الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: قد عدل به إلى طريق آخر (1).
ولذا إذا لم يقصد معنى التمني بعد (ود) فلا يؤتى بها، قال تعالى:{أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت} [البقرة: 266]، وقال:{وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم} [الأنفال: 7]، بخلاف قوله:{وودوا لو تكفرون} [الممتحنة: 2]، وقوله:{يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا} [النساء: 42].
اسم المصدر
ذهب النحاة إلى أن اسم المصدر هو ما ساوى المصدر في الدلالة على الحدث وخالفه بخلوه من بعض حروف فعله لفظًا وتقديرًا دون تعويض (2). وذلك كالعطاء والثواب والسلام والكلام والعشرة.
وحق المصدر أن يتضمن حروف فعله بمساواة، نحو تعلم تعلمًا، أو بزيادة نحو أعلم إعلاما (3). فإن نقص عن حروف فعله دون عوض أو تقدير كان اسم مصدر، فاعطاء مصدر لأعطي، وأما العطاء فاسم مصدر لأنه خلا من الهمزة التي في أوله دون عوض.
والتكلم مصدر تكلم، أما الكلام فهو اسم مصدر لتكلم لأنه خلا من التاء دون عوض، وقد تقول أن الألف قبل الآخر عوض عن التاء، غير أن النحاة لا يعدون المدة التي قبل الآخر عوضا لأن العوض يكون في الأول، أو في الآخر بدليل ثبوتها في المصدر دون.
(1) الكشاف 3/ 257، وانظر جواهر الأدب 156
(2)
انظر شرح الأشموني 2/ 287
(3)
شرح الأشموني 2/ 287
تعويض كالإنطلاق والاكرام والاستخراج (1).
والمصدر المعوض نحو (عدة) و (زنة) فإن فعليهما (وعد) و (ووزن)، فحذفت الواو وعوض عنها التاء في الآخر، ونحو تعليم وتسليم فإن فعليهما علم وسلم، فإن التاء عوض عن أحد اللامين (2).
وعندي أن اسم الصدر أيضا ما خرج عن قياس المصدر فيما كان فيه المصدر قياسًا نحو عشرة وقبلة فإن (عشرة) اسم للمعاشرة، وفعله (عاشر) وقد حذف الألف منه، وعلى مقتضي قول النحاة ينبغي أن يكون مصدرًا وذلك لأنه عوض عن الألف المحذوفة بالتاء في آخره، ومثله الهجرة من هاجر وقبلة من قبل مع أنهم يقولون أنها أسماء مصادر (3). وليست مصادر.
واسم المصدر يدل على الحدث عندهم كالمصدر، فالعطاء معناه الإعطاء، والقبلة معناها التقبيل، والعذاب معناه التعذيب، ولذا عمل عمل المصدر. قال الشاعر:
بعشرتك الكرام تعد منهم
…
فلا ترين لغيرهم الوفا
أي بمعاشرتك، وقال الآخر:
قالوا كلامك هندا وهي مصغية
…
يشفيك قلت صحيح ذاك لو كانا
أي تكليمك.
وفي موطأ مالك عن عائشة رضي الله عنها (من قبلة الرجل زوجته الوضوء) أي تقبيل (4).
(1) الصبان 2/ 287
(2)
انظر الصبان 2/ 287
(3)
انظر الأشموني 2/ 288، في العشرة والقبلة.
(4)
انظر شرح الأشوني 2/ 287 - 288
وقيل أيضا أن المصدر يدل على الحدث، واسم المصدر يدل على الشيء أو الذات، ونحو ذلك العطاء والإعطاء فالاعطاء هو الحدث، والعطاء اسم لما يعطي، والغسل فعل الغاسل، أي الحدث والغسل الماء يغتسل به (1). والتقبيل هو فعل المقبل، والقبلة اسم لذاك.
وهو عند البصريين لا يعمل، لأن أصل وضعه لغير المصدر، بل للاسم، وأعماله رأي الكوفيين (2). وقد أخذ به النحاة المتأخرون.
والذي يترجح عندي أن الأصل في اسم المصدر أن لا يدل على الحدث بل وضع الدلالة على الاسم، فالقرض ما سلفت، وأما الأقراض فمصدر أقرض وهو الحدث.
والإمطار مصدر أمطر، والمطر بالسكون مصدر مطر، وأما المطر بالفتح فماء السحاب.
والرزق بالفتح مصدر رزق وهو الحدث والرزق بالكسر ما ينتفع به. والحمل بالفتح مصدر حمل، والحمل بالكسر ما حل. والوقود بالضم المصدر، والوقود بالفتح الحطب.
والتكليم المصدر والكلام اسم لما يخرج من الفم من اللفظ، وكان مفيدًا تاما،
وهو لا يكون فقط بالحذف دون تعويض، بل يكون بتغيير الحركات ايضا، كالدهن والدهن والكحل والكحل، فالدهن مصدر دهن، والدهن الاسم، والكحل مصدر كحل والكحل اسم لما يكحل به، والحمل والحمل والغسل والغسل.
ومما يدل على أن أسماء المصادر ليست للحدث في الأصل أننا نقول: السلام عليك ولا نقول: التسليم عليكم، لأن السلام اسم وهو الأمان. أما التسليم فهو الحدث،
(1) انظر حاشية يس على التصريح 2/ 64، الأشموني 2/ 288
(2)
انظر التصريح 2/ 64، شرح الأشموني 2/ 288
ومثله الكلام والتكليم. قال تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه} [التوبة: 6]، ولا يصح أن نقول (حتى يسمع تكليم الله أو تكلم الله) فإن كلام الله القرآن أما التكليم فهو الحدث، ولو كانا بمعنى واحد أن يستعمل أحدهما مكان الآخر.
هذا هو الأصل في اسم المصدر، وقد يستعمل أحيانا للدلالة على الحدث، كما أن المصدر يستعمل للدلالة على الاسم، أحيانا وأصله الدلالة على الحدث.
فكما يراد بالخلق أحيانا المخلوق، وبالقول المقول، وباللفظ الملفوظ، وبالنبت النبات وهي مصادر قد يراد على قلة بالدهن الدهن، وبالكحل الكحل، وبالقبلة التقبيل، وبالعذاب التعذيب.
جاء في (الأصول): " وحكي قوم أن العرب قد وضعت الأسماء في مواضع المصدر، فقالوا: عجبت من طعامك طعاما، يريدون من أطعامك، وعجبت من دهنك لحيتك، يريدون من دهنك. قال الشاعر:
أظليم أن مصابكم رجلا
…
اهدي السلام تحية ظلم
ومنه قوله:
وبعد عطائك المائة الرتاعا
أراد بعد أعطائك (1).
فالراجح أن أسماء المصادر في الأصل لا تدل على الأحداث بل تدل على الأسماء وقد تستعمل أحيانا للدلالة على الحدث، كما تستعمل المصادر أحيانا في الدلالة على الذوات.
(1) الأصول 1/ 165 - 166