المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فقد قيدها بيوم واحد وهو ينافي التأبيد (1).، وقوله تعالى: - معاني النحو - جـ ٣

[فاضل صالح السامرائي]

فهرس الكتاب

- ‌حروف الجر

- ‌نيابة حروف الجر بعضها عن بعض

- ‌التضمين

- ‌معاني حروف الجر

- ‌إلى

- ‌الباء

- ‌التاء

- ‌حتى

- ‌رب

- ‌ربّه:

- ‌حذفها:

- ‌عن

- ‌ في

- ‌الكاف

- ‌اللام

- ‌ على

- ‌ من

- ‌منذ ومذ

- ‌الواو

- ‌المعاني المشتركة

- ‌التعليل:

- ‌الظرفية:

- ‌زيادة (ما)

- ‌ما الكافة

- ‌ما غير الكافة:

- ‌التقديم والتأخير

- ‌تعلق الجار والمجرور

- ‌الإضافة

- ‌معنى الإضافة:

- ‌نوعا الإضافة:

- ‌المحضة:

- ‌الأسماء الموغلة في الإبهام:

- ‌الإضافة غير المحضة:

- ‌إضافة المترادفين والصفة والموصوف

- ‌إكتساب المضاف التذكير والتأنيث من المضاف إليه:

- ‌الظروف المعرفة بالقصد:

- ‌حذف المضاف:

- ‌حذف المضاف إليه:

- ‌المصدر

- ‌المصدر الصريح والمؤول:

- ‌الحروف المصدرية

- ‌(أن

- ‌ما

- ‌لو

- ‌كي

- ‌اسم المصدر

- ‌الأتباع على محل المضاف إليه

- ‌اسم الفاعل

- ‌إضافة اسم الفاعل:

- ‌العطف على المضاف إليه:

- ‌صيغ المبالغة

- ‌اسم المفعول

- ‌الصفة المشبهة

- ‌النعت

- ‌النعت الجامد

- ‌النعت بالمصدر

- ‌الوصف بالجملة

- ‌النعت المقطوع

- ‌تعاطف النعوت

- ‌حذف النعت

- ‌البدل

- ‌أقسام البدل

- ‌البدل وعطف البيان

- ‌العطف

- ‌حروف العطف

- ‌الواو:

- ‌أحكام الواو:

- ‌الفاء

- ‌الفاء مع الصفات:

- ‌ثم:

- ‌حتى:

- ‌أم

- ‌أو

- ‌أم وأو:

- ‌لكن

- ‌بل

- ‌لا بل:

- ‌أحرف الأضراب

- ‌ لا

- ‌العطف على اللفظ والمعنى:

- ‌المتعاطفان:

- ‌حذف أحد المتعاطفين:

- ‌حذف حرف العطف:

- ‌العدد

- ‌أحد وواحد:

- ‌اسم الفاعل من العدد:

- ‌تمييز العدد:

- ‌الممنوع من الصرف

- ‌سبب المنع من الصرف:

- ‌رأي الأستاذ إبراهيم مصطفى:

- ‌العلم:

- ‌ الصفات

- ‌التأنيث:

- ‌منتهى الجموع:

- ‌الغرض من التنوين:

- ‌الفعل

- ‌ الفعل الماضي

- ‌أزمنته:

- ‌استعمالاته

- ‌الفعل المضارع

- ‌أزمنته:

- ‌استعمالاته:

- ‌حروف النصب

- ‌أن

- ‌زيادة (لا) بعدها:

- ‌إذن

- ‌كي

- ‌لام التعليل

- ‌التعليل بـ (كي) واللام:

- ‌لن

- ‌لن ولا:

- ‌حروف أخرى ينتصب بعدها الفعل

- ‌أو

- ‌ حتى

- ‌فاء السببية

- ‌واو المعية

الفصل: فقد قيدها بيوم واحد وهو ينافي التأبيد (1).، وقوله تعالى:

فقد قيدها بيوم واحد وهو ينافي التأبيد (1).، وقوله تعالى:{إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين} [آل عمران: 124]، فهي هنا موقوتة بالمعركة.

‌لن ولا:

ذهب أكثر النحاة إلى أن (لا) كـ (لن) من حيث تخليصها المضارع للاستقبال، إلا أن (لن) آكد منها:

وخلاصة ما يذكره النحاة فيهما:

1 -

أن (لا) تخلص الفعل المضارع للاستقبال، كـ (لن) عند الأكثرين وخالفهم ابن مالك لصحة قولنا (جاء زيد لا يتكلم) فإن جملة (لا يتكلم) حال مع الاتفاق على أن الجملة الحالية لا تصدر بدليل استقبال (2).

2 -

أن في (لن) توكيدًا لا تفيده (لا)، تقول " لا أبرح اليوم مكاني فإذا وكدت وشددت قلت: لن أبرح اليوم مكاني (3). وجاء في الكشاف في قوله تعالى: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} [البقرة: 24] " فإن قلت: ما حقيقة (لن) في باب النفي؟

قلت: (لا) و (لن) اختان في نفي المستقبل، إلا أن في لن توكيدا وتشديدا، تقول لصاحبك: لا أقيم غدا، فإن أنكر عليك قلت: لن أقيم غدا، كما تفعل في أنا مقيم وإني مقيم (4).

(1) انظر المغني 1/ 284

(2)

المغنى 1/ 244

(3)

المفصل 2/ 200

(4)

الكشاف 1/ 192، وانظر 1/ 574، في قوله تعالى (لن تراني).

ص: 360

وذهب ابن عصفور إلى أن هذا القول دعوى بلا دليل " بل قد يكون النفي بـ (لا) آكد من النفي بـ (لن) لأن المنفي بـ (لا) قد يكون جوابًا للقسم، نحو (والله لا يقوم زيد) والمنفي بـ (لن) لا يكون جوابا له، ونفي الفعل إذا أقسم عليه آكد منه إذا لم يقسم (1).

3 -

إن النفي بـ (لا) أطول من النفي بـ (لن) أي أن (لن) تنفي المستقبل القريب بخلاف (لا) فإنها تنفي المستقبل المتطاول.

جاء في (البرهان) أن بعضهم ذهب إلى أن النفي بـ (لا) أطول من النفي بـ (لن) لأن آخرها ألف وهو حرف يطول فيه النفس، فناسب طول المدة بخلاف (لن).

ولذلك قال تعالى: {لن تراني} [الأعراف: 143]، هو مخصوص بدار الدنيا، وقال {لا تدركه الأبصار} [الأنعام: 103] (2). وهو مستغرق لجميع أزمنة الدنيا والآخرة، وعلل بأن الألفاظ تشاكل المعاني ولذلك اختصت (لا) بزيادة مدة.

وهذا ألطف من رأي المعتزلة، ولهذا أشار ابن الزملكاني في (البيان) بقوله:(لا) تنفي ما بعد (ولن) تنفي ما قرب، وبحسب المذهبين أولوا الآيتين في قوله تعالى:{ولن يتمنوه أبدا} [البقرة: 95]، و {لاتمنونه أبدًا} [الجمعة: 7].

قلت: والحق أن (لا) و (لن) لمجرد النفي عن الأفعال المستقبلة، والتأبيد وعدمه يؤخذان من دليل خارج (3).

وجاء في (بدائع الفوائد) أن (لن) تنفي ما قرب ولا يمتد معنى النفي فيها، كامتداد معنى النفي في حرف (لا) إذا قلت: لا يقوم زيد أبدًا ..

وتأمل حرف (لا) كيف تجدها لاما بعدها ألف يمتد بها الصوت، مالم يقطعه ضيق النفس، فآذن امتداد لفظها بامتداد، معناا (ولن) بعكس ذلك، فتأمله فإنه معنى بديع،

(1) الأشباه والنظائر 3/ 9 - 10

(2)

والمقصود بالادراك الاحاطة

(3)

البرهان 2/ 420 - 421، وانظر الهمع 2/ 4

ص: 361

وانظر كيف جاء في أفصح الكلام كلام الله (ولا يتمنونه أبدًا) بحرف (لا) في الموضع الذي أقترن به حرف الشرط بالفعل، فصار من صيغ العموم، فانسحب على جميع الأزمنة وهو قوله عز وجل:{إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت} .. وقال في سورة البقرة (ولن يتمنوه) فقصر من سعة النفي، وقرب، لأن قبله (قل إن كانت لكم الدار الآخرة) لأن (أن) و (كان) هنا ليست من صيغ العموم (1).

قيل: وهذا ايضا باطل، بل أن كلا منهما يستعمل حيث يمتد النفي وحيث لا يمتد فمن الأول في لن:{إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا} [الجاثية: 19]: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} [البقرة: 24]. و (لا){إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى} [طه: 118].

ومن الثاني في (لن)[فلن أكلم اليوم إنسيا][مريم: 26]، وفي (لا) (ألا تكلم الناس ثلاثة أيام) [آل عمران: 42] (2).

على أنه قيل بالعكس، فقد ذهب جماعة إلى أن (لن) تفيد التأبيد، بخلاف (لا) كما أسلفنا.

4 -

وذهب بعضهم إلى أن العرب تنفي المظنون بـ (لن)، والمشكوك فيه بـ (لا)، أي أنه إذا كان الشيء ممكنا عند المخاطب مظنونا وقوعه، نفي بـ (لن) وإذا كان مشكوكا في وقوعه كان تقول: أيكون أم لا يكون؟ قلت في نفيه:

لا يكون (3).

هذا أبرز ما قيل في التفريق بينهما.

(1) بدائع الفوائد 1/ 95 - 96

(2)

الأشباه 2/ 9 - 10

(3)

انظر الاتقان 1/ 12 - بدائع الفوائد 1/ 97

ص: 362

ونقول:

أما أن (لا) تأتي للاستقبال فهذا ما لا شك فيه، قال تعالى:{واتقوا يوما لا تجري نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون} [البقرة: 48]، وهذا استقبال.

وقال: {فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون} [البقرة: 86]. وقال: {ولا تسئلون عما كانوا يعملون} [البقرة: 134].

وقال: {ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم} [البقرة: 174]. وقال: {يآيها الذين أمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله يقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} [المائدة: 54].

وهذا كله استقبال:

وأما تخليصها الفعل المضارع للاستقبال، وأنها لا تنفي الحال، فهذا موضع نظر نازع فيه بعضهم مستدلا بصحة قولنا (جاء زيد لا يتكلم) وبصحة قولنا (أتحبه أم لا تحبه) و (أتظن ذلك أم لا تظن) ولا ريب أن ذلك بمعنى الحال، وبقولهم: مالك لا تقبل، وأراك لا تبالي، وبنحو قول الله تعالى {ومالنا لا نؤمن بالله} [المائدة: 84]، و {مالكم لاترجون لله وقارا} [نوح: 13]، و {مالي لا أرى الهدهد} [النمل: 20]، و {مالي لا أعبد الذي فطرني} [يس: 22] (1). وهذا كله يفيد الحال.

والحق الذي لا مرية فيه أنها تأتي للحال، كما تأتي للاستقبال، وليست هي من مخلصات الفعل للمستقبل كما يذهب إليه الجمهور، يدل على ذلك الاستعمال الفصيح الكثير في القرآن الكريم وغيره.

قال تعالى: {صم بكم عمي فهم لا يعقلون} [البقرة: 171].

وقال: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185]

(1) بدائع الفوائد 4/ 191

ص: 363

وقال: {والله يعلم وأنتم لاتعلمون} [البقرة: 232]، وهذا للحال ولو أبدلت (لن) بها فقلت (والله يعلم وأنتم لن تعلموا) أنقلب المعنى إلى الاستقبال.

وقال: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجال أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا} [البقرة: 273].

وقال: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا} [النساء: 11]، وقال:{رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي} [المائدة: 25]

وهذا كله واضح في الحال، ولو قال مثلا (لن أملك إلا نفسي)، لتخلص الفعل للاستقبال.

وقال: {ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} [المائدة: 58]. وقال: {فإنهم لا يكذبوك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} [الأنعام: 33]. وقال: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا اقول لكم إني ملك} [الأنعام: 50]. وقال: {عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا} [الأعراف: 148]. وقال: {لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها} [الأعراف: 179]. وقال: {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} [الأعراف: 198]. وقال: {إني أرى ما لا ترون} [الأنفال: 48]. وقال: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا} [النحل: 78]، ولو قال (لن تعلموا شيئا) لأفاد ذلك المستقبل وهو لا يصح.

ص: 364

وقال: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [الإسراء: 44]. وقال: {ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم} [المطففين: 4 - 5]، أي ألا يظنون الآن؟

وغير ذلك وغيره مما لا يدع مجالا للشك في أنها تأتي للحال.

ويدل على ذلك أيضا قولنا (أنا لا افهم ما تقول) أي الآن، فإذا قلت:(لن افهم) كان كان نفي الفهم في المستقبل، وقولنا (مالك لا تتكلم) قال تعالى:{مالكم لا تنطقون} [الصافات: 92].

وتقول: (أنا لا احب هذا الطعام) و (أنا لا أشتهي الآن أن آكل) مخبرا عن نفسك في الحال، وتقول (أنا لا أظن أنه مسافر) خبرا عن ظنك في الحال وغير ذلك.

وعلى هذا لا يصح قول الجمهور أنها تخلص الفعل للاستقبال، بل هي تأتي للحال والاستقبال. والحق أنها تنفي الفعل المضارع مطلقا بكل أزمانه، الحال والاستقبال، المنقطع وغيره. فالحال نحو (مالي لا أرى الهدهد) [النمل: 20].

والاستقبال نحو: {ولا يكلمهم الله يوم القيامة} [البقرة: 174].

والمنقطع نحو: {آياتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا} [آل عمران 42].

والمستمر نحو {فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون} [البقرة: 81]. ونحو: {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} [الأعراف: 40].

وقوله: {ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم} [الجمعة: 7].

ص: 365

وتأتي مع الفعل الدال على الحقيقة نحو {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185]، ونحو:{والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 232]، و {لا تأخذه سنة ولا نوم} [البقرة: 255].

وما إلى ذلك.

فالخلاصة أن (لا) تنفي كل أزمنة المضارع فهي لا تختص بزمن دون زمن.

وأما من حيث دلالة (لن) على التوكيد، فالأمر كذلك، تقول (لا أكلمك) فإن شددت وبالغت قلت (لن أكلمك) قال تعالى:{إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} [مريم: 26]، وقال:{وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} [البقرة: 55]، وقال:{قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك} [هود: 81].

وهذا كله مقام توكيد.

أما ما ذهب إليه ابن عصفور من أن النفي بـ (لا) قد يكون آكد من النفي بـ (لا) لأن النفي بـ (لا) قد يكون جوابا للقسم بخلاف المنفي بـ (لن)، فالجواب عنه أن ذلك لا ينفي التوكيد عن لن، فإن عدم وقوع لن جوابا للقسم لا يعني أنها غير مؤكدة، إذ ليس شرطا أن تقع المؤكدات كلها في جواب القسم، فمن المعلوم مثلا أن (أن) المفتوحة الهمزة مؤكدة عند النحاة غير أنها لا تقع جوابا للقسم، فلا تقول (والله أن محمدًا حاضر) بفتح الهمزة وذلك لأن جواب القسم يكون جملة و (أن) المفتوحة الهمزة مؤكدة عند النحاة، غير أنها لا تقع جوابا للقسم، فلا تقول (والله أن محمدًا حاضر) بفتح الهمزة وذلك لأن جواب القسم يكون جملة و (أن) وما بعدها في تأويل مفرد، ولا ينفي ذلك كونها مؤكدة، وكذلك (لن) فإنها لا تقع جوابا للقسم، لسبب وهو أنها جواب لسوف و (سوف) لا تقع جوابا للقسم (1). وكذلك منفيها.

(1) أي وحدها من دون اللام وإلا فهي تقع معها نحو {ولسوف يعطيك ربك فترضى} .

ص: 366

والسبب الآخر في وقوع (لا) جوابًا للقسم دون (لن) إن (لن) مختصة بالاستقبال و (لا) نفيها عام مطلق لا يختص بزمن دون زمن فتقول مثلا: (هو والله لا يفقه) وتقول (والله لا أحبه) ولا تصلح (لن) هنا، لأن هذا الحال، و (لن) لا تكون للحال فكون (لا) مطلقة لجميع الأزمنة، هو الذي جعلها يتلقي بها القسم دون (لن).

ولا يعني هذا أن ننفي عن (لا) التوكيد إذا وقعت جوابا للقسم، فقد تكون مؤكدة إذا وقعت جوابًا للقسم. ولا تقل كيف يكون الحرف مؤكدا في موضع دون موضع؟ فإن هذا له نظائر في كلام العرب وفي كلام النحاة. فإن (لا) إذا وقعت جوابًا للقسم كان لها صدر الكلام وإذا لم تقع جوابا للقسم لم يكن لها الصدارة عنهم، فاختلف حكمها إذا وقعت جوابًا للقسم عنه إذا لم تقع جوابا للقسم.

و(إذا) تكون شرطية ظرفية معا، وقد تكون ظرفية غير شرطية، و (ما) تكون مصدرية ظرفية، وقد تكون مصدرية غير ظرفية. والباء قد تكون مؤكدة، وقد تكون غير مؤكدة فكذلك (لا).

وتعليل ذلك أن (لا) أقدم حرف نفي في العربية، وكل حروف النفي الأخرى أحدث (منها)(1). وعلى هذا فهي كانت مستعملة في جميع الحالات، فلا عجب أن تستعمل في التوكيد وفي غيره بحسب ما يقتضيه المقام.

وأما قولهم: إن النفي بـ (لا) أطول من النفي بـ (لن) فهذا يحتاج إلى إيضاح، فإنهم إذا كانوا يقصدون أن النفي بـ (لا) يكون دوما أطول من النفي بـ (لن) فهذا مردودة، قد يكون النفي بـ (لن) طويلا أيضا، كما في قوله تعالى:{لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له} [الحج: 73].

(1) انظر التطور النحوي 115

ص: 367

فالحق أن كلا منهما يستعمل حيث يمتد النفي، وحيث لا يمتد، كما قال ابن عصفور.

ولكن مما لا شك فيه أن النفي بـ (لا) أوسع من النفي بـ (لن)، كما أوضحنا، فإن (لن) مختصة بالاستقبال، أما (لا) فنفيها عام مطلق ينفي جميع الأزمنة، المستقبل وغيره، بل هي تنفي الفعل الماضي أيضا، نحو قوله تعالى:{فلا صدق ولا صلى} [القيامة: 31]، ونحو قولنا (لا ذهب ولا رجع) وتستعمل معه في الدعاء، نحو (لا أهلكه الله) و (لا فض الله فاك) وتستعمل مع الأسماء نحو (لا رجل) ولابد من ذلك، وفي نفي النعوت، نحو قوله تعالى:{وظل من يحموم لا بارد ولا كريم} [الواقعة: 43 - 44]، ونحو قوله:(بقرة لا ذلول)[البقرة: 71].

فهي كما ترى أوسع نفيا من (لن)، وسبب ذلك كما ذكرت يعود إلى أنها أقدم حرف نفي في العربية. جاء في (التطور النحوي): " ونرى (لا) مستعملة في كل الحالات إلا الماضي. وإذا راعينا أن (لم) ليست إلا (لا) بزيادة (ما) قلنا أن (لا) مستعملة في الجميع والسبب في ذلك أنها أقدم حروف النفي العربية، فكانت عامة ابتداء، والباقية كلها أحدث وأخص (1).

بل لم يرد من أدوات النفي في الكتابات اللحيانية سوى لفظ (لا)(2).

وأدوات النفي التي نعرفها من الكتابات العربية الجنوبية هي (ال) و (لم)، وتدخل (لم) على الفعل المضارع غير أن ذلك نادر، ومعنى (ال)(لا) ويرد بعد الفعل سواء أكان ماضيا أم مضارعا (3).

(1) التطور النحوي 115

(2)

تاريخ العرب قبل الإسلام 7/ 179

(3)

تاريخ العرب قبل الإسلام 7/ 137

ص: 368

فلا عجب أن تكون (لا) ممتدة النفي بهذا المعنى وبذلك تكون الملاحظة الطريفة في أن النفي بـ (لا) أطول من النفي بـ (لن) لأن آخرها ألف، وهو حرف يطول فيه النفس فناسب طول المدة بخلاف (لن) ملاحظة صحيحة.

وأما اختلاف النفي في الآيتين الكريمتين اللتين سبق ذكرهما في ورود إحداهما بـ (لن) والأخرى بـ (لا) فهذا له سبب اقتضاه المقام، والآيتان هما:

1 -

{قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يمنوه أبدًا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين} [البقرة: 94 - 95].

2 -

{قل يأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدًا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين} [الجمعة: 6 - 7].

فنفي الأول بـ (لن)(ولن يتمنوه) والثانية بـ (لا) و (ولا يتمنونه)، وسبب ذلك أن الكلام في الأولى على الآخرة {قل إن كانت لكم الدار الآخرة} [البقرة: 94]، وهي استقبال فنفي بـ (لن) وهو حرف خاصة بالاستقبال.

وإن الكلام في الثانية عام لا يختص بزمن دون زمن {إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس} [الجمعة: 6]، فهذا امر مطلق فنفي بـ (لا)، وهو الحرف الذي يفيد الإطلاق والعموم، والله أعلم.

أما ما ذهب إليه بعضهم من أن العرب تنفي المظنون بـ (لن) والمشكوك فيه بـ (لا) فهذا كلام لا يقوم عليه دليل، فقد قال تعالى:{إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له} [الحج: 73]، ولم يظن أحد أنهم يتمكنون من خلق ذبابة، وكذلك بالنسبة لـ (لا)، فقد قال تعالى:{ولا يحيطون بشيء من علمه} [البقرة: 255]، وقال:{ولا يؤده حفظهما} [البقرة: 255]، وهذا ليس مشكوكا فيه، وقال {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 232]، وقال:{إن الله لا يخلف الميعاد} [آل عمران: 9]، وقال:{إن الله لا يحب المعتدين} [البقرة: 190]، وليس في هذا شك.

فهذه - كما قلت - دعوى لا يقوم عليها دليل.

ص: 369