الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد يؤتى بالواو للدلالة على الاستمرار والتكثير، وذلك في الأفعال خاصة وذلك نحو: هو يركض ويركض، أي مستمر على ذلك، وأخذ يدور ويدور، أي يكثر من ذلك، وهو مستمر عليه.
أحكام الواو:
ذكر النحاة أن الواو تنفرد بأحكام أشهرها:
1 -
إقترانها بإما نحو (خذ إما درهما، وإما دينارا)
2 -
إقترانها بـ (لكن)، نحو (ما جاء محمد ولكن خالد).
3 -
اقترانها بـ (لا) إن سبقت بنفي، نحو (ما جاءني محمد ولا سعيد)" ليفيد أن الفعل منفي عنهما في حالة الإجتماع والافتراق .. إذ لو لم تدخل (لا) لاحتمل أن المراد نفي المجيء عند الاجتماع، دون الافتراق"(1).
فأنت إذا قلت (ما جاءني محمد وسعيد) احتمل أن المراد لم يحضرا معا، وقد يكون كل منهما حضر على حدة، فجئت بـ (لا) لنفي مجيئتهما على كل حال.
4 -
عطف العقد على النيف، إذا وقعا دفعة واحد كأحد وعشرين (2). فإن تأخر وقوع العقد، جاز أن تقول (قبضت ثلاثة فعشرين، أو ثم عشرين)(3).
5 -
عطف ما لا يستغني عنه، قال ابن عقيل: " اختصت الواو من بين حروف العطف بأنها يعطف بها حيث لا يكفي بالمعطوف عليه، نحو (اختصم زيد وعمرو) ولو قلت (اختصم زيد) لم يجز، ومثله (اصطفى هذا وابني) و (تشارك زيد وعمرو)، ولا يجوز أن يعطف في هذه المواضع بالفاء، ولا بغيرها من حروف العطف (4).
(1) الهمع 2/ 129
(2)
المغنى 2/ 355 - 357
(3)
الصبان 3/ 92
(4)
شرح ابن عقيل 2/ 61
وأما قولك (اختصم الزيدون فالخالدون، أو ثم الخالدون) فيدل على الزيدين اختصموا أولا، فيما بينهم، ثم تبعهم الخالدون فاختصموا بينهم أيضا (1).
فإن أردت اختصام الزيدين والخالدين معا، لم يجز إلا أن تقول: اختصم الزيدون، والخالدون.
ومن هذا قوله تعالى: {وما يستوي الأعمي والبصير} [غافر: 58]، لأن الفعل (استوي) يقضي أمرين، وأما قوله تعالى:{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} [فصلت: 34]، فقالوا فيه: إن (لا) الثانية زائدة لأمن اللبس، وكذا قوله تعالى:{وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور} [فاطر: 19، 20](2). وذهب آخرون إلى أن المعنى، أن الحسنات لا تستوي فيما بينها، وكذلك السيئات فحسنة أعظم من حسنة، وسيئة أكبر من سيئة، فجيء بـ (لا) لهذا المعنى.
جاء في (البرهان): " وأما قوله: {ولا تستوى الحسنة ولا السيئة} فمن قال: المراد أن الحسن لا تساوي السيئة، فـ (لا) عنده زائده، ومن قال أن جنس الحسنة لايستوي أفراده وجنس السيئة لا يستوي افراده - وهو الظاهر من سياق الآية - فليست زائدة الواو عاطفة جملة على جملة (3).
وقد ورد هذا الفعل في نحو هذا التعبير في خمسة مواطن من القرآن الكريم، هي قوله تعالى:{وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور، وما يستوي الأحياء ولا الأموات} [فاطر: 18 - 22].
وقوله: {وما يستوي الأعمى والبصير والذين أمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء} [غافر: 58].
وقوله: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن} [فصلت: 34].
(1) انظر التصريح 3/ 136، حاشية يس على التصريح 2/ 136
(2)
الهمع 2/ 129
(3)
البرهان 4/ 357
وكل هذه المواطن تحتمل أن يكون قصد الاستواء في الجنس نفسه، فيمكن أن يقال أن الظلمات لا تستوي فيما بينها، والنور لا يستوي فقد تكون الظلمات بعضها أشد من بعض وكذلك النور، وكذلك قوله:(ولا الظل ولا الحرور) فإن الظل لا يستوي في جنسه والحرور أيضا، ونحو قوله:{وما يستوي الأحياء ولا الأموات} فإن الأموات لا يستوون وكذلك الأحياء، وكذلك ما بعده، فالمؤمنون لا يستوون والمسيئون لا يستوون، والحسنة لا تستوي والسيئة لا تستوي، كل هذا ممكن لغة.
ويحتمل أيضا زيادة (لا) والمقصود نفي الاستواء بين المتعاطفين.
وعلى هذا فإنه يمكن أن يقال: إذا ورد بـ (لا) احتمل أن يكون معناه نفي استواء الجنس فيما بينه، كما يحتمل نفي الاستواء بين المتعاطفين، اللهم إلا فيما لا يمكن أن يكون جنسا، كما إذا ورد نحو قولنا (ما يستوي محمد ولا خالد) فإنه في نحو هذا تتعين زيادة (لا) لأمن اللبس، و (لا) تزاد كثيرا للتوكيد عند أمن اللبس، وذلك نحو قوله تعالى:{قال ما منعك ألا تسجد} [الأعراف: 12]، أي ما منعك أن تسجد؟
فإن لم يرد التعبير بـ (لا) تعين أن المقصود نفي الاستواء بين المتعاطفين.
6 -
عطف الشيء على نفسه، أو على مرادفه بشرط زيادة فائدة في المعطوف ليست في المعطوف عليه، فإن لم تكن فائدة لم يصح العطف، وذلك نحو قوله تعالى، {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل واسحاق إلها واحدا} [البقرة: 133]، فإله آبائه هو الهه ولذا قال (الها واحدا) وصح العطف، لأن في الثاني زيادة فائدة ليست في الأول.
ومنه: {فلله الحمد رب العالمين ورب الأرض رب العالمين} [الجاثية: 36]، وقوله:{تلك آيات الكتاب وقرءان مبين} [الحجر: 1]، ونحوه أن تقول (هذا صديقك وصديق خالد).
جاء في الأصول: " تقول مررت بزيد أنيسك وصاحبك، فإن قلت: مررت بزيد أخيك فصاحبك والصاحب زيد لم يجز"(1).
(1) الأصول في النحو 2/ 77
فهذا كله من باب عطف الشيء على نفسه لزيادة فائدة.
ومن عطف الشيء على مرادفه قولك: (هذا كذب وافتراء) والافتراء كذب، ومنه قول الشاعر:
والفى قولها كذبا ومينا.
والمين كذب، وجعلوا منه قوله تعالى:{إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله} [يوسف: 86]، وقوله:{فلا يخاف ظلما ولا هضما} [طه: 112]، وقوله:{لا تخف دركا ولا تخشى} [طه: 77]، وقوله:{لا ترى فيها عوجا ولا أمتا} [طه: 107]، وقوله:{لا تبقى ولا تذر} [المدثر: 28](1).
وكل ذلك لزيادة فائدة في الثاني ليست في الأولى، فإن لم تكن فائدة في المعطوف فلا يصح العطف، فلا تقول (هذا بر وحنطة) و (هذه مدية وسكين).
جاء في (بدائع الفوائد): " القاعدة أن الشيء لا يعطف على نفسه .. فإذا وجدت مثل قولهم (كذبا ومينا) فهو لمعنى زائد في اللفظ الثاني وإن خفي عنك، ولهذا يبعد جدا أن يجيء في كلامهم (جاء عمر وأبو حفص) .. فإن الواو إنما تجمع بين الشيئين لا بين الشيء الواحد، فإذا كان في الاسم الثاني فائدة زائدة على معنى الاسم كنت مخيرا في العطف وتركه (2).
وقيل: إن عطف أحد المترادفين على الآخر يقصد منه التأكيد (3).، والتأكيد غير عزيز في كلامهم.
7 -
عطف العام على الخاص، وذلك نحو قوله تعالى:{ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرءان العظيم} [الحجر: 87]، وقوله: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى
(1) الاتقان 2/ 71، وانظر المغنى 2/ 357
(2)
بدائع الفوائد 1/ 189
(3)
الاتقان 2/ 71