الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفعل
يقسم جمهور النحاة الفعل على ثلاثة أقسام:
الفعل الماضي
، والمضارع والأمر.
الفعل الماضي
أزمنته:
يستعمل الفعل الماضي للدلالة على أزمنة متعددة أشهرها:
1 -
الماضي المطلق: وهو الزمن الذي مضى قبل زمن التكلم، قريبا كان أو بعيدا وهو ما كان على فعل، فمن القريب قوله تعالى:{قال إني تبت الآن} [النساء: 18]، وقوله:{الآن جئت بالحق} [البقرة: 71]، ونحو قولك (استيقظ الطفل).
ومن البعيد، قوله تعالى:{خلق الله السماوات والأرض} [العنكبوت: 44].
إن هذه الفعل يصلح لجميع الأزمنة، فإذا قلت (حضر أخوك) أحتمل أن يكون الحضور قريبا أو بعيدا، وليس مختصا بزمن معين، جاء في (شرح ابن يعيش): وذلك أنك تقول (قام) فيصلح لجميع ما تقدمك من الأزمنة (1).
2 -
الماضي المنقطع: ومعنى الانقطاع أنه حصل مرة، ولم يتكرر، وذلك إذا وقع الفعل الماضي خبرًاـ، لكان نحو (كان كذب) أي حصل مرة منه الكذب، ونحو (كنت كتبت له في هذا الأمر) قال تعالى:{ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل} [الأحزاب: 15].
وأما الفعل الماضي المجرد من كان، فهو قد يفيد الانقطاع، نحو قوله تعالى:{خلق الله السماوات والأرض} [العنكبوت: 44]، وكقوله تعالى:{ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات} [البقرة: 29]، ونحو مات فلان، وذهبت إلى محمد، ويحتمل أن يكون
(1) شرح ابن يعيش 8/ 110، وانظر 8/ 147
قد تكرر، كما في قوله تعالى:{لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم} [الأعراف: 93]، فمن المرجح أن النصيحة قد تكررت، ومثله قوله تعالى:{منه من كلم الله} [البقرة: 253]، فقد يكون الكلام تكرر، ونحو قوله تعالى:{وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا} [الأنعام: 99]، ولا شك أن الله يفعل ذلك باستمرار، فإن إنزال الماء وإخراج النبات مستمران.
ونحو قوله تعالى: {وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى} [البقرة: 57]، فهذا قد تكرر أيضا طوال بقائهم في التيه.
3 -
الماضي القريب: وذلك إذا صدر بقدر نحو (قد حضر خالد) وذلك أن قولك (حضر خالد) يدل على القريب والبعيد، فإذا قلت (قد حضر خالد) أفاد القرب من الحال جاء في (شرح ابن يعيش):" قد حرف معناه التقريب، وذلك أنك تقول (قام زيد) فتخبر بقيامه فيما مضى من الزمن، إلا أن ذلك الزمان قد يكون بعيدًا، وقد يكون قريبا من الزمان الذي أنت فيه، فإذا قرنته بـ (قد) فقد قربته مما أنت فيه، ولذلك قال المؤذن: قد قامت الصلاة، أي قد حان وقتها في هذا الزمان"(1).
ويذكر النحاة لـ (قد) الداخلة على الفعل الماضي ثلاثة معان هي: التحقيق والتوقع والتقريب.
أما التحقيق فمعناه التوكيد، ومعناه أيضا تحقق حصول الحدث في الماضي، فإن الفعل (فَعَل) قد يحتمل غير المضي، وذلك كقوله تعالى:{ونفخ في الصور فصعق من في السماوات} [الزمر: 68]، فإذا جيء بقد، تعين كونه للماضي، ولا يجوز أن يصرف إلى الاستقبال بحال من الأحوال، ولذا لا يجوز أن تلى (قد) أداة الشرط، لأن أداة الشرط تصرف الفعل إلى الاستقبال، وذلك نحو قولك (إذ جاءك محمد فاكرمه) ومعناه إذا يجيء ولا يصح أن تقول (إذا قد جاء محمد) لأن معناه سيكون على هذا أنه
(1) شرح ابن يعيش 8/ 147
قد جاء فعلا، ولذا لا يصح أيضا أن يؤتى بها في الدعاء، فأنت تقول (غفر الله لك) أي تدعو له بالمغفرة، ولا تقول (قد غفر الله لك) فإن معنى (قد غفر الله لك) أن المغفرة تحققت، وأنت أخبرت بحصولها، وليس المعنى أنك تدعو له بالمغفرة، جاء في (المقتضب): تقول أما أن غفر الله لك، وإن شئت أما أن على ما فسرت لك في أما، أنها تقع للتنبيه وتقع في معنى قولك (حقا) فالتقدير. أما أنه وأما أنه غفر الله لك.
فإن قلت: فكيف جاز الإضمار والحذف بغير غوض؟
فإنما ذلك لأنك لا تصل إلى قد لأنك داع ولست مخبرًا (1).
ومعنى التوقع أن الحدث كان متوقعا قبل حدوثه، نحو قولك (قد حصر الأستاذ) لقوم كانوا ينتظرون حضوره، جاء في (الكتاب): وأما قد فجواب لقوله لما يفعل فتقول: قد فعل، وزعم الخليل أن هذا الكلام لقوم ينتظرون الخبر (2).
وجاء في شرح ابن يعيش: وفيها معنى التوقع، يعني لا يقال قد فعل، إلا لمن ينتظر الفعل ويسأل عنه (3).
وأما التقريب فهو لتقريب الحدث من الحال كما ذكرت، جاء في شرح الرضي على الكافية: هذا الحرف إذا دخلت على الماضي أو المضارع، فلابد فيها من معنى التحقيق ثم أنه ينضاف في بعض المواضع إلى هذا المعنى في الماضي التقريب من الحال، مع التوقع أي يكون مصدره تموقعا لمن يخاطبه واقعا عن قريب، كما تقول لمن يتوقع ركوب الأمير قد ركب أي حصل عن قريب ما كنت تتوقعه، ومنه قول المؤذن قد قامت الصلاة، ففيه أذن ثلاثة معان مجتمعة التحقيق، والتوقع والتقريب، وقد يكون مع التحقيق التقريب فقط، ويجوز أن تقول (قد ركب) لمن لم يكن يتوقع ركوبه (4).
(1) المقتضب 3/ 9
(2)
كتاب سيبويه 2/ 307، وانظر المغني 1/ 172
(3)
شرح ابن يعيش 8/ 147
(4)
شرح الرضي على الكافية 2/ 429، وانظر المغني 1/ 172
وهذه المعاني قد تجتمع وقد تفترق، فمن اجتماعها قولك (قد حضر الأستاذ) وقد خرج الأمير، إذا كان متوقعا ذلك، ومنه قوله تعالى:{ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} [آل عمران: 143]، فقوله (قد رأيتموه) أجتمع فيه التحقق والتوقع والتقريب، وكقوله:{ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة} [آل عمران: 123]، فهم كانوا يتوقعون النصر، لأن الرسول وعدهم ذلك، كما قال تعالى {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} [الأنفال: 7].
وقد يتخلف بعض هذه المعاني غير أن المعنى الذي لا يفارقها هو التحقيق فإن التحقيق لا يفارق (قد) البتة، واما التوقع والتقريب، فقد يتخلفان أو يتخلف أحدهما.
فمن ورود قد لغير التوقع قوله تعالى: {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} [مريم: 27]، وهو غير متوقع منها - هو لم يقع - بدليل قولهم (يأخت هارون ما كان أبوك أمرا سوء وما كانت أمك بغيا) [مريم: 28]، وقوله:{إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} [البقرة: 247]، وهو غير توقع، بدليل قولهم (أني يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه) [البقرة: 247]، وقوله:{يبني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا} [الأعراف: 26]، وهو ما كانوا يتوقعون إنزاله.
ومن تخلف التقريب قوله تعالى: {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك} [آل عمران: 184]، وقوله:{ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق} [المؤمنون: 17]، وهذا لاشك موغل في القدم، كما أنه ليس فيه معنى التوقع، لأنهم لم يكونوا يتوقعون خلق السماوات وقد خلقت قبل أن يخلق البشر، بل فيه معنى التحقيق فقط.
ومن ذلك قوله تعالى: {ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين} [الحجر: 10]، وقوله:{ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون} [الحجر: 26]، فإنه ليس فيها توقع ولا تقريب.
4 -
الدلالة على حدث ماض بالنسبة إلى حدث ماضي قبله، وذلك كما إذا وقع الفعل الماضي في جملة حالية قبلها فعل ماض، نحو (دخلت وقد نام الناس) فنوم الناس
قبل الدخول ونحو (فجئت وقد نضت لنوم ثيابها) والمعنى أنه سبق نزع الثياب المجيء، جاء في كتاب (الفعل زمانه وابنته): " وتتصدر (قد) بناء (فعل) لتفيد أن الحدث ماض بالنسبة لفترة ماضية نحو: ثم قمت إلى الوطن وقد ضربه برد الشجر (1).
5 -
الدلالة على الحال: وذلك إذا قصد به الإنشاء، كبعت، واشتريت، وغيرهما من ألفاظ العقد، إذا هو عبارة عن إيقاع معنى بلفظ يقارنه في الوجود (2).
إن ثمة فرقا بين قولنا (بعت) الخبري، وبعت الإنشائي، وكذلك (اشتريت) وغيرهما من ألفاظ العقود، فقولك (بعت داري) معناه أنه سبق أن بعت دارك أي حصل هذا الفعل منك في المضي.
وأما بعت الإنشائي فليس معناه ذلك بل معناه إني ماوفق على البيع، وذلك نحو أن تتابعا على سلعة، فتقول له بعتك فيقول لك: قبلت فالبيع لم يتم إلا بقبول المشتري، وكذلك قوله (زوجتك ابنتى) فالفرق بين الخبري والإنشائي في هذا التعبير أن الخبري معناه سبق أن حصل التزويج منى، وتم، وأما الإنشائي فمعناه الموافقه على التزويج باللفظ، وأعلانها ولم يحصل تزويج فعلا إلا بقبول المزوج، فيقول (قبلت تزويجك) فليس معنى زوجتك أنها صارت زوجك، ولا سبق أن تم ذاك، وإنما هذا قول يقوله الذي يديد أن يزوج ابنته وتتم الصفقة بالقبول بقوله: قبلت.
وفي الحقيقة أن هذا الفعل ليس معناه الدلالة على الحال أيضا، فهو لا يشبه المضارع الدال على الحال، وإنما هذا تعبير خاص، فقولك (بعت) ليس كمعنى (أبيع) ولا زوجت كمعنى ازوج.
فقولك (أنا أبيع سلعتي) معناه إني قائم بالبيع الآن مستمر على البيع في الحال، كما تقول: أقرأ كتابي، وأحفظ قصيدتي وليس معناه الاستقبال أيضا.
جاء في شرح الرضي على الكافية: والفرق بين بعت الإنشائي، وأبيع
(1) الفعل زمانه وأبنيته 30
(2)
الهمع 1/ 9
المقصود به الحال، أن قولك (أبيع) لابد له من بيع خارج حاصل بغير هذا اللفظ، تقصد بهذا اللفظ مطابقته لذلك الخارج، فإن حصلت المطابقة المقصودة، فالكلام صدق وإلا فهو كذب فلهذا قيل أن الخبر محتمل اللفظ من حيث دلالته عليه، والكذب محتمله، ولا دلالة للفظ عليه.
واما (بعت) الإنشائي، فإنه لا خارج له تقصد مطابقته، بل البيع يحصل في الحال بهذا اللفظ، وهذا اللفظ موجد له فلهذا قيل إن الكلام الإنشائي لا يتحمل الصدق والكذب، وذلك لأن معنى الصدق مطابقة الكلام للخارج والكذب، عدم مطابقته فإذا لم يكن هناك خارج فكيف تكون المطابقة وعدمها (1).
والمحققون على أن هذا الأفعال ليس لها زمان معين، بل هي مجردة عنه (2). وهذا هو الحق، إذ هي أفعال إيقاعية يراد بها إمضاء الحدث وإجراؤه، ولا تدل على مضي الحدث ولا على أنه يحدث الآن.
6 -
الدلالة على الاستقبال: وينصرف إلى ذلك في مواطن منها:
أ - الإنشاء المقصود به الطلب (3). وذلك كالدعاء له أو عليه نحو (غفر الله لك) أي ليغفر الله لك، ونحو (ناشدتك الله إلا فعلت) و (عزمت عليك إلا فعلت) (4). و (لما فعلت) أي: أفعل، جاء في (الكليات): " الأفعال الواقعة بعد (إلا) و (لما) ماضية في اللفظ مستقبلة في المعنى لأنك إذا قلت: (عزمت عليك لما فعلت) لم يكن قد فعل وإنما طلبت فعله وأنت تتوقعه (5).
ب - الوعد أو الوعيد، نحو:{إنا كفيناك المستهزءين} [الحجر: 95]، ومن ذلك
(1) شرح الرضي على الكافية 2/ 249
(2)
المغنى 1/ 227
(3)
الهمع 1/ 9، شرح الرضي 2/ 249
(4)
الهمع 1/ 9
(5)
الكليات 338
الإخبار عن الإحداث المستقبلة مع قصد القطع بوقوعها (1). وذلك نحو قوله تعالى {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض} [الزمر: 68]، وقوله:{وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا} [الزمر: 73]، و {نادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا} [الأعراف: 44].
والقصد من لك أن هذه الأحداث متحققة الوقوع مقطوع بحصولها بمنزلة الفعل الماضي، فكما أنه لا شك في حدوث الفعل الماضي الذي تم، وحصل، كذلك لاشك في حدوث هذه الأفعال، إذ هي بمنزلة الماضي في تحقق الوقوع.
ج - دخول أداة الشرط عليه كـ (إن) و (إذا) نحو: {إذا جاء نصر الله} [النصر: 1]، و {إن عدتم عدنا} [الإسراء: 8]، وقوله:{فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} [آل عمران: 85].
وقد يبقى على مضيه قليلا نحو {إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين} [يوسف: 26]، ونحو (إن كنت الممت بذنب فتوبي واستغفري الله) وسيأتي لذلك بيان في باب الشرط.
د - دخول ما الظرفية، نحو:{وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا} [مريم: 31] أي مدة دوامي حيا، وهذا يشمل المستقبل أيضا، ونحو (لا أكلمك ما طلع نجم وغرب) أي يطلع ويغرب، وهذا التعبير أدل على الاستمرار.
جاء في (شرح الرضي على الكافية) أن الفعل الماضي ينقلب إلى المستقبل بدخول ما النائبة عن الظرف المضاف نحو ما ذر شارق وما دامت السماوات لتضمنها معنى (إن) أي أن دامت قليلا أو كثيرا، وقد يبقي معها على المضي كقوله تعالى:{وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم} [المائدة: 117](2).
(1) شرح الرضي 2/ 250
(2)
شرح الرضي 2/ 250
هـ ـ وينصرف إلى الاستقبال أيضا إذا كان منفيا بـ (لا) أو (إن) في جواب القسم، نحو (والله لا كلمتك أبدًا) ونحو {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده} [فاطمة: 41]، أي ما يسكهما ونحو:
ردوا فوالله لازدناكم أبدا
و:
والله لا عذبتهم بعدها سقر
فلا يلزم تكرير (لا) هنا، كما يلزم في الماضي المعنى (1). فإن الفعل الماضي لا ينفي بـ (لا) إلا إذا كررت، نحو (لا ذهبت ولا رجعت) ونحو (فلا صدق ولا صلى) [القيامة: 31]، فإن كان مستقبل المعنى لم يلزم تكرار (لا).
8 -
إحتمال المضي والاستقبال وذلك في مواطن منها:
أ - بعد همزة التسوية: نحو قوله تعالى: {سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الوعظين} [الشعراء: 136]، ونحو {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} [إبراهيم: 21]، ونحو سواء علي أقمت أم قعدت، إذا يحتمل أن يراد ما كان منك من قيام أو قعود أو ما يكون من ذلك (2).
ب - بعد حرف التخصيص نحو: هلا فعلت، وإلا ذهبت إليه، ونحو قوله تعالى:{فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقوا في الدين} [التوبة: 122]، فهذا يحتمل المضي والاستقبال (3).
جاء في شرح ابن يعيش: فأما قوله تعالى: {لولا أخرتني إلى أجل قريب} [المنافقون: 10]، فقد وليه الماضي إلا أن الماضي هنا في تأويل المستقبل كما يكون بعد
(1) انظر شرح الرضي 2/ 250، الهمع 1/ 9
(2)
الهمع 1/ 9، وانظر شرح الرضي 2/ 250
(3)
شرح الرضي 2/ 250، الهمع 1/ 9، شرح ابن يعيش 8/ 144
حرف الشرط كذلك لأنه في معناه والتقدير: إن أخرتني أصدق (1).
ج - في الأحكام نحو قوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم} [البقرة: 235]، فإنه يحتمل المضي والاستقبال.
د بعد (حيث): فالماضي نحو {فائتوهن من حيث أمركم الله} [البقرة: 223]ـ، والاستقبال نحو {ومن حيث خرجت فول وجهك} [البقرة: 149] (2).
هـ ـ بعد كلما، فالمضي نحو {كل ما جاء أمة رسولها كذبوه} [المؤمنون: 44]، والاستقبال نحو:{كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} [النساء: 56](3).
وهذا في الحقيقة يدل على الاستمرار، ولكن قد يكون الاستمرار في الماضي، كما في الآية الاولى، ونحو قولك كلما جئتك عاتبتني، وقد يكون في المستقبل كما في الآية الثانية.
و- إذا وقع صلة: فالمضي نحو: الذين قال لهم الناس [آل عمران: 173]، والاستقبال نحو:{إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} [المائدة: 34]ـ، وقد أجتمعا في قوله: إني لآتيكم بذكر ما مضى واستيجاب ما كان في غد (4).
ونحو قوله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيانات والهدى من بعد ما بينه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم} [البقرة: 159 - 160]، فقوله تعالى (تابوا وأصلحوا وبينوا) يراد به الاستقبال لأن يكتمون، فعل مضارع وهذا بعده، فالتوبة بعد الكتمان.
ز - إذا وقع صفة لنكرة عامة: فالمضي نحو (رب رفد هرقته ذلك اليوم).
(1) شرح ابن يعيش 8/ 144
(2)
الهمع 1/ 9
(3)
الهمع 1/ 9، وانظر شرح الرضي 2/ 250
(4)
الهمع 1/ 9
والاستقبال كحديث (نضر الله امرءا سمع مقالتي) فوعاها فأداها كما سمعها أي يسمع لأنه ترغيب لمن أدرك حياته في حفظ ما يسمعه منه (1).
9 -
توقع الحدث في الماضي: أي أن الحدث كان متوقعا حصوله في الماضي، وذلك كأن يقع الفعل المضارع المقترن بالسين خبرا لكان، نحو (كان محمد سيكتب لك في هذا الأمر) أي كان متوقعا منه أن يكتب لك في الماضي، أو بمعنى أنه كان ينوي فعله في الماضي، جاء في (الخصائص): " كان زيد سيقوم امس أي كان متوقعا منه القيام فيما مضي (2).
10 -
الدلالة على الاستقبال في الماضي: وذلك نحو قولك (كان من الأفضل أن تخبره) و (اكان من الحسن بمكان أن تدعوه) وهذا يدل على المستقبل في الماضي وإيضاح ذلك أنك تقول (من الخير أن تخبره) و (الأولى أن تسافر) فأخباره مستقبل بالنسبة إلى الحال التي أنت فيها، والسفر مستقبل أيضا، فإذا سبق بمكان أفاد المصدر المؤول الاستقبال في المضي.
ويوضح ذلك أنك تقول (كان من الأفضل أن أخبرته) و (كان من الحسن بمكان أن دعوته) فأخباره ودعوته ماضيان، فاتضح بذلك أن هذا التعبير يفيد الدلالة على الاستقبال في الماضي.
قال متم بن نويرة:
وفقد بني أم تفاتوا فلم أكن
…
خلافهم أن أستكين وأسرعا
فقوله (لم أكن) ماض، و (أن أستكين) أستقبال، فهو نظير ما مر من الأمثلة، ومن هذا الضب نحو قولنا (أراد أن يوبخه) فـ (أراد) يفيد المضي، و (أن يوبخه) أستقبال بالنسبة إلى فعل الإرادة فهو استقبال في الماضي، كما هو ظاهر.
(1) الهمع 1/ 9، وانظر شرح الرضي 2/ 25
(2)
الخصائص 3/ 332
10 -
الماضي الحاصل في المستقبل: ويكثر ذلك إذا سبق الفعل الماضي بفعل الكون مضارعا نحو (اذهب إليه فتكون قد سبقته بالفضل).
والمعنى: أنك إذا ذهبت إليه كنت قد سبقته بالفضل، أي حصل سبقك بالفضل.
ونحوه أن تقول: (اذهب إليه فعسى أن يكون قد أنجز المعاملة) فالإنجاز ماض ولكنه واقع في المستقبل، وذلك أن خبر (عسى) استقبال، وهي تفيد رجاء وقوع الفعل فقولك، (عسى خالد أن يحضر) مثلا يفيد رجاء حصول الفعل في المستقبل، وكذلك قولك (عسى أن يكون قد أنجز المعاملة) فقولك (عسى أن يكون) يفيد ترجى وقوع الفعل في المستقبل و (قد انجز المعاملة) يفيد المضي فهو ماض واقع في المستقبل، ومنه قوله تعالى:{وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم} [الأعراف: 185]، وقوله:{عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون} [النمل: 72].
وذكر الدكتور إبراهيم السامرائي أنه ياتي بناء فعل مسبوقا بفعل الكون المضارع، فيتأتي من هذا المركب إعراب عن المستقبل في زمان ماض، وهو ما يدعى في الفرنسية future - anterirur نحو: ما ذاك من شيء أكون اجترمته، وكقول المعربين في هذا العصر مثلا: واقر اللص أن يكون سرق أثاث الدار (1).
والحق أن ذلك لا يختص بفعل الكون، فهو قد يقع بعد غيره، وذلك نحو قولك (لا تخرج إليه إلا وقد أعددت للأمر عدته) و (لا تدخل عليه إلا وأنت أعددت جوابا عن كل سؤال قد يسأله لك) فالخروج يكون بعد الإعداد، فالإعداد سابق وهو ماض، بالنسبة إلى الخروج، وهو واقع في المستقبل، وكذلك الدخول في الجملة التالية.
ويقع أيضا بعد فعل الأمر، وذلك نحو قولنا (اذهب إليه وقد حزمت أمرك) أي أذهب بعد حزم الأمر، فالذهاب يكون بعد الحزم، فالحزم ماض واقع في المستقبل.
ويقع أيضا بعد غير ذلك، مما يفيد هذا المعنى، وذلك نحو قولك (إياك أن تخرج
(1) الفعل زمانه وأبنيته 30
إليه إلا وقد حزمت أمرك) و (إياك أن تدخل اللجة إلا وأنت أحسنت السباحة) فكل من حزم الأمور، وإحسان السباحة، حدث ماض واقع في المستقبل، كما هو واضح.
11 -
الماضي المستمر، وذلك إذا دخلت كان على الفعل المضارع كان يفعل وذلك نحو قوله تعالى:{وكا يأمر أهله بالصلاة} [مريم: 55]، أي كان مستمرا على ذلك. ونحو {ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه} [آل عمران: 143]، ونحو {كانوا قليلا من الليل ما يجعهون} [الذاريات: 17].
فهذا يفيد الدلالة على الاستمرار أو الاعتياد، جاء في البرهان: ومن هذا الباب الحكاية عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ (كان يصوم) و (كنا نفعل) وهو عند أكثر الفقهاء والأصولين، يفيد الدوام، فإن عارضه ما يقتضي عدم الدوام مثل أن يروي: كان يمسح مرة ثم نقل عنه أنه يمسح ثلاثا فهذا من باب تخصيص العموم (1).
وقد سبق أن ذكرنا في باب كان أن سبق الفعل المضارع بـ (كان) قد يفيد الدلالة على اعتياد الأمر في الماضي ووقوعه بصورة متكررة، نحو {وكان يأمر أهله بالصلاة} [مريم: 55]، أي كان مستمرًا على هذا الفعل.
وقد يفيد أنه وقع مرة ولكن على أنه ماض مستمر في أثناء وقوعه، وليس معناه تكرر الحدث، نحو (كنت اقرأ، ذات مرة في كتابي، فجاءني خالد) أي كنت مستمرا على القراءة وفي هذا الأثناء جاءني خالد، ونحو (كنت أسبح في النهر فطاردني تمساح) فليس في هذا ما يدل على تكرر الحدث.
فسبق الفعل المضارع بـ (كان) له دلالتان: تكرر الحدث ووقوعه أكثر من مرة، والدلالة الأخرى أن الحدث كان مستمرا في ذلك الأخبار.
وقد تفيد (كان) الاستمرار، إذا كان خبرها شرطا، نحو قولنا:(كان محمد إذا سئل أعطي) ومنه قوله تعالى: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} [الصافات: 35].
(1) البرهان 4/ 125
12 -
الماضي المستمر المنقطع: وذلك نحو قولنا (كان لا يزال يلهو)، وكان ما يزال يكتب له، ومعنى ذلك أنه كان مستمرا على اللهو، ثم انقطع عنه، وكذلك المثال الثاني فإن معناه أنه كان مستمرا على الكتابه له، ثم انقطع بخلاف الماضي المستمر، فإنه لا يفيد الانقطاع.
13 -
استمرار الفعل واتصاله بزمن الاخبار: وذلك إذا دخل على المضارع فعل يفيد الاستمرار نحو ما زال، وما برح وما فتي، وما انفك، وبقي وما إلى ذلك نحو: ما زال أخوك يكتب، وبقي يدرس، أي هو بدا بالفعل في الماضي، ولا يزال الفعل مستمرا لم ينقطع حتى زمن التكلم.
غير أن هناك فرقا بين الاستمرار في (ما زال) و (بقي) فلا يصح إبدال أحد الفعلين بالآخر دوما، وذلك أن (مازال) وأخواتها تفيد توقع الانقطاع في الغالب، بخلاف (بقي) وذلك أنك تقول لولدك مثلا مازلت صغيرا، ومعناه أنك ستكبر، بخلاف ما لو قلت بقيت صغيرا، فإنه لا يفهم منه الانقطاع، وإنما هو إلى معنى الثبات والدوام على ما هو عليه اقرب.
وكذلك في الماضي فإن قولنا (لا يزال صغيرا) يختلف عن قولنا (يبقي صغيرا) فإن الجملة الأولى يفهم منها أنه سيتغير ويكبر، بخلاف الثانية كما هو ظاهر.
14 -
مقاربة حصول الفعل وذلك إذا سبق الفعل المضارع بفعل يدل على المقاربة، كـ كاد وأوشك، نحو كاد يغرق أي قرب من الغرق، ولم يغرق.
15 -
رجاء حصلو الفعل: وذلك سبق الفعل المضارع بفعل دال على الرجاء، نحو {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض} [محمد: 22]، ونحو (حرى أن ينقشع).
16 شروع القيام بالفعل أي بدء القيام به نحو أخذ يكتب وشرع يدرس
17 تلبس حصول الفعل بوقت من الأوقات نحو: أصبح يهذي، وأمسى يستطيع الحركة.