الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الشاعر:
غدت من عليه تنفض الطل بعدما
…
رأت حاجب الشمس استوى فترفعا (1).
وليست هي بم
عن
ى (فوق) تمامًا وإنما هي قريبة من معناها، فأنت تقول:(سقطت الصورة من على الحائط) وليست هي فوق الحائط، وإنما هي معلقة عليه.
وتقول: سقط من عليه الثوب، والثوب ليس فوقه وإنما هو محتويه، فإن قلت سقط من فوقه احتمل أن يكون الثوب فوق رأسه فسقط واحتمل أن يكون في مكان أعلى من رأسه فسقط.
وتقول: أمررت يدي فوق المنضدة، ولا يشترط في ذلك أنك لامست المنضدة، فقد تكون لامستها، وربما لم تكن لامستها، وتقول: أمررت يدي على المنضدة ومن على المنضدة، ومعنى ذلك أنك لامستها.
عن
عن تفيد المجاوزة، ومعنى المجاوزة الابتعاد. تقول: إنصرف عنه أي تركه بخلاف انصرف إليه، فإن معناه ذهب إليه، ووضعه عنه، بمعنى رفعه عنه بعد أن كان عليه. قال تعالى:{ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} [الأعراف: 157]، بخلاف وضعه عليه، وتقول انتقل عنه، وابتعدد عنه، ونأى عنه، وانحرف عنه، كلها تفيد المجاوزة، وتقول عدل عنه، ومال عنه، أي ابتعد عنه بخلاف عدل إليه، ومال إليه، وتقول:(رغبت عنه) إذا ابتعدت رغبتك عنه وجاوزت. وتقول (رغبت فيه) إذا حلت رغبتك فيه، أي أردته.
(1) شرح ابن يعيش 8/ 38 - 39
وتقول (جلس عن يمينه) بمعنى جلس مبتعدا عن بدنه من جهة اليمين، أي لم يلتصق ببدنه جاء في (الكتاب): "وتقول جلس عن يمينه فجعله متراخيا عن بدنه وجعله في المكان الذي بحيال يمينه (1).
ويحتمل قولنا (جلس عن يمينه) معنى آخر فقد تقول (جلس يمينه) و (جلس عن يمينه) فقولنا (جلس يمينه) بمعنى جلس في جهة اليمين، وأما جلس عن يمينه فيحتمل أن يكون معناه أنه منحرف عن جهة اليمين، فلو قعد جماعة كل منهم عن جهة اليمين كان الجلوس قوسا أو منحرفا إلى جهة أخرى، ولو قلت (جلسوا يمينه) لكان المعنى أنهم جلسوا في خط مستقيم من جهة اليمين.
جاء في (الكتاب): " وأما عن، فلما عدا الشيء، وذلك قولك:
أطعمه عن جوع، جعل الجوع منصرفا تاركا له، قد جاوزه، وقال قد سقاه عن العيمة وكساه عن العري، جعلهما قد تراخيا عنه .. وتقول أخذت عنه حديثا أي عدا منه إلى حديث. وقد تقع (من) موقعها أيضا تقول: أطعمه من جوع، وكساه من عري، وسقاه من العيمة" (2).
والحق أن المعنى مختلف، بين قولك أطعمه عن جوع وأطعمه من جوع، فقولك (أطعمه عن جوع)، بمعنى أبعد الجوع عنه بالطعام، وقولك كساه من عري معناه أبعد العري عنه بالكسوة، وأما قولك (أطعمه من جوع) فمعناه أن ابتداء الأطعام كان من الجوع جاء في (شرح ابن يعيش): وتقول (أطعمه من جوع، وعن جوع) فإذا جئت بـ (من) كانت لابتداء الغاية، لأن الجوع ابتداء الاطعام، وإذا جئت بـ (عن) فالمعنى أن الاطعام صرف الجوع لأن (عن) لما عدا الشيء" (3).
(1) كتاب سيبويه 2/ 308، وانظر التفسير الكبير للرازي 14/ 42، قوله تعالى:{وعن أيمانهم وعن شمائلهم} .
(2)
كتاب سيبويه 2/ 308
(3)
شرح ابن يعيش 8/ 41 - 42
فمعنى (أطعمه من جوعٍ) أنه كان جائعا فأطعمه، وليس معناه أنما أبعد الجوع عنه، فقد يكون أطعمه ولم يشبعه أي لم يبعد الجوع عنه، وسقاه ولم يروه، أي لم يبعد الظمأ عنه، ولكن المعنى أنه كان ظامئا فسقاه، أي: ابتداء السقي كان من حالة الظمأ، أي أول ما نزل الماء نزل على ظمأ، فالظمأ كان ابتداء للسقي وليس معناه أبعد الظمأ عنه.
وذكروا لها معاني أخرى، منها:
البدل، نحو قوله تعالى:{واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا} [البقرة: 48]، وفي الحديث (صومي عن أمك) (1). وتقول: تكلم خالد عن القوم، أي: بدلهم.
وفي هذا معنى المجاوزة أيضا فمعنى الحديث: ارفعي الصوم عن أمك بصيامك إذ إن أمها كانت مدينة لله يصوم فقال: ارفعي هذا الدين عنها. وكذلك الآية فإن معناها أنه لا يحتمل أحد عن أحد شيئا من الوزر، أو العذاب أي لا يبعده عنه، وكذلك قولك (تكمل خالد عن القوم) فإن معناه أبعد الكلام عنهم وتكلم هو، ففيها معنى المجاوزة.
والاستعلاء نحو قوله تعالى: {ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه} [محمد: 38]، أي على نفسه، وقيل بل هي على بابها والمعنى يبعد الخير عن نفسه بالخبل (2).
وهو أولى وذلك أن ثمة فرقا بين قولك (يبخل على نفسه) و (يبخل عن نفسه) فقولك (يبخل على نفسه) معناه أن عاقبة بخله تعود عليه، كقوله تعالى:{لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} [البقرة: 286]، لما كانت العاقبة سوء جيء بـ (على)، وكقوله تعالى:{إنما بغيكم على أنفسكم} [يونس: 23].
ويحتمل معنى آخر، هو أنه لا ينفق على نفسه، أي يثقلها بالبخل، فكأنه البخل حمل يعلوه، وأما بخله عن نفسه فمعناه أنه يبخل منصرفا عن نفسه، أي منصرفا عن مصلحة نفسه مبتعدا عنها فإن البخل في الحقيقة ابتعاد عن مصلحة النفس، فكأنه يبتعد عن نفسه بالبخل بخلاف الانفاق فإنه لها.
(1) المغني 1/ 147
(2)
التصريح 2/ 15
قيل ومن هذا المعنى قوله تعالى: {إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي} [ص: 32]، أي قدمته عليه، وقيل هي على بابها وتعلقها بحال محذوفة، أي منصرفا عن ذكر ربي (1).
والتعليل نحو: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعده وعدها إياه} [التوبة: 114]، ونحو (وما نحن بتاريكي آلهتنا عن قولك) [هود: 53]، ويجوز أن يكون حالا .. أي ما نتركها صادرين عن قولك (2).
ومرادفة بعد نحو: {عما قليل ليصبحن نادمين} [المؤمنون: 40](3). وفيها معنى المجاوزة، أي بعد مرور وقت قليل.
والظرفية كقوله:
وآس سراة الحي حيث لقيتهم
…
ولا تك عن حمل الرباعة وانيا
والرباعة نجوم الحمالة، ، قيل لأن (وني) لا يتعدي إلا بـ (في) بدليل:{ولا تنيا في ذكري} [طه: 42]
والظاهر أن معنى (وني عن) جاوزه ولم يدخل فيه، ووني فيه دخل فيه وفتر" (4).
ومرادفة الباء نحو: {وما ينطق عن الهوى} [النجم: 3]، والظاهر أنها على حقيقتها، وأن المعنى: وما يصدر قوله عن هوى (5).
قالوا: وتأتي إسمًا بمعنى جانب وذلك إذا دخلت عليها (من) كقولك: (جئته من عن يمينه)(6)، والمعنى جئته من جانب يمينه أو من جهة يمينه.
(1) المغني 1/ 147
(2)
المغني 1/ 148
(3)
المغني 1/ 148
(4)
المغني 1/ 148
(5)
المغني 1/ 148
(6)
كتاب سيبويه 2/ 309، المغني 1/ 149، ابن يعيش 8/ 41