الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما دخول ما بعدها في حكم ما قبلها فالأكثر فيه الدخول إلا إذا كانت هناك قرينة تدل على خلاف ذلك (1). فقولك (أكلت السمكة حتى رأسها) الرأس مأكول، وقولك (أنه ليصوم الأيام حتى يوم الفطر) يوم الفطر غير داخل في الصوم.
رب
ذهب سيبويه إلى أن (رب) بمعنى (كم) الخبرية، أي أنها تفيد التكثير، جاء في الكتاب، واعلم أن كم في الخبر بمنزلة اسم يتصرف في الكلام غير منون .. والمعنى معنى (رب) وذلك قولك (كم غلام لك قد ذهب) .. واعلم أن (كم) في الخبر لا تعمل إلا فيما تعمل فيه (رب) لأن المعنى واحد، إلا أن (كم) اسم و (رب) غير اسم بمنزلة من (2).
وذهب أكثر النحاة إلى أنها حرف يفيد التقليل، جاء في (المقتضب):" ورب معناها الشيء يقع قليلا"(3).
وذهب آخرون إلى أنها تفيد التكثير كثيرا، والتقليل قليلا، جاء في المغنى: وليس معناها التقليل دائما خلافا للأكثرين، ولا التكثير دائما خلافا لابن درستويه وجماعة بل تردد للتكثير كثيرا، وللتقليل قليلا.
فمن الأول {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} [الحجر: 2]، وفي الحديث (يارب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة) ..
ومن الثاني قول أبي طالب في النبي صلى الله عليه وسلم:
(1) المغني 1/ 124، الهمع 2/ 22
(2)
كتاب سيبويه 1/ 293 - 291
(3)
المقتضب 4/ 139، وانظر الأصول 1/ 507، شرح ابن يعيش 8/ 26، المغنى 1/ 134
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
…
ثمال اليتامي عصمة للأرامل (1).
وجاء في (شرح الرضي على الكافية): ووضع (رب) للتقليل، تقول في جواب من قال (ما لقيت رجلا):(رب رجل لقيت) أي لا تنكر لقائي للرجال بالمرة فإني لقيت منهم شيئا وإن كان قليلا ..
هذا الذي ذكرنا من التقليل أصلها، ثم تستعمل في معنى التكثير، حتى صارت في معنى التكثير كالحقيقة، وفي التقليل كالمجاز المحتاج إلى القرينة، وذلك نحو قوله:
رب هيضل جب لففت بهيضل
وقوله:
ماوي ياربتما غارة
…
شعواء كاللذعة بالميسم (2).
ويبدو لي أنها لفظة وضعت اول ما وضعت للدلالة على الجماعة، قليلة كانت أو كثيرة، ثم كثر استعمالها في التقليل، بل في أقل القليل أيضا، وهو الواحد وقد تستعمل للتكثير ايضا، والذي يدل على ذلك لفظها، فهي كما يبدو لي مأخوذة من الربة والربة الفرقة من الناس، قيل هي عشرة آلاف ونحوها، والجمع ربب .. الربة وهي الجماعة (3).
ويتضح معناها من القرائن، فمن استعمالها في التكثير قوله صلى الله عليه وسلم:(يارب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة) وذلك لأن أهل الضلال أكثر من أهل الحق قال تعالى: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف: 103]، وقال:{وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} [الأنعام: 116]، ومن استعمالها في الواحد قول الشاعر
ألا رب مولود وليس له أب
…
وذي ولد لم يلده أبوان
(1) المغني 1/ 134 - 135
(2)
شرح الرضي 2/ 365
(3)
لسان العرب 1/ 391 - 392
والأول هو عيسى، والثاني هو آدم عليهما السلام.
ونظيرها في دلالة اللفظ الواحد على معنيين متقابلين (قد) الداخلة على المضارع فأصلها للدلالة على التقليل، كقولك (قد يشفي المريض) و (قد يصدق الكذوب) وقد تدل على التحقيق، كقوله تعالى:{قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا} [الأحزاب: 18]، وقوله {قد نرى تقلب وجهك في السماء} [البقرة: 144]، ويميز بينهما القرائن.
قالوا وهي جواب لكلام ظاهر أو مقدر، فأنت لا تقول ابتداء (رب رجل أكرمت) وإنما هو رد على كلام قيل لك (ما أكرمت رجلا) أو قدرت ذلك، أي كأنه قيل لك ذلك، قال ابن السراج، والنحويون كالمجتمعين على أن (رب) جواب، إنما تقول (رب رجل عالم) لمن قال [ما](1). رأيت رجلا عالما، أو قدرت ذلك فيه، فتقول (رب رجل عالم) تريد: رب رجل عالم قد رأيت .. وكذلك إذا قال (رب رجل جاءني فأكرمته وأكرمته) فههنا فعل أيضا محذوف، فكأنه قال له قائل، ما جاءك رجل فأكرمته وأكرمته، أي قد كنت فعلت ذاك .. فإذا قال: ما أحسنت إلي، قلت: رب إحسان قد تقدم إليك منى (2).
وليست كذلك دومًا فيما أرى، بل قد ترد لمجرد ذكر الأمر من غير رد أو تقدير رد، وذلك كقوله (رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) ورب مبلغ أوعى من سامع، ورب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة، ورب هيجا هي خير من دعه.
ويارب أم وطفل حين بينهما
…
كما تفرق أرواح وأبدان
(1) سقطت (ما) من الكتاب المحقق ويدل عليها ما بعدها وكلام النحاة الآخرين: انظر شرح ابن يعيش 8/ 27، شرح الرضي على الكافية 2/ 365
(2)
الأصول 1/ 508، وانظر شرح ابن يعيش 8/ 27، شرح الرضي 2/ 365