الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فليس ههنا تراخ في الزمان بين الابتلاء، وإنما التراخي في الوصف فجاء بعد الانبياء بـ (ثم) وذلك لأن التفاوت كبير بين الأنبياء وغيرهم، وجاء فيمن بعدهم بالفاء لأنهم قد يتقاربون في الأمثلية.
وأما قوله تعالى: {كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون} [التكاثر: 3 - 4]، فقالوا فيه إنها داخلة للتوكيد، وقيل بل أن العلم الأول في القبر، والعلم الثاني في الآخرة، وكذلك قالوا في قوله:{لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين} [التكاثر: 6 - 7].
وهي للتوكيد في نحو قولنا: (والله إنه لكاذب، ثم كاذب، ثم كاذب) ولعل القصد إيغاله بعيدا في هذه الصفة الذميمة، وهي كذلك في قوله تعالى:{وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين} [الإنفطار: 17 - 18]، ولعلها لتبعيد المعرفة، أو استبعادها.
ويبدو لي أنها تدخل على التوكيد اللفظي للايغال في التوكيد.
حتى:
حتى عطف يفيد الغاية نحو (يمرض الناس جميعا حتى الأطباء) وشرط معطوفها أن يكون بعضا من المعطوف أو كبعضه، ففي المثال السابق الأطباء جزء من الناس ونحوه (نجح الطلاب حتى الكسالى) فالكسالى جزء من الطلاب، ونحو (أكلت السمكة حتى رأسها) و (حطمت التمثال حتى قدمه) فالرأس جزء من السمكة، وكذلك القدم جزء من التمثال، ولا تقول:(حضر الرجال حتى النساء) ولا (أكلت الفاكهة حتى السمك) لأن النساء لسن جزءا من الرجال والسمك ليس جزءا من الفاكهة.
ومثال ما هو كالحزء قولك: (أعجبني خالد حتى حلمه) فالحلم كالجزء من خالد، و (راعتني حديقتك حتى تنظيمها) و (أعجبتني الجارية حتى حديثها)(1).
كما يشترط في المعطوف بها أن يكون غاية لما قبلها في زيادة أو نقص، ومعنى الغاية في الزيادة والنقص، أن المعطوف بها يكون آخر الأجزاء " إذا رتبت الأجزاء الأقوى
(1) انظر المغني 1/ 127، حاشية الخضري 2/ 62، شرح ابن يعيش 8/ 16
فالأقوى فإذا ابتدأت بقصدك من الجانب الأضعف مصعدا كان آخر الأجزاء أقواها نحو (مات الناس حتى محمد عليه الصلاة والسلام بالعطف وليس هو صلى الله عليه وسلم آخرها حسبا، ولا دخولا بل هو آخرهم قوة وشرفا، وإذا ابتدأت بعنايتك من الجانب الأقوى منحدرا كان آخر الأجزاء أضعفها نحو (قدم الحاج حتى المشاة) عطفا، ويجوز أن يكونوا قادمين قبل الركبان أو معهم" (1).
وجاء في (الأصول): " وإنما يذكر - أي الاسم بعد (حتى) - لتحقير أو تعظيم أو قوة أو ضعف وذلك قولك (ضربت القوم حتى زيد) فـ (زيد) من القوم وانتهى الضرب به فهو مضروب مفعول، ولا يخلو أن يكون أحقر من ضربت أو أعظمهم شأنا وإلا فلا معنى لذكره، وكذلك المعنى إذا كانت عاطفة كما تعطف الواو، تقول (ضربت القوم حتى عمرا) فـ (عمرو) من القوم، به انتهى الضرب (وقدم الحاج حتى المشاة والنساء) فهذا في التحقير والضعف. وتقول:(مات الناس حتى الأنبياء والملوك) فهذا في التعظيم والقوة (2).
وهذا هو الغالب وليس لازما، فإنه قد يكون العطف بها أو الجر يفيد الغاية، فحسب من دون تعظيم أو تحقير، وذلك نحو قولك (قرأت القرآن حتى سورة الناس) عطفا أو جرا، فهذا للغاية في كون سورة الناس آخر القرآن، وليس لتحقير أو تعظيم، ونحو قولك (قرأت الكتاب حتى الصفحة الأخيرة).
وهي تعطف المفردات ولا تعطف الجمل (3). فهي في قولك (أكرمت أخاك حتى قمت على رأسه)، وقوله:
فما زالت القتلى تمج دماءها
…
بدجلة حتى ماء دجلة أشكل
(1) شرح الرضي على الكافية 2/ 361
(2)
الأصول 1/ 516 - 517، وانظر المفصل 2/ 197
(3)
انظر المغنى 1/ 127، التصريح 2/ 141، حاشية الخضري 2/ 62
ابتدائية:
وحتى العاطفة لا تفيد ترتيبا، بل هي كالواو، فإذا قلت (حضر رجال الكلية حتى العميد) لم يدل ذلك على أن العميد آخرهم حضورا، بل قد يكون أولهم، وكذا إذا قلت (أكلت السمكة حتى رأسها)(1).
جاء في (شرح الرضي على الكافية): " واعلم انه لا يلزم أن يكون ما بعد حتى العاطفة آخر أجزاء ما قبلها حسا، ولا آخرها دخولا في العمل، بل قد يكون كذلك وقد لا يكون"(2).
وجاء في (شرح الخضري): " حتى العاطفة لمطلق الجمع كالواو لا للترتيب، في الحكم فيجوز (مات كل أب لي حتى آدم) بدليل قوله عليه الصلاة والسلام:(كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) إذ لا يتأخر تعلق القضاء والقدر بهما عن غيرهما (3).
والفرق بين العاطفة والجارة.
إن المعطوف بـ (حتى) ينبغي أن يكون جزءا مما قبله، أو كجزئه كما ذكرنا نحو (ضربت القوم حتى خالدا) ولا يشترط ذلك في المجرور، بل قد يكون المجرور بها متصلا بالآخر، وليس بعضا مما قبله، نحو (صمت رمضان حتى يوم الفطر)، ونمت البارحة حتى الصباح (4).
ثم أن المحور بـ (حتى) يكون حكمه الدخول غالبا في حكم ما قبله، إلا إذا دل على عدم الدخول دليل، وأما العاطفة فالمعطوف بها داخل في حكم ما قبلها ولا بد وذلك أنك إذا قلت (صمت رمضان حتى يوم الفطر) كانت (حتى) جارة وليست عاطفة لأن يوم الفطر غير داخل في الصوم، إذ لو كانت عاطفة لدخل ما بعدها في الصوم.
(1) بدائع الفوائد: 1/ 197
(2)
شرح الرضي 2/ 361، وانظر 2/ 408
(3)
حاشية الخضري 2/ 63
(4)
انظر الرضي 2/ 359