الابتدائية شيئا ممتدا كالسير والمشي ونحوهن ويكون المجرور بـ (من) الشيء الذي منه ابتداء ذلك الفعل نحو: سرت من البصرة، ويكون الفعل المتعدي بها أصلا للشي الممتد، نحو (بدأت من فلان إلى فلان) وكذا خرجت من الدار، لأن الخروج ليس شيئا ممتدا إذ يقال (خرجت من الدار) إذا انفصلت منها،
(1) شرح الرضي 2/ 355، شرح ابن يعيش 8/ 10
(2)
التصريح 2/ 8
ولو بأقل خطوة وليس التأسيس والنداء حدثين ممتدين، ولا أصلين للمعنى الممتد، بل هما حدثان واقعان فيما بعد من، وهذا معنى (في)، فـ (من) في الآيتين بمعنى (في) ذلك لأن (من) في الظروف كثيرا ما تقع بمعنى (في) نحو جئت من قبل زيد ومن بعده {ومن بيننا وبينك حجاب} [فصلت: 5]، وكنت من قدامك ..
وكذا الأقواء لم يبتديء من الحجج، بل المعنى من أجل مرور حجج وشهر، والظاهر مذهب الكوفيين إذ لا منع من مثل قولك (نمت من أول اليل إلى آخره) و (صمت من أول الشهر إلى آخره) وهو كثير الاستعمال (1).
وفي هذا الكلام نظر، فنحن نخالفه في أن المقصود من معنى الابتداء في (من) أن يكون الفعل شيئا ممتدا أو يكون أصلا للممتد، فإن ذلك في ابتداء الغاية وليس في عموم الابتداء كما ذكرنا، فقوله تعالى:{لمسجد أسس على التقوى من أول يوم} [التوبة: 108]، (من) فيه للابتداء فبدء التأسيس على التقوى أول يوم فهي لابتداء وقوع الحدث.
وأما ما ذهب إليه في معنى (من) الداخلة على الظروف، فقد ذكرناه في بحث الظرف ورجحنا أنها للابتداء، فـ (من) في الآية {ومن بيننا وبينك حجاب} [فصلت: 5]، ليست بمعنى (في) وإنما هي للابتداء، جاء في (الكشاف) في تفسير هذه الآية: فإن قلت، هل لزيادة (من) في قوله (من بيننا وبينك حجاب) فائدة؟
قلت: نعم، لأنه لو قيل بيننا وبينك حجاب، لكا المعنى أن حجابا حاصل وسط الجهتين، وأما بزيادة من فالمعنى أن حجابا ابتدأ ما، وابتدأ منك، فالمسافة المتوسطة لجهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لإفراغ فيها (2).
ومعنى الابتداء هو الغالب على من، حتى ادعي جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه (3).
(1) شرح الرضي 2/ 355 - 356
(2)
الكشاف 3/ 64
(3)
المغني 1/ 318
الغاية وهو غير ابتداء الغاية، تقول:(رأيت محمدًا من داره) فقد جعلته غاية رؤيتك فأنت لم تكن في داره وإنما هو كان في داره فجعلته غاية رؤيتك.
جاء في (كتاب سيبويه): " وتقول: رأيته من ذلك الموضع فجعلته غاية رؤيتك كما جعلته غاية، حيث أردت الابتداء والمنتهى"(1).
وجاء في الأصول لابن السراج: وحقيقة هذه المسألة أنك إذا قلت: رأيت الهلال من موضعي فـ من ذلك، وإذا قلت رأيت الهلال من خلال السحاب فـ من للهلال والهلال غاية لرؤيتك، فكذلك جعل سيبويه من غاية في قولك (رأيته من ذلك الموضع) وهي عنده ابتداء غاية إذا كانت إلى معها مذكورة أو منوية فإذا استغنى الكلام عن (إلى) ولم يكن يقتضيها جعلها غاية ويدل على ذلك قوله:(ما رأيته مذ يومين)، فجعلتها غاية كما قلت (أخذته من ذلك المكان) فجعلته غاية ولم ترد منتهى، أي لم ترد ابتداء له منتهى، أي استغنى الكلام دون ذكر المنتهى، وهذا المعنى أراد، والله أعلم.
وهذه المسألة ونحوها إنما تكون في الأفعال المتعدية، نحو رأيت، وسمعت، وشممت وأخذت، تقول (سمعت من بلادي الرعد من السماء) ورأيت من موضعي البرق من السحاب، وشممت من داري الريحان من الطريق. فـ (من) الأولى للفاعل، ومن الثانية للمفعول، وعلى هذا جميع الباب لا يجوز عندي غيره، إنما جاز هذا لأن للفعول حصة من الفعل كما للفاعل (2).
التبعيض نحو قوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} [الحج: 11] وقوله: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} [البقرة: 204]، وذهب بعضهم إلى أن كونها للتبعيض راجع إلى ابتداء الغاية (3).
(1) كتاب سيبويه 2/ 308، وانظر المغنى 1/ 322
(2)
الأصول 1/ 501 - 502
(3)
المقتضب 1/ 44
جاء في (شرح ابن يعيش): فإذا قلت: أخذت من الدراهم درهما، فإنك ابتدأت بالدرهم ولم تنته إلى آخر الدراهم، فالدرهم ابتداء الأخذ إلى أن لا يبقى منه شيء ففي كل تبعيض معنى الابتداء. (1).
بيان الجنس: نحو قولك: عندي خاتم من ذهب وباب من ساج أي جنس الخاتم ذهب وجنس الباب ساج، ونحو (أخذت عشرين من الدراهم) فإذا كنت أشرت بالدراهم إلى دراهم معينة أكثر من عشرين، فمن مبعضة لأن العشرين بعضها، وإذا كانت الدراهم عشرين فهي مبينة، لأنك قصدت بالدراهم الجنس (2).
ورجعه بعض النحاة إلى معنى الابتداء (3). ورجعه سيبويه إلى معنى التبعيض: قال: " وكذلك ويحه من رجل، إنما أراد أن يجعل التعجب من بعض الرجال، وكذلك لي ملؤه من عسل"(4).
وهذا المعنى يكون رجعه إلى الابتداء، فقولك (عدي باب من ساج) معناه ابتداء الأخذ من الساج، كما يمكن رجعه إلى التبعيض كما ذكر سيبويه.
التعليل: كقوله تعالى: {يتواري من القوم من سوء ما بشر به} [النحل: 59]، وقوله:{ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق} [المائدة: 83].
البدل كقوله تعالى: {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} [التوبة: 38] وقوله {من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن} ، [الأنبياء: 42]، أي: بدل الرحمن.
" وأنكر قوم مجيء (من) للبدل فقالوا: التقدير في {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} أي بدلا منها. فالمفيد للبدلية متعلقها المحذوف، وأما هي فللابتداء (5).
(1) شرح ابن يعيش 8/ 13
(2)
انظر شرح الرضي على الكافية 2/ 357
(3)
شرح ابن يعيش 8/ 13
(4)
كتاب سيبويه 2/ 307
(5)
المغني 1/ 320 - 321
المجاوزة بمعنى عن: وجعلوا منه قوله تعالى: {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله} [الزمر: 22]، وقوله:{ياويلنا قد كنا في غفلة من هذا} [الأنبياء: 97](1). بدليل قوله تعالى: {ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم} [النساء: 102]، وقيل هي فيهما ابتدائية.
والراجح أنها في الآية الأولى للتعليل أي من أجل ذكر الله، لأنه إذا ذكر قست قلوبهم (2). وهي كقوله تعالى:{وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم} [التوبة: 125]، وقوله:{وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة} [الزمر: 45] فذكر الله سبب لاشمئزازهم.
وأما الآية الثانية فليست بمعنى (عن) والله أعلم، فإن ثمة فرقا بين الايتين، فقوله تعالى:{ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم} [النساء: 102]، يفيد أن الغفلة عارضة و (عن) للمجاوزة، وذلك أن هؤلاء في ساحة القتال، وهم متهيئون له، معهم أسلحتهم وأمتعتهم ولكن يود الذين كفروا غفلة عن الأسلحة والأمتعة فيميلون عليهم.
وأما الفغلة في قوله تعالى: {ياويلنا قد كنا في غفلة من هذا} [الأنبياء: 97]، فهي غفلة ابتدائية لازمة لا عارضة، أي هم في غفلة دائمة، فلم يستعدوا للآخرة كما استعد أولئك للقتال، فغفلة هؤلاء ابتدائية ملازمة، ومثله قوله تعالى:{لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} [ق: 22]، ولم يقل (عن هذا) لأن الإنسان في غفلة من عالم الغيب ملازمة له من حيث ولادته إلى أن يموت، فينكشف عنه عند ذاك الغطاء وتزول الحجب فيبصر ما لم يكن يبصر، ويرى ما لم يكن يرى، فالغفلة ابتدائية وذلك أن بينهما حجابًا، ابتداء من هذا الأمر، أو ذاك.
وقيل: هي في هذه الآية للابتداء، لتفيد أن ما بعد ذلك من العذاب أشد، كأن هذا
(1) المغني 1/ 321
(2)
المغني 1/ 321
القائل يعلق معناها بويل مثل: {فويل للذين كفروا من النار} [ص: 27](1).
مرادفة الباء، نحو قوله تعالى:{ينظرون من طرف خفي} [الشورى: 45]، قاله يونس والظاهر أنها للابتداء. (2).
ويترجح عندي أنها للتبعيض أي ينظرون ببعض طرفهم، وهو المناسب لمشهد الذل الذي هم فيه. ومثله في حياتنا اليومية، أن يغضب أب على ابنه. في فعلة فينهره ويغلظ عليه والابن لا يستطيع مواجهة أبيه بكل طرفه، بل ينظر إليه ببعض طرفه.
موافقة على وجعلوا منه قوله تعالى: {ونصرناه من القوم الذين كذبوا} [الأنبياء: 77]، وقيل هي على التضمين، أي منعناه بالنصر (3).
وهو ارجح بدليل قوله تعالى: {وياقوم من ينصرني من الله إن طردتهم} [هود: 30]، وقوله:{فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا} [غافر: 29]، ولا يصح أن تكونا بمعنى على.
وقد ذكرنا ذلك في موطن سابق.
زائدة نحو (ما جاءني من رجل) و (ما رأيت من أحد) وهي تفيد الاستغراق والتوكيد. فقولك (ما جاءني رجل) يحتمل أنه لم يأتك أحد من الجنس، ويحتمل أنه لم يأتك رجل واحد بل أكثرمن ذلك (4).
فإذا قلت (ما جاءني من رجلٍ) نفيت أن يكون جاءك أحد من الجنس، وصار النفي نصا في الجنس. جاء في (المقتضب):" وذلك قولك (ما جاءني رجل) فيجوز أن تعني رجلا واحدًا .. فإذا قلت: (ما جاءني من رجل)، لم يقع ذلك إلا للجنس كله"(5).
(1) المغني 1/ 321
(2)
المغني 1/ 321
(3)
المغني 1/ 322
(4)
كتاب سيبويه 1/ 27، المقتصب 4/ 420، الأصول 1/ 109، شرح الرضي 2/ 358
(5)
المقتضب 4/ 420، الأصول 1/ 105
ولذا يصح أن تقول: ما جاءني رجل بل رجلان، ويمتنع أن تقول ما جاءني من رجل بل رجلان. (1).
وهي عند سيبويه كأنها مأخوذة من معنى التبعيض قال: " وقد تدخل في موضع لو لم تدخل فيه كان الكلام مستقيما، ولكنها توكيد بمنزلة (ما)، إلا أنها تجر لأنها حرف إضافة وذلك قولك (ما أتاني من رجل) و (ما رأيت من أحد) لو أخرجت (من) كان الكلام حسنا ولكنه أكد بمن لأن هذا موضع تبعيض فأراد أنه لم يأته بعض الرجال والناس (2).
وذهب بعضهم إلى أنها في هذا المعنى للابتداء، جاء في (شرح ابن يعيش): " وأما زيادتها لاستغراق الجنس في قولك (ما جاءني من رجل) فإنما جعلت الرجل ابتداء غاية نفي المجيء إلى آخر الرجال، ومن ههنا دخلها معنى استغراق الجنس (3).
وذهب بعضهم إلى أنها ليست زائدة، لأنها تفيد معنى وهو الاستغراق (4).
وعلى كل، فإن الذين يقولون بزيادتها، والذين لا يقولولن بها، متفقون على أنها تفيد معنى الاستغراق والتوكيد، فإن معنى الزيادة عندهم دخولها على مجرور يطلبه العامل بدونها (5). فقولك (ما جاءني من رجل) دخلت فيه على الفاعل، وقولك (هل من خالق غير الله يرزقكم) [فاطر: 3]، دخلت فيه على المبتدأ وليست زائدة في المعنى.
ولزيادتها شروط هي:
1 -
أن يتقدم عليها نفي أو شبهه، وشبه النفي هو النهي والاستفهام، كقوله تعالى:{وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء} [يونس: 61]،
(1) المغني 1/ 322
(2)
كتابه سيبويه 2/ 307
(3)
شرح ابن يعيش 8/ 13
(4)
انظر المقتضب 1/ 45
(5)
التصريح 2/ 8
وقوله: {هل يراكم من أحدٍ} [التوبة: 127]، ولا تضرب من أحد.
2 -
أن يكون مجرورها نكرة كما مثلنا.
3 -
أن يكون مجرورها فاعلا، أو نائب فاعل، أو مفعولا به، أو مبتدأ، وقيل مفعولا مطلقا أيضا (1).
وذكر أنه أجاز الكوفيون زيادتها في الإيجاب، بشرط تنكير مجرورها مستدلين بما حكى عن بعض العرب (قد كان من مطر): " وأجيب بأنه على سبيل الحكاية كأنه سئل هل كان من مطر؟
فأجيب (قد كان من مطر) فزيدت لأجل حكاية المزيدة في غير الموجب، كما قال: دعني من تمرتان (2).
ثم قيل أن المعنى يأباه في الموجب، فإن قولك (جاءني من رجل) معناه جاءك جميع جنس الرجال وهو محال، جاء في (شرح ابن يعيش): " ولذلك لا يرى سيبويه زيادة (من) في الواجب لا تقول (جاءني من رجل) كما لا تقول (جاءني من أحد)، لأن استغراق الجنس في الواجب محال، إذ لا يتصور مجيء جميع الناس ويتصور ذلك في طرف النفي (3).
وأجاز الأخفش زيادتها في الواجب، كما أجاز دخولها على المعارف مستدلا بقوله تعالى:{ويكفر عنكم من سيئاتكم} [البقرة: 271]، و {يغفر لكم من ذنوبكم} [نوح: 4]، بدليل أنه ورد في آية آخرى، {ويكفر عنك سيئاتكم} [الأنفال: 29]، {ويغفر لكم ذنوبكم} [الصف: 12]، من دون (من) والحق أنهما للتبعيض، قال ابن يعيش: وأما قوله تعالى: {ويكفر عنكم سيئاتكم} فإن (من) للتبعيض أيضا لأن الله
(1) انظر المغني 1/ 323
(2)
شرح الرضي على الكافية 2/ 358
(3)
شرح ابن يعيش 8/ 13