المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العطف ‌ ‌حروف العطف ‌ ‌الواو: وهي لمطلق الجمع، فإذا قلت (حضر محمدٌ وخليلٌ) فليس - معاني النحو - جـ ٣

[فاضل صالح السامرائي]

فهرس الكتاب

- ‌حروف الجر

- ‌نيابة حروف الجر بعضها عن بعض

- ‌التضمين

- ‌معاني حروف الجر

- ‌إلى

- ‌الباء

- ‌التاء

- ‌حتى

- ‌رب

- ‌ربّه:

- ‌حذفها:

- ‌عن

- ‌ في

- ‌الكاف

- ‌اللام

- ‌ على

- ‌ من

- ‌منذ ومذ

- ‌الواو

- ‌المعاني المشتركة

- ‌التعليل:

- ‌الظرفية:

- ‌زيادة (ما)

- ‌ما الكافة

- ‌ما غير الكافة:

- ‌التقديم والتأخير

- ‌تعلق الجار والمجرور

- ‌الإضافة

- ‌معنى الإضافة:

- ‌نوعا الإضافة:

- ‌المحضة:

- ‌الأسماء الموغلة في الإبهام:

- ‌الإضافة غير المحضة:

- ‌إضافة المترادفين والصفة والموصوف

- ‌إكتساب المضاف التذكير والتأنيث من المضاف إليه:

- ‌الظروف المعرفة بالقصد:

- ‌حذف المضاف:

- ‌حذف المضاف إليه:

- ‌المصدر

- ‌المصدر الصريح والمؤول:

- ‌الحروف المصدرية

- ‌(أن

- ‌ما

- ‌لو

- ‌كي

- ‌اسم المصدر

- ‌الأتباع على محل المضاف إليه

- ‌اسم الفاعل

- ‌إضافة اسم الفاعل:

- ‌العطف على المضاف إليه:

- ‌صيغ المبالغة

- ‌اسم المفعول

- ‌الصفة المشبهة

- ‌النعت

- ‌النعت الجامد

- ‌النعت بالمصدر

- ‌الوصف بالجملة

- ‌النعت المقطوع

- ‌تعاطف النعوت

- ‌حذف النعت

- ‌البدل

- ‌أقسام البدل

- ‌البدل وعطف البيان

- ‌العطف

- ‌حروف العطف

- ‌الواو:

- ‌أحكام الواو:

- ‌الفاء

- ‌الفاء مع الصفات:

- ‌ثم:

- ‌حتى:

- ‌أم

- ‌أو

- ‌أم وأو:

- ‌لكن

- ‌بل

- ‌لا بل:

- ‌أحرف الأضراب

- ‌ لا

- ‌العطف على اللفظ والمعنى:

- ‌المتعاطفان:

- ‌حذف أحد المتعاطفين:

- ‌حذف حرف العطف:

- ‌العدد

- ‌أحد وواحد:

- ‌اسم الفاعل من العدد:

- ‌تمييز العدد:

- ‌الممنوع من الصرف

- ‌سبب المنع من الصرف:

- ‌رأي الأستاذ إبراهيم مصطفى:

- ‌العلم:

- ‌ الصفات

- ‌التأنيث:

- ‌منتهى الجموع:

- ‌الغرض من التنوين:

- ‌الفعل

- ‌ الفعل الماضي

- ‌أزمنته:

- ‌استعمالاته

- ‌الفعل المضارع

- ‌أزمنته:

- ‌استعمالاته:

- ‌حروف النصب

- ‌أن

- ‌زيادة (لا) بعدها:

- ‌إذن

- ‌كي

- ‌لام التعليل

- ‌التعليل بـ (كي) واللام:

- ‌لن

- ‌لن ولا:

- ‌حروف أخرى ينتصب بعدها الفعل

- ‌أو

- ‌ حتى

- ‌فاء السببية

- ‌واو المعية

الفصل: ‌ ‌العطف ‌ ‌حروف العطف ‌ ‌الواو: وهي لمطلق الجمع، فإذا قلت (حضر محمدٌ وخليلٌ) فليس

‌العطف

‌حروف العطف

‌الواو:

وهي لمطلق الجمع، فإذا قلت (حضر محمدٌ وخليلٌ) فليس فيه دلالة على أن محمدًا حضر قبل خليل، فقد يكون حضر محمد قبله، ويحتمل أنه حضر بعده، كما يحتمل أنهما حضرا معا.

جاء في (كتاب سيبويه): " وليس في هذا دليل على أنه بدأ بشيء قبل شيء، ولا بشيء مع شيء، لأنه يجوز أن تقول (مررت بزيد وعمرو) والمبدوء في المرور عمرو، ويجوز أن يكون زيدًا، ويجوز أن يكون المرور وقع عليهما في حالة واحدة. فالواو يجمع هذه الأشياء على هذه المعاني. فإذا سمعت المتكلم يتكلم بهذا أجبته على أيها شئت لأنها قد جمعت هذه الأشياء (1).

وجاء في (شرح الرضي على الكافية): " قوله (فالواو للجمع مطلقا): معنى المطلق أنه يحتمل أن يكون حصل من كليهما في زمان واحد، وأن يكون حصل من زيد أولا، وأن يكون حصل من عمرو أولا، فهذه ثلاثة احتمالات عقلية، لا دليل في الواو على شيء منها، هذا مذهب جميع البصريين والكوفيين.

ونقل بعضهم عن الفراء، والكسائي، وثعلب، والربعي، وابن درستويه، وبه قال بعض الفقهاء أنها للترتيب، ودليل الجمهور استعمالها فيما يستحيل فيه الترتيب، نحو (المال بين زيد وعمرو) و (تقاتل زيد وعمرو) وفيما الثاني فيه قبل الأول كقوله:

أو جونة قدحت وفض ختامها

(1) كتاب سيبويه: 1/ 218، وانظر 2/ 304

ص: 216

وقوله تعالى: {واسجدى واركعي} [آل عمران: 43]، وقوله تعالى:{نموت ونحيا} [المؤمنون: 37]، والأصل في الاستعمال الحقيقة، لو كانت للترتيب لتناقض قوله تعالى:{وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة} [البقرة: 58]، وقوله في موضع آخر:{وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا} [الأعراف: 161]، إذ القصة واحدة" (1).

والحق أنها لا تفيد الترتيب، بدليل قوله تعالى:{قولوا أمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب} [البقرة: 136]، ولا شك أن ما أنزل إلى محمد متأخر عما أنزل إلى إبراهيم ومن ذكر بعده من الأنبياء، ونحوه قوله تعالى:{كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله} [الشورى: 3]، فلو كانت الواو تفيد الترتيب، لكان الوحي إليه قبل الوحي إلى الذين من قبله، وهو غير صحيح.

وقد تقول إنها وردت للترتيب أيضا في القرآن الكريم، وذلك كقوله تعالى:{وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى} [البقرة: 136]، وهؤلاء مذكورون على الترتيب، وكما في آية الوضوء، وهي قوله تعالى:{إذ قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة: 6]، فالأعضاء مذكورة بحسب الترتيب.

فنقول: ليس معنى قولنا أنها لا تفيد الترتيب، إنها لا تأتي للترتيب البتة، بل قد تأتي للترتيب وتأتي لغيره، فقد يصح أن يكون المعطوف بعد المعطوف عليه، كما يصح أن يكون قبله أو مصاحبا له، فهي قد تأتي للترتيب ولا مانع من ذلك، وإنما ردنا على الذين يزعمون انها لا تكون إلا للترتيب، ولذا نرى في القرآن الكريم تقديم الشيء على الشيء في موضع ثم قد يتأخر المتقدم في موضع آخر، وذلك كتقديم الضرر والنفع، فهو مرة يقول:{ما لا ينفعهم ولا يضرهم} [الفرقان: 56]، ومرة يقول:{ما لا يضرهم ولا ينفعهم} [يونس: 18].

(1) شرح الرضي على الكافية 2/ 403، وانظر المغنى 2/ 354، المفصل 2/ 197، الجمل للزجاجي 31

ص: 217

وكتقدم اللعب واللهو، فمرة يقدم اللعب، وذلك كقوله تعالى:{وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو} [الأنعام: 32]، وقوله:{إنما الحياة الدنيا لعب ولهو} [محمد: 36]، ومرة يقدم اللهو، وذلك كقوله تعالى:{وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب} [العنكبوت: 64].

وكتقديم السماء والأرض، فهو مرة يقدم السماء على الأرض، وذلك كقوله تعالى:{لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض} [سبأ: 3]، ومرة يقدم الأرض على السماء، كما في قوله تعالى:{وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء} [يونس: 61].

وكتقديم السجود والركوع، فهومرة يقدم الركوع على السجود، كما في قوله تعالى:{يأيها الذين أمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم} [الحج: 77]، وقوله تعالى:{والركع السجود} [البقرة: 125]، ومرة يقدم السجود على الركوع، كما في قوله تعالى:{يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين} [آل عمران: 43].

وربما قدم شيئا في موطن، وأخره في موطن آخر والقصة واحدة، وذلك كما في قوله تعالى:{وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة} [البقرة: 58]، وقوله:{وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا} [الأعراف: 161]، فقد قدم السجود على القول في البقرة، وقدم القول على السجود في الأعراف والقصة واحدة، ولا تناقض في هذا، إذ لو كانت الواو تفيد الترتيب لتناقض القولان.

إن التقديم والتأخير بالواو، يدخل في عموم موضوع التقديم والتأخير، فالتقديم، إنما يكون للاهتمام والعناية بالمتقدم، وتختلف العناية باختلاف المواطن، فقد يعني المتكلم في موطن بأمر فيقدمه، وقد يكون العناية في موطن آخر بأمر فيقدم ذلك الشيء.

وكلمة العناية والاهتمام عامة، ومظاهرها ومواطنها متعددة متشعبة، ولا يحسن الاكتفاء بأن تقول: إن ما قدم ههنا إنما قدم للعناية والاهتمام، دون أن نبين وجه الاهتمام، فإنك إذا قلت مثلا إنما قدم السماء على الأرض في سورة سبأ للعناية بالسماء وقدم الأرض على السماء في سورة يونس للعناية بالأرض، قيل لك: ولم كانت العناية هناك بالسماء وهنا بالأرض؟

ص: 218

وإذا قلت: إنما قدم السجود على القول في البقرة، للعناية والاهتمام بالسجود، وقدم القول على السجود في الأعراف للعناية بالقول، قيل: ولم كانت العناية بالقول أهم من السجود ههنا؟

فهذا كلام عام لا يتبينه كثير من الناس، وقد يصبح ستارا يخفي تحته الجهل، وعندئذ يكون هذا القول عبارة عن لكمة عامة مبهمة، لا معنى واضحا تحتها، بل لا معنى لها إلا التحكم المحض، لذا سنضرب أمثلة لطرف من أوجه العناية والاهتمام، تكون مراقاة لما فوقها، وهذا الموضوع - وإن كان يدخل في موضوع التقديم والتاخير - فيه فائدة كبيرة ههنا فيما أحسب لأنه ذو مساس باستعمال الواو.

إن التقديم والتأخير تكون له أسباب متعددة يقتضيها السياق، فقد يكون السياق متدرجا حسب القدم والأولية في الوجود، فيترتب ذكر المعطوفات على هذا الأساس، وذلك نحو قوله تعالى:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56]، فخلق الجن قبل الإنس، بدليل قوله تعالى:{والجان خلقناه من قبل من نار السموم} [الحجر: 27]، ونحو {لا تأخذه سنة ولا نوم} [البقرة: 255]، لأن السنة، وهي النعاس تسبق النوم.

وقد يكون الكلام متدرجا من القلة إلى الكثرة، فترتب المذكورات بحسب ذلك، وذلك نحو قوله تعالى:{طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} [البقرة: 125]، فكل طائفة هي أقل من التي بعدها، فتدرج من القلة إلى الكثرة، فالطائفون أقل من العاكفين، لأن الطواف لا يكون إلا حول الكعبة، والعكوف يكون في المساجد عموما، والعاكفون أقل من الراكعين لأن الركوع أي الصلاة تكون في كل أرض طاهرة، أما العكوف فلا يكون إلا في المساجد، والراكعون أقل من الساجدين، وذلك لأن لكل ركعة سجدتين، ثم إن كل راكع لابد أن يسجد، وقد يكون سجود ليس له ركوع، كسجود التلاوة وسجود الشكر، فهو هنا تدرج من القلة إلى الكثرة، ولهذا التدرج سبب اقتضاه المقام، فإن الكلام على بيت الحرام، قال تعالى:{وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} [البقرة: 125]، فالطائفون هم ألصق

ص: 219

المذكورين بالبيت، لأنهم يطوفون حوله فبدأ بهم، ثم تدرج إلى العاكفين في البيت، أو في بيوت الله عمومًا، ثم الركع السجود الذين يتوجهون إلى هذا البيت في ركوعهم، وسجودهم، وهم في كل الأرض (1).

ونحوه قوله تعالى: {يأيها الذين أمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} [الحج: 77]، فبدأ بالركوع وهو أقل المذكورات، ثم السجود وهو أكثر، ثم عبادة الرب وهو أعم، ثم فعل الخير، ولهذا سببه وذلك أنه لما قال قبل هذه الآية:{يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور} فبدأ بما هو أقرب إليهم وهو (ما بين أيديهم) ثم بما هو أعم وأكثر، وهو (ما خلفهم) جاء بالكلام على نسق ذلك، فتدرج من الأقل إلى الأكثر، ويمكن أن يقال أيضا، أنه بدأ بما هو من فعل العبد مع نفسه وربه، ثم تدرج إلى ما بينه وبين العباد، فبدأ بالركوع والسجود ثم عبادة الرب عمومًا، ثم فعل الخر متدرجا في ذلك بحسب الكثرة والعموم، والله أعلم.

وقد يكون الكلام بالعكس فيتدرج من الكثرة إلى القلة، وذلك نحو قوله تعالى:{يامريم اقنتى لربك واسجدي واركعي مع الراكعين} [آل عمران: 43]، فتدرج من الكثرة إلى القلة، فبدأ بالقنوت وهو عموم العبادة، ثم السجود وهو أقل وأخص، ثم الركوع، وهو أقل وأخص (2).

أو لملاحظ أخرى غير ما ذكرناها، كأن يكون السياق يعني بأمر أكثر من آخر، وذلك كتقديم الضرر على النفع، او بالعكس.

جاء في (البرهان): " وحيث تقدم النفع على الضر فلتقدم ما يتضمن النفع (3).

وكقوله تعالى: {وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة} [البقرة: 58]، وقوله:{وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا} [الأعراف: 161].

(1) انظر بدائع الفوائد: 1/ 65

(2)

بدائع الفوائد 1/ 80

(3)

البرهان: 1/ 122

ص: 220

وسبب تقديم السجود على القول في البقرة، هو أن السياق اقتضي ذلك، فقد جاءت هذه القصة في عقب الأمر بالصلاة، قال تعالى:{وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين، أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون، واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} [البقرة: 43 - 45]، والسجود من أركان الصلاة، ثم أن المقام في البقرة مقام تعديد النعم، على بني إسرائيل، فقد بدأ هذه القصة بقوله تعالى:{يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين} [البقرة: 47]، والسجود أفضل من قول حطة، فناسب ذلك تقديم السجود وكلا الأمرين مرفوع في الأعراف.

ومنه تقديم السماء على الأرض في قوله تعالى: {لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض} [سبأ: 3]، وتقديم الأرض على السماء. في قوله:{وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء} [يونس: 61].

وسر ذلك والله أعلم، أن الكلام في آية يونس على أهل الأرض وأحوالهم وسؤونهم وأن الله عالم بهم، قال تعالى:{وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرءان ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء} [يونس: 61]، في حين أن الكلام في سورة سبأ على الساعة والاتيان بها، والساعة إنما تأتي من السماء وتبدأ بأهل السماء، ولذا قدم السماء على الأرض، قال تعالى:{وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض} [سبأ: 3].

جاء في (الكشاف) في قوله تعالى: {وما يعزب عن ربك من مثقال في الأرض ولا في السماء} : " فإن قلت: لم قدمت الأرض على السماء بخلاف قوله في سورة سبأ {عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض} ؟

قلت: حق السماء أن تقدم على الأرض، ولكنه لما ذكر شهادته، على شؤون أهل الأرض وأحوالهم وأعمالهم، ووصل بذلك قوله (لا يعزب عنه) لاءم ذلك أن قدم الأرض على السماء" (1).

(1) الكشاف 2/ 79

ص: 221

وجاء في (بدائع الفوائد): " وأما تقديم الأرض عليها، أي السماء في قوله:{وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء} وتأخيرها عنها في (سبأ) في ضمن قول الكفار: {لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض} ، كيف قدم السماوات هنا لأن الساعة إنما تأتي من قبلها، وهي غيب فيها، ومن جهتها تبتديء وتنشأ، ولهذا قدم صعق أهل السماوات على أهل الأرض عندها، فقال تعالى:{ونفخ في الصورة فصعق من في السماوات ومن في الأرض} [الزمر: 68].

وأما تقديم الأرض على السماء في سورة يونس، فإنه لما كان السياق سياق تحذير وتهديد للبشر، وإعلامهم انه سبحانه عالم بأعمالهم، دقيقها وجليلها، وأنه لا يغيب عنه منها شيء، اقتضي ذلك ذكر محلهم، هو الأرض قبل ذكر السماء (1).

ومنه قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم} [الإسراء: 31]، وقوله:{ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم} [الأنعام: 151]، فقدم رزق الأولاد على الآباء في الآية الأولى {نحن نرزقكم وإياكم} ، وقدم رزق الآباء على الأولاد في الثانية، نحو {نرزقكم وإياهم} وسبب ذلك والله أعلم، أنه في الآية الأولى أنهم يقتلون اولادهم خشية الفقر، لا أنهم مفتقرون في الحال فقال: لا تقتلوهم فإنا نرزقهم وإياكم، أي أن لله جعل معهم رزقهم، فهم لا يشاركونكم في الرزق، فلا تخشوا الفقر.

وأما في الآية الثانية فهم يقتلون أولادهم من الفقر الواقع بهم، لا أنهم يخشونه فهم في حاجة إلى الرزق الآتي السريع، ليعولوا أولادهم فعجل لهم ذاك فقال:{نحن نرزقكم وإياهم} .

جاء في (بديع القرآن): " قوله تعالى في الأولى (من إملاق) ليشير إلى الخطاب للفقراء دون الأغنياء، فأوجبت البلاغة تقديم عدتهم بالرزق، وتكميل العدة برزق الأولاد .. وقال في الآية الثانية (خشية إملاق) ليشير إلى أن الخطاب للأغنياء، دون الفقراء، الذين يخافون أن تسلبهم كلف الأولاد ما بأيديهم من الغنى فوجب تقديم العدة برزق الأولاد .. فيأمنوا ما خافوه من الفقر (2).

(1) بدائع الفوائد 1/ 74

(2)

بديع القرآنل 261، تحرير التحبير 561

ص: 222

إلى غير ذلك من موجبات التقديم التي يقتضيها السياق.

فتبين من هذا أن الواو لمطلق الجمع، وليست للترتيب، غير أنه لا ينبغي أن يفهم من قولنا (أنها لمطلق الجمع) أنه يؤتى بها بين المتعاطفين، أو بين الحكمين بلا مناسبة بينهما ولا رابط، بل لابد من رابط بينهما، لا يصح أن تقول: رأيت محمدا وجبلا، ولا رأيت خالدا ونملة، بل لابد من رابط بين المتعاطفين، ولا سيما في الجمل: " والجامع بين الجملتين يجب أن يكون باعتبار المسند إليه في هذه، والمسند إليه في هذه، وباعتبار المسند في هذه، والمسند في هذه جميعا، كقولك يشعر زيد، ويكبت، ويعطي ويمنع، وقولك (زيد شاعر وعمرو كاتب) و (زيد طويل وعمرو قصير) إذا كان بينهما مناسبة كأن يكونا أخوين أو نظيرين بخلاف قولنا (زيد شاعر وعمرو كاتب) إذا لم يكن بينهما مناسبة، وقولنا (زيد شاعر وعمرو طويل) كان بينهما مناسبة أو لا (1).

فلا يصح أن تربط بين مسند إليهما، ليس بينهما علاقة، ولا رابط فلا تقول (محمد شاعر وخالد كاتب) وليس بين محمد وخالد مناسبة البتة، ولا تقول (محمد شاعر وأخوك أحول) لأنه لا مناسبة بين الحكمين.

جاء في (دلائل الإعجاز): " وذلك أن لا تقول (زيد قائم وعمرو قاعد) حتى يكون عمرو بسبب من زيد، وحتى يكونا كالنظيرين، والشريكين، وبحيث إذا عرف السامع حال الأول، عناه أن يعرف حال الثاني، يدلك على ذلك أنك إن جئت فعطفت على الأول شيئا ليس منه بسبب، ولا هو يذكر بذكره، ويتصل حديثه بحديثه، لم يستقم، قلو قلت:(خرجت اليوم من داري) ثم قلت (وأحسن الذي يقول بيت كذا) قلت ما يضحك منه ومن هنا عابوا أبا تمام في قوله:

لا والذي هو عالم أن النوى

صبر وأن أبا الحسين كريم

وذلك لأنه لا مناسبة بين كرم أبي الحسن ومرارة النوى، ولا تعلق لأحدهما بالآخر، وليس يقتضي الحديث بهذا الحديث بذاك.

واعلم أنه كما يجب أن يكون المحدث عنه في إحدي الجملتين بسبب من المحدث

(1)"الإيضاح" للقزويني 1/ 161 - 162

ص: 223

عنه في الأخرى كذلك ينبغي أن يكون الخبر عن الثاني مما يرجي مجرى الشبيه، والنظير أو النقيض للخبر عن الأول، فلو قلت (زيد طويل القامة، وعمرو شاعر) كان خلفا لأنه مشاكلة ولا تعلق بين طول القامة وبين الشعر، وإنما الواجب أن يقال:(زيد كاتب وعمرو شاعر) و (زيد طويل وعمرو قصير).

وجملة الأمر: أنها لا تجيء حتى يكون المعنى في هذه الجملة لفقا لمعنى في الأخرى، ومضاما له، مثل أن زيدا وعمرا كانا أخوين، أو نظيرين أو مشتبكي الأحوال على الجملة، كانت الحال التي يكون عليها أحدهما من قيام أو قعود أو شاكل ذلك مضمومة في النفس إلى الحال التي عليها الآخر من غير شك وكذا السبيل أبدًا.

والمعاني في ذلك كالأشخاص، فإنما قلت مثلا (العلم حسن والجهل قبيح) لأن كون العلم حسنا مضموم في العقول إلى كون الجهل قبيحًا (1).

ثم إنه قد يؤتى بالواو للدلالة على التأكيد والاهتمام بما بعدها، فقد تزاد الواو للتأكيد وجعل منه قولهم (ما من أحد إلا وله طمع وحسد) و (ما من أحد إلا وله نفس أمارة).جاء في الكليات لأبي البقاء: " قد يزاد بعد إلا لتأكيد الحكم المطلوب إثباته، إذا كان في محل الرد والإنكار نحو (ما من أحد إلا وله طمع وحسد (2).)

وجاء في الكليات أيضا: وقالوا إذا دخلت على الشرط بعد تقديم الجزاء، يراد به تأكيد الوقوع بالكلام الأول، وتحقيقه كقولهم (أكرم أخاك وإن عاداك) أي أكره بكل حال (3).

ومر بنا ما ذهب إليه الزمخشري من أنه يؤتى بالواو، لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف وذلك في قوله تعالى:{وما أهلكنا من قرية من قرية إلا ولها كتاب معلوم} [الحجر: 4]

(1) دلائل الإعجاز 1/ 172 - 174

(2)

الكليات 415

(3)

الكليات 367

ص: 224

وقوله: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم} [الكهف: 22]، فقد ذكر أن فائدة الواو تأكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر (1).

وقد ذكرنا في واو الحال أنها قد تأتي للتأكيد والاهتمام، كما ذكرنا ذلك في باب عطف الأخبار والصفات.

جاء في (بدائع الفوائد): " إن الواو تقتضي تحقيق الوصف المتقدم، وتقريره، يكون في الكلام متضمنا لنوع من التأكيد من مزيد التقرير، وبيان ذلك بمثال نذكره مرقاة إلى ما نحن فيه، إذا كان لرجل مثلا أربع صفات، هو عالم وجواد وشجاع، وغني وكان المخاطب لا يعلم ذلك، أو لا يقر به ويعجب من اجتماع هذه الصفات في رجل، فإذا قلت (زيد عالم) وكان ذهنه استبعد ذلك فتقول: (وجواد) أي وهو مع ذلك جواد، فإذا قدرت استبعاده لذلك قلت: (وشجاع) أي وهو مع ذلك شجاع، وغني، فيكون في العطف مزيد تقرير توكيد، لا يحصل بدونه تدرأ توهم الإنكار"(2).

جاء في (الكشاف) في قوله تعالى: {الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} [آل عمران: 17]، " الواو المتوسطة بين الصفات للدلالة على كمالهم في كل واحدة منهما"(3).

وقد يأتي بالواو لقصد الدلالة على المغايرة، وذلك إذا كان طرحها يؤدي إلى أن يكون الثاني مفسرا للأول، وذلك نحو قوله تعالى:{وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} [البقرة: 49]، فقال (يذبحون) بلا واو.

وقال في سورة إبراهيم: {وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} [إبراهيم: 6]، فإن طرح الواو في الآية الأولى دل على أن التذبيح هو سوء العذاب،

(1) الكشاف 2/ 255

(2)

بدائع الفوائد 1/ 191

(3)

الكشاف 1/ 313

ص: 225

والواو في الثانية أفادت المغايرة، فجعلت التذبيح غير سوء العذاب، وسر هذه المغايرة هو أن قوله تعالى:{يذبحون أبناءكم} بلا واو، وفي (إبراهيم) بالواو" لأن الأولى من كلامه تعالى لهم، فلم يعدد عليهم المحن تكريما في الخطاب، والثانية من كلام موسى فعددها عليهم"(1).

جاء في (معاني القرآن): " فمعنى الواو أنهم يمسهم العذاب غير التذبيح، كأنه قال: يعذبونكم بغير الذبح والذبح.

ومعنى طرح الواو كأنه تفسير لصفات العذاب، وإذا كان الخبر من العذاب أو الثواب مجملا في كلمة، ثم فسرته فاجعله بغير الواو، وإذا كان أوله غيره فبالواو، فمن المجمل قول الله عز وجل:{ومن يفعل ذلك يلق أثاما} [الفرقان: 68]، فالأثام فيه نية العذاب قليلة وكثيره، ثم فسره بغير الواو، فقال:{يضاعف له العذاب يوم القيامة} [الفرقان: 69] ولو كان غير مجمل لم يكن ما ليس به تفسيرا له، ألا ترى أنك تقول: عندي دابتان بقل وبردون، ولا يجوز عندي دابتان وبغل وبرذون، وأنت تريد تفسير الدابتين بالبغل والبرذون (2).

وقد يؤتي بها للتنصيص على جمع حكمين، وذلك إذا كان طرحها يحتمل الاضراب عن الحكم الأول، كما تقول (ضربت محمدا وخالدا) فإنك دللت بالواو أنك ضربتهما جميعا، فإن طرحت الواو دل على أنك ضربت خالدا، وأضربت عن الحكم السابق.

جاء في دلائل الإعجاز: " واعلم أنه إذا كان المخبر عنه في الجملتين، واحدا كقولنا: هو يقول ويفعل ويضر وينفع، ويسيء، ويحسن، ويأمر وينهى، ويحل ويعقد، ويأخذ، ويعطي ويبيع ويشتري ويأكل ويشرب وأشباه ذلك ازداد معنى الجمع في الواو قوة وظهورا، وكان الأمر حينئذ صريحا، وذلك أنك إذا قلت: هو يضر وينفع كنت قد أفدت بالواو، أنك أوجبت له الفعلين جميعا، وجعلته يفعلهما معا، ولو قلت (يضر ينفع) من غير واو لم يجب ذلك، بل قد يجوز أن يكون قولك (ينفع) رجوعا عن قولك (يضر) وإبطالا له"(3).

(1) الاتقان 2/ 115، وانظر معترك الاقران 1/ 78 - 88

(2)

معاني القرآن 2/ 68 - 69

(3)

دلائل الإعجاز 174

ص: 226