المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌حروف الجر

- ‌نيابة حروف الجر بعضها عن بعض

- ‌التضمين

- ‌معاني حروف الجر

- ‌إلى

- ‌الباء

- ‌التاء

- ‌حتى

- ‌رب

- ‌ربّه:

- ‌حذفها:

- ‌عن

- ‌ في

- ‌الكاف

- ‌اللام

- ‌ على

- ‌ من

- ‌منذ ومذ

- ‌الواو

- ‌المعاني المشتركة

- ‌التعليل:

- ‌الظرفية:

- ‌زيادة (ما)

- ‌ما الكافة

- ‌ما غير الكافة:

- ‌التقديم والتأخير

- ‌تعلق الجار والمجرور

- ‌الإضافة

- ‌معنى الإضافة:

- ‌نوعا الإضافة:

- ‌المحضة:

- ‌الأسماء الموغلة في الإبهام:

- ‌الإضافة غير المحضة:

- ‌إضافة المترادفين والصفة والموصوف

- ‌إكتساب المضاف التذكير والتأنيث من المضاف إليه:

- ‌الظروف المعرفة بالقصد:

- ‌حذف المضاف:

- ‌حذف المضاف إليه:

- ‌المصدر

- ‌المصدر الصريح والمؤول:

- ‌الحروف المصدرية

- ‌(أن

- ‌ما

- ‌لو

- ‌كي

- ‌اسم المصدر

- ‌الأتباع على محل المضاف إليه

- ‌اسم الفاعل

- ‌إضافة اسم الفاعل:

- ‌العطف على المضاف إليه:

- ‌صيغ المبالغة

- ‌اسم المفعول

- ‌الصفة المشبهة

- ‌النعت

- ‌النعت الجامد

- ‌النعت بالمصدر

- ‌الوصف بالجملة

- ‌النعت المقطوع

- ‌تعاطف النعوت

- ‌حذف النعت

- ‌البدل

- ‌أقسام البدل

- ‌البدل وعطف البيان

- ‌العطف

- ‌حروف العطف

- ‌الواو:

- ‌أحكام الواو:

- ‌الفاء

- ‌الفاء مع الصفات:

- ‌ثم:

- ‌حتى:

- ‌أم

- ‌أو

- ‌أم وأو:

- ‌لكن

- ‌بل

- ‌لا بل:

- ‌أحرف الأضراب

- ‌ لا

- ‌العطف على اللفظ والمعنى:

- ‌المتعاطفان:

- ‌حذف أحد المتعاطفين:

- ‌حذف حرف العطف:

- ‌العدد

- ‌أحد وواحد:

- ‌اسم الفاعل من العدد:

- ‌تمييز العدد:

- ‌الممنوع من الصرف

- ‌سبب المنع من الصرف:

- ‌رأي الأستاذ إبراهيم مصطفى:

- ‌العلم:

- ‌ الصفات

- ‌التأنيث:

- ‌منتهى الجموع:

- ‌الغرض من التنوين:

- ‌الفعل

- ‌ الفعل الماضي

- ‌أزمنته:

- ‌استعمالاته

- ‌الفعل المضارع

- ‌أزمنته:

- ‌استعمالاته:

- ‌حروف النصب

- ‌أن

- ‌زيادة (لا) بعدها:

- ‌إذن

- ‌كي

- ‌لام التعليل

- ‌التعليل بـ (كي) واللام:

- ‌لن

- ‌لن ولا:

- ‌حروف أخرى ينتصب بعدها الفعل

- ‌أو

- ‌ حتى

- ‌فاء السببية

- ‌واو المعية

الفصل: ‌سبب المنع من الصرف:

‌الممنوع من الصرف

في العربية أسماء تمنع من التنوين، تسمى الأسماء الممنوعة من الصرف، والمقصود بالصرف التنوين، نحو أحمد وفاطمة، وقد وضع النحاة لهذه الأسماء ضوابط تبين متى يمنع الإسم من الصرف.

‌سبب المنع من الصرف:

ذهب النحاة إلى أن سبب المنع من الصرف هو مشابهة الإسم للفعل، وليس المقصود بالمشابهة بينهما اتفاق الإسم والفعل في المادة اللغوية، نحو قدوم وقادم، وإنما تكون المشابهة، في أوجه مخصوصة، تتبعها النحاة، متى وجد قسم منها في الاسم حرف التنوين، فـ (بغداد) و (إبراهيم) يشبهان الفعل من تلك الأوجه، بخلاف (منطلق) و (انطلاق) مثلا.

ومدار الأمر يقوم عندهم على الخفة والثقل، وذلك أن الفعل عندهم أثقل من الاسم، فما شابه الفعل في الثقل حرم التنوين، وما لم يشابهه كان خفيفا متصرفا.

ويستدلون على أن الفعل أثقل من الإسم، بكون الإسم أكثر دورانا في الكلام من الفعل، بدليل أن الإسم قد يستغني عن الفعل في الكلام، فنقول (الله ربنا) و (خالد غلامنا) ولا يستغني الفعل عن الإسم، وإذا كثر اللفظ في الكلام، كان ذلك دالا على أي خفته لأن الناس يستحبون الخفيف.

ومن الدلالة على ثقل الفعل أيضا، أنه يدخله الحذف والسكون، فقد يحذف أوله، وأوسطه وآخره، نحو يعد، وقم، واشترِ، وتقول لم يذهب واكتب وذلك أن الثقيل قد يتخفف منه بالحذف.

ومن الدلالة على ثقل الفعل وخفة الإسم أيضا أن بناء الإسم أكثر من بناء الفعل، فالإسم المجرد، ثلاثي ورباعي وخماسي، نحو قمر، ودرهم وسفرجل، والفعل المجرد ثلاثي ورباعي نحو ذهب ودحرج.

ص: 281

والاسم المزيد، رباعي، وخماسي وسداسي، وسباعي، نحو إستقبال، والفعل المزيد لا يتعدى السداسي نحو أستقبل.

وأوزان الأسماء أكثر من أوزان الأفعال، فقد ذكروا أن أبنية الأسماء تبلغ ألف مثال ومائتي مثال، وعشرة أمثلة (1).، أما الفعل الثلاثي، فله ثلاثة أوزان فعل، فعِل، وفِعل، وفعُل، والرباعي المجرد له وزن واحد، هو فعلل والثلاثي المزيد أوزانه إثنا عشر، والرباعي المزيد له ثلاثة أوزان، والمبني للمجهول معلوم، والمللحقات قليلة، فدل ذلك على أن الإسم أخف من الفعل، ولما كان الاسم أخف من الفعل، احتمل زيادة التنوين عليه، لأن الخفيف يحتمل الزيادة بخلاف الثقيل.

جاء في (الكتاب): " واعلم أن بعض الكلام أثقل من بعض، فالأفعال أثقل من الأسماء لأن الأسماء هي الأول، وهي أشد تمكنا، فمن ثم لم يلحقها تنوين، ولحقها الجزم والسكون، وإنما هي من الأسماء، ألا ترى أن الفعل لابد له من الإسم، وإلا لم يكن كلاما، والإسم قد يستغني عن الفعل، تقول: الله إلهنا، وعبد الله أخونا (2).

وقد تقول كيف يكون الفعل أثقل من الاسم، مع أن وزنهما قد يكون واحدا، بل أن لفظهما قد يكون واحدا؟

فإن (ضَرَب) مثلا قد يكون فعلاً. وقد يكون اسمًا بمعنى (العسل) و (حجر) قد يكون فعلا بمعنى (حسن) وقد يكون اسما، وهو معروف، فكيف يكون (ضرب) الفعل أثقل من (ضرب) الإسم ولفظهما واحد، وكذلك (حجر)؟

والجواب: أن ما يقتضيه الفعل في الكلام من متعلقات هو الذي يفضي إلى الثقل، فإنه يصح أن تقول (هذا ضرب) أي (هذا عسل) ويتم الكلام ولا يقتضي (ضرب) ههنا شيئا، ولكن إذا قلت (هذا ضرب) فإن (ضرب) ههنا يقتضي فاعلا قد يكون مستترا.

(1) المزهر 2/ 4

(2)

كتاب سيبويه 1/ 6

ص: 282

وقد يكون ظاهرًا، نحو (هذا ضرب أخوه)، وقد يقتضي مفعولا علاوة على ذلك، نحو (هذا ضرب أخوه عامرا) ولابد من هذا الإقتضاء، هذا علاوة على ما يتضمنه أو يقتضيه من الظروف وغيرها، نحو (هذا ضرب أخوه أمس) في حين لا يقتضي الإسم شيئا من ذلك، فإن الكلام قد يتم بالإسم، ولكن الفعل يقتضي في الأقل لفظا آخر وهو الفاعل، فدل ذلك على أن الفعل أثقل من الإسم في اللفظ، لأنه يقتضي لفظًا آخر علاوة على لفظه.

جاء في (شرح ابن يعيش): " ولابد من بيان ثقل الأفعال، فإن مدار هذا الباب على شبه مالا ينصرف الفعل في الثقل، حتى جرى مجراه فيه، ولذلك حذف التنوين مما لا ينصرف لثقله حملا على الفعل، وإنما قلنا أن الأفعال أثقل من الأسماء لوجهين:

أحدهما: أن الإسم أكثر من الفعل من حيث أن كل فعل لابد له من فاعل اسم، يكون معه، وقد يستغني الإسم عن الفعل، وإذا ثبت أنه أكثر في الكلام كان أكثر استعمالا، وإذا كثر استعماله خف على الألسنة لكثرة تداوله، ألا ترى أن العجمي إذا تعاطي كلام العرب ثقل على لسانه، لقلة استعماله له وكذلك العربي إذا تعاطى كلام العجم، كان ثقيلا عليه لقلة استعماله له.

الوجه الثاني: أن الفعل يقتضي فاعلا ومفعولا، فصار كالمركب منهما إذ لا يستغني عنهما، والإسم لا يقتضي شيئا من ذلك (1).

وقد تقول: ألأن الاسم أكثر في الكلام، دل ذلك على خفته، أم لأن الإسم خفيف كثر في الكلام؟

وبتعبير آخر: هل الخفة سبب الكثرة، أم الكثرة سبب الخفة؟

والجوا [: كلاهما، فإن اللفظ إذا كثر في الكلام استخفه الناس ولم يشعروا بثقله، ألا ترى أن هناك جملا وعبارات تصنع لتمرين اللسان، يستثقلها الناطق باديء ذي بدء، حتى إذا أكثر من النطق بها خفت على لسانه، فلا يشعر بما فيها من ثقلها، كما أن الشيء الخفيف يستحبه الناس فيدور على ألسنتهم.

(1) شرح ابن يعيش 1/ 57

ص: 283

وعلى أي حال فالنحاة يرون أن الإسم أخف من الفعل، ولذا احتمل التنوين الذي يسمى تنوين التمكين، فهذا التنوين دليل على خفة الإسم كما يقول النحاة، قال سيبويه:" فالتنوين علامة للأمكن عندهم، والأخف عليهم وتركه علامة لما يستثقلون"(1).

وجاء في (شرح ابن يعيش): " إن الأفعال إنما يمتنع منها تنوين التمكين، وهو الدال على الخفة (2). وجاء في (فلما كانت النكرة أخف عليهم الحقوها التنوين، دليلا على الخفة ولذلك لم يلحق الأفعال لثقلها (3).

وذكر ابن الناظم المنصرف فقال، أنه " يدخله التنوين للدلالة على خفته، وزيادة تمكنه (4) .. فما كان مشابها للفعل في ثقله، حرم التنوين لأن الفعل لا ينون، وحر الجر بالكسرة لأن الفعل لا يجر أصلأ، وقيل بل حرم الجر بالكسرة، " لئلا يتوهم أنه مضاف إلى ياء المتكلم، وأنها حذفت واجتزيء بالكسرة، وقيل: لئلا يتوهم أنه مبنى، لأن الكسرة لا تكون إعرابا إلا مع التنوين، أو الألف واللام، أو الإضافة، فلما منع الكسر حمل جره على نصبه فجر بالفتحة. (5).

ولذا قسم النحاة الأسماء المعربة إلى قسمين:

قسم ثقيل، وهو غير المنصرف، والآخر منصرف، وهو الذي يحتمل زيادة التنوين (6).

(1) كتاب سيبويه 1/ 7

(2)

شرح ابن يعيش 1/ 64

(3)

شرح ابن يعيش 1/ 57

(4)

شرح ابن الناظم 257

(5)

الهمع 1/ 24

(6)

انظر الأشموني 3/ 229، ابن الناظم 258، حاشية يس على التصريح 2/ 209 - 210

ص: 284

وتعليلات النحاة تذكر أن سبب المنع من الصرف، هو وجود علتين فرعيتين في الإسم يشبه الاسم بهما الفعل، أو علة تقوم مقامهما، وذلك أن الفعل - كما يرون - فرع على الإسم من ناحيتين:

الأولى أن الفعل مشتق من المصدر الذي هو اسم فالاسم، أصل للفعل فهو إذن اول، أي أقدم من الفعل.

والثانية: أن الفعل يحتاج إلى الاسم في الكلام.

فما شابه من الأسماء الأفعال في علتين فرعيتين، أو واحدة تقوم مقام علتين، منع من الصرف، وقد ذكر سيبويه هاتين الفرعيتين فقال: " فالأفعال أثقل من الأسماء لأن الأسماء هي الأول .. وإنما هي من الأسماء ألا ترى أن الفعل لا بد له من الإسم، وإلا لم يكن كلاما، والإسم قد يستغني عن الفعل (1).

ومعنى قوله أن الأسماء هي الأول، أنها مقدمة في الرتبة على الأفعال، لأنها أصل الأفعال (2).

وجاء في (التصريح): " ثم المعرب أن أشبه الفعل في فرعيتين من تسع، أحداهما من جهة اللفظ، والثانية من جهة المعنى، أو في واحدة تقوم مقامهما، وذلك لأن في الفعل فرعية عن الإسم في اللفظ، وهي اشتقاقه من المصدر، وفرعية في المعنى، وهي إحتياجه إلى الإسم في الإسناد، منع الصرف (3).

وعلل الممنوع من الصرف فرعية، كما يقول النحاة فالتعريف فرع على التنكير لأن التنكير أصل، والجمع فرع على الواحد، لأن الواحد أصل، والتأنيث فرع على التذكير وهكذا.

(1) كتاب سيبويه 1/ 6

(2)

شرح السيرافي بهامش الكتاب 1/ 6

(3)

التصريح 2/ 209، وانظر شرح الرضي على الكافية 1/ 38

ص: 285

جاء في (الكتاب): " واعلم أن النكرة أخف عليهم من المعرفة، وهي أشد تمكنا لأن النكرة أول، ثم يدخل عليها ما تعرف به، فمن ثم أكثر الكلام ينصرف في النكرة.

واعلم أن الواحد أشد تمكنا من الجمع، لأن الواحد الأول، ومن ثم لم يصرفوا ما جاء من الجمع على مثال، ليس يكون الواحد نحو مساجد ومفاتيح.

وأعلم أن المذكر أخف عليهم من المؤنث، لأن المذكر أول، وهو أشد تمكنا، وإنما يخرج التأنيث من التذكير، ألا ترى أن (الشيء) يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يعلم، أذكر هو أو أنثى، والشيء مذكر (1).

وجاء في (شرح الرضي على الكافية): وأما فرعية هذه العلل فإن العدل فرع إبقاء الإسم على حاله، والوصف فرع الموصوف، والتأنيث فرع التذكير، والتعريف فرع التنكير إذ كل ما نعرفه كان مجهولا في الأصل عندنا، والعجمة في كلام العرب فرع العربية، إذ الأصل في كل كلام أن لا يخالطه لسان آخر، فيكون العربية إذن في كل العجم فرعا، والجمع فرع الواحد، والتركيب فرع الإفراد، والإلف والنون فرع الفي التأنيث. . ووزن الفعل في الإسم فرع ووزن الاسم إذا كان خاصا بالفعل، أو أوله زيادة كزيادة الفعل، لأن أصل كل نوع لا يكون فيه الوزن المختص بنوع غيره (2).

كما أن تعليلات النحاة تشير إلى أن ما يكثر في الكلام يكون منصرفا، وما لا يكثر يكون غير منصرف، لأنه أشبه الفعل في هذه الناحية، والأسماء غير المنصرفة بالقياس إلى المنصرفة قليلة.

فمدار كل ذلك على الخفة والثقل الذي مداره على الكثرة والقلة، فالمعارف أقل من النكرات، لأن النكرات أصل ثم يدخلها التعريف بأل وغيرها، ثم إن الممنوع من الصرف يتعلق بالعلم، ولا مدخل له مع غيره من المعارف، فإن الضمائر وأسماء

(1) كتاب سيبويه 1/ 6 - 7

(2)

شرح الرضي 1/ 39 - 40

ص: 286

الإشارة، والأسماء والموصولة، والمعرف بالنداء، وهو النكرة المقصودة مبنية، ومنع الصرف متعلق بالمعربات، وأن المعرف بأل، والمضاف يجران بالكسرة، ولا ينونان أصلا، فلا مدخل لها بالمنع من الصرف، فهو إذن متعلق بالعلم وحده من المعارف، ولا شك أن أسماء الأجناس أكثر بكثير من العلم، يطلق على واحد من أفراد الجنس، فكلمة (نهر) أكثر من (دجلة) أو (النيل) لأن كلمة (دجلة) خاصة بواحد من الأنهار، وكلمة (رجل) أكثر بكثير من كلمة (محمد) أو (إبراهيم)، فإنه يصح أن تطلق كلمة (رجل) على كل واحد من أفراد الجنس، بخلاف كلمة (محمد) فإنها تطلق على واحد من أفراد الجنس، فكل واحد اسمه (محمد) أو غير محمد يصح أن نطلق عليه كلمة (رجل) ولا يصح أن نطلق (محمدا) على كل رجل. وكذلك بقية الأعلام، فثبت بذلك قلة الإعلام بالنسبة إلى النكرات، وعلى هذا تكون المعرفة اثقل من النكرة.

والصفات اقل من الجوامد، ذلك أن الصفات تصاغ من الأفعال، أو قل هي مرتبطة بها فإذا أثبتت قلة الأفعال، ثبت بذلك قلة الصفات، فنحو رجل وشجرة أكثر من نحو قائم وكريم، فالصفة أثقل من الأسماء الجامدة، هذا علاوة على أن كل صفة إنما تجري على موصوف، فدل ذلك على قلة الصفات، فإن كان مع هذا الثقل ثقل آخر إزداد ثقلا

فالعلم إذا كان معه ما يقلله في الكلام، كالتركيب المزجي، والعدل، ووزن الفعل والعجمة وغيرها، إزداد ثقلا فحرم التنوين، ذلك أن المركب أقل من المفرد، فنحو حضر موت وبعلبك، أقل من نحو خالد، وسالم.

والمعدول أقل من غير المعدول، فنحو عمر وزفر قليل في الكلام، وقد جمع النحاة الإعلام المعدولة على وزن (فعل)، فما وجدوها تزيد على أربعة عشر علما، أو خمسة عشر (1).

(1) الهمع 1/ 27، وهي: عمر وزفر ومضر وثعل وهبل، وزحل، وعصم، وقزح، وجشم، وقثم، وجمح، وجحا، ودلف، وبلغ، وفي التصريح 1/ 244، وفي حاشية الصبان 3/ 264: هذل أيضا

ص: 287

والأعجمي أقل من العربي، وما كان على وزن خاص بالفعل أقل من غيره، والمؤنث أثقل من المذكر لأن التذكير هو الأصل، فالمؤنث يؤخذ من المذكر، تقول قائم وقائمة. ثم ألا ترى أن المذكر ليس له علامة تذكير، لأنه أصل بخلاف المؤنث؟ جاء في (الكتاب):" واعلم أن المؤنث أخف عليهم من المؤنث، لأن المذكر أول، وهو أشد تمكنا وإنما يخرج التأنيث من التذكير (1).، وأيضا لأن المذكر أكثر دورانا على الألسنة من المؤنث، فإن العرب تنسب إلى الإباء فتقول فلان بن فلان، وفلانة بنت فلان، ولا تقول فلان بن فلانة، ولا فلانة بنت فلانة، فدل ذلك على كثرة تردد المذكر دون المؤنث، جاء في كتاب (المذكر والمؤنث) لأبي بكر بن الأنباري: " فإن قال: لم صار التأنيث يثقل الإسم؟ ولم صارت الأسماء المؤنثة أثقل من المذكرة

قيل له: العلة في هذا أن العرب تكثر استعمال الرجال وترددها في الكتب والأنساب فيقولون: فلان بن فلان ولا يقولون: فلان بن فلانة بنت فلان، لصيانتهم أسماء النساء وقلة إستعمالهم لها، فلما كان ذلك كذلك، كان الذي يكثرون استعماله أخف على ألسنتهم من الذي يقلون استعماله هذا مذهب الفراء (2).

وهكذا بقية شروط العلم التي تمنع من الصرف.

وإذا اقترن بالصفة ما يقللها في الكلام، كانت ثقيلة فحرمت التنوين، وذلك نحو أفعل الذي مؤنثه فعلاء، وفعلان الذي مؤنثه فعلى، وسبب ذلك أن الأصل في الصفات أن تؤنث بتاء التأنيث، وهو الكثير فيها، نحو عالم عالمة، وكبير وكبيرة، وصبار وصبارة، فلما خرجت هذه الصفات عن الكثرة والأصل، قلت في الكلام فدل ذلك على ثقلها فحرمت التنوين ولذا ما كان داخلا في الكثرة صرف، فأفعل إذا أنث على (أفعلة) صرف، نحو أرمل وأرملة، و (فعلان)، إذا أنث على (فعلانة) صرف، نحو عريان عريانة، وندمان ندمانة، وذلك لأنه دخل في الشيء العام الكثير.

(1) كتاب سيبويه 1/ 7

(2)

المذكر والمؤنث - رسالة دكتوراه مقدمة إلى جامعة بغداد لطارق عبد عون - مكتوبة بالآلة الكاتبة - القسم الثاني 40 - 41

ص: 288

ثم إن ما يؤنث بالتاء يكرر مرتين مرة في التذكير، ومرة في التأنيث، ففي نحو قائم وقائمة يكرر لفظ (قائم) في التذكير وفي التأنيث، ولا يختلف لفظ المؤنث عن المذكر إلا بزيادة التاء، وكذلك نحو جميل وجميلة وأرمل وأرملة، وسيفان وسيفانة، فيكون تردده أكثر مما لا يؤنث بالتاء، ألا ترى أن لفظ (عطشان) لا يتردد في التأنيث بل يكون للمؤنث بناء برأسه بناء آخر وهو (عطشى)، بخلاف (سفيان) و (أحمر) لا يتردد في التأنيث بل يكون للمؤنث بناء برأسه وهو (حمراء) بخلاف أرمل؟

فما يؤنث بالتاء يكون تردده أكثر في الكلام، لأنه يتردد في المؤنث وفي المذكر بخلاف مالا يؤنث بالتاء، ولذا كان ما يؤنث بالتاء منصرفا، لأنه كثير أما مالا يؤنث بالتاء فإنه يكون أقل، فيكون قد شابه الفعل من هذه الناحية.

جاء في (الكتاب): " هذا باب ما لحقته نون بعد ألف، فلم ينصرف في معرفة ولا نكرة، وذلك نحو عطشان، وسكران، وعجلان، وأشباهها .. وهاتان الزائدتان قد اختص بهما المذكر، ولا تلحقه علامة التأنيث، كما أن (حمراء) لم تؤنث على بناء المذكر، ولمؤنث (سكران) بناء على حدة كما كان لمذكر (حمراء) بناء على حده (1).

وجاء في (المقتضب): " أن كل ما فيه الهاء ينصرف فيه النكرة، وما كان فيه الف التأنيث لا ينصرف في معرفة ولا نكرة.

فإن قال قائلأ: ما باله ينصرف في النكرة، وما كانت فيه ألف التأنيث لا ينصرف في معرفة ولا نكرة؟

قيل: أن الفصل بينهما، إن ما كان فيه الهاء فإنما لحقته، وبناؤه، بناء المذكر، نحو قولك (جالس)، كما تقول (جالسة)، و (قائم) ثم تقول (قائمة)، فإنما تخرج إلى التأنيث من التذكير والأصل التذكير.

(1) سيبويه 2/ 10

ص: 289

وما كانت فيه الألف فإنما هو موضوع للتأنيث، على غير تذكير خرج منه، فامتنع من الصرف في الموضعين لبعده عن الأصل.

ألا ترى أن حمراء على غير بناء أحمر، وكذلك عطشى، على غير بناء عطشان (1).

وما فيه ألفا التأنيث نحو ذكرى وصحراء، أقل مما فيه التاء نحو مدرسة وكريمة، ولذا كان المختوم بألف التأنيث ممنوعا من الصرف، بخلاف ما فيه تاء التأنيث، فإنه لا يمنع من الصرف إلا أن يكون علما.

وصيغتا منتهى الجموع قليلتان كذلك، لا نظير لهما في المفرد، نحو قبائل وطواحين وضابط هاتين الصيغتين أنه كل جمع أوله مفتوح وثالثه ألف بعدها حرفان أو ثلاثة بينها أوسطها ساكن، وسميت هاتان الصيغتان منتهى الجموع، لأنهما تنتهي عندهما جموع التكسير، فإنه إذا جمع الإسم على هاتين الصيغتين أمتنع جمعه مرة اخرى، وذلك أن الإسم يجمع ثم قد يجمع هذا الجمع مرة أخرى، فإن كان على صيغة منتهى الجمع استقر على ذلك، نحو كلب وأكلب، فإن جمعت (أكلبا) قلت (أكالب) فهذا جمع الجمع وهو على صيغة منتهى الجموع فلا يجمع بعد جمع تكسير.

جاء في (الأصول): " في هذا الجمع: " وهو الذي ينتهي إليه الجموع، ولا يجوز أن يجمع وإنما منع الصرف لأنه جمع جمع لأجمع بعده، ألا ترى أن أكلبا جمع كلب، فإن جمعت (أكلبا) قلت (أكالب) فهذا قد جمع مرتين .. فإن أدخلت الهاء على هذه الجمع انصرف، وذلك نحو (صياقلة) لأن الهاء قد شبهته بالواحد فصار كمدائني لما نسبت إلى (مدائن) انصرف، وكان قبل التسمية (2). لا ينصرف (3).

وقالوا أن هذا الجمع لا نظير له في الآحاد (4). فليس في الآحاد نظير مفاعل ومفاعيل، إلا ما ندر، مثل حضاجر، وسراويل، وقيل هما جمع مما يدل على قلة هذا الوزن.

(1) المقتضب 3/ 319 - 320، وانظر الأصول 2/ 84

(2)

كذا في المطبوع ولعله (النسبة) وهو المناسب

(3)

الأصول 2/ 92

(4)

كتاب سيبويه 2/ 15 - 16

ص: 290

وقد تقول أن (أفعُلا) و (أفعالا) لا نظير لهما في الواحد أيضا، وهما منصرفان فليس مثل أكلب، وأنفس، وأقلام، وإجمال في الواحد.

وقد رد النحاة على ذلك بما يأتي:

الأول جواز وصف المفرد بهذين الجمعين، نحو برمة أعشار، ونطفة أمشاج (1).، قال تعالى:{إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج} [الإنسان: 2].

والثاني أن هذين الجمعين أعني (أفعالا) و (أفعُلا) قد يجمعان جمعا ثانيا، فهما نظير المفرد في قبولهما الجمع، وذلك نحو أقوال، وأقاويل، وأعراب وأعاريب، وأيد وأياد فهذه الأحرف تخرج إلى مثال مفاعل، ومفاعيل إذا كسر للجمع، وأما مفاعل ومفاعيل فلا يكسر، فيخرج الجمع إلى بناء غير هذا، لأن هذا البناء هو الغاية، فلما ضارعت الواحد صرفت (2).

وقال السيرافي: " فإذا قيل: إذا كانت تمنع الصرف في الجمع الذي لا نظير له في الواحد، فينبغي ألا تصرف (أكلبا)، قيل: لم يرد سيبويه ما ذهب إليه المعترض وإنما أراد على مثال لا يجمع جمعا ثانيا، فإن ما على مثال يتأتي فيه جمع ثان، فهو بمنزلة الواحد (3).

الثالث أنهما يصغران على لفظهما، كالآحاد، نحو أكليب، وانيعام، تصغير أكلب، وأنعام، بخلاف (مفاعل) و (مفاعيل) فإنهما يردان إلى المفرد ثم يصغران، وذلك نحو مساجد فإن تصغيرها مسيجدات، ومصابيح فإن تصغيرها (مصبيحات)، فعومل (أفعل) و (أفعال) كالمفرد.

(1) شرح الرضي على الكافية 1/ 42، وانظر كتاب سيبويه 2/ 17

(2)

كتاب سيبويه 2/ 16 - 17

(3)

شرح السيرافي بهامش الكتاب 1/ 7

ص: 291

الرابع أن كلا من (أفعال) و (أفعُل) له نظير في الآحاد، يوازنه في الهيئة وعدد الحروف فـ (أفعال) نظيره (تفعال) نحو تجوال وتطواف، و (فَعلان) نحو صلصال وثرثار، وأفعُل نظيره تنقل ومكرم (1).

فدل ذلك على قلة هذه الجمع فأمتنع من الصرف ألا ترى أنه إذا الحقت به التاء صرف نحو صياقلة وصيارفة، وذلك لأن هذا الوزن له نظير في الاحاد، نحو طواعية وكراهية بخلاف ما ليس فيه التاء؟

فخلاصة ما ذهب إليه النحاة ان الممنوع من الصرف ثقيل بخلاف المنصرف، وليس أثقل متأتيا عن كثرة في حروف الاسم، ولا عن ثقل في النطق، فقد يكون الإسم قليل الحروف، وهو ممنوع من الصرف، وقد يكون على أطول الأبنية فينصرف، ألا ترى أنك تصرف نحو مستعصم واستبسال علمين ولا تصرف سقر؟

بل ربما كانت الزيادة في الحروف سببا من أسباب الصرف، فأنت تمنع (صيارف) فإن زدت عليها التاء فقلت (صيارفة) صرفته، وتمنع (ينبع) علما، فإن زدت عليه حرفا فقلت (ينبوع) صرفته.

وقد يكون الاسم ثقيل النطق فتصرفه وقد يكون خفيفا فلا تصرفه، فأنت تصرف (استشزارا)، ولا تصرف (عمر) مع أن عمر أخف كثيرا من (استشزار).

وكذلك كونه على بناء معين لا يستدعي المنع من الصرف دائمًا، فأنت تصرف أفعل مرة وتمنعه من الصرف مرة أخرى، وتصرف (فعلان) مرة وتمنعه من الصرف مرة أخرى فأنت تصرف (أرملا) ولا تصرف (أكبر) مع أنهما وصفان على وزن واحد، وتصرف (ندمانا) ولا تصرف (عطشان) وهما وصفان على وزن واحد.

بل الكلمة الواحدة تصرفها مرة وتمنعها الصرف مرة أخرى، فأنت تصرف (راجحة) وصفا وتمنعها الصرف علما، وتصرف (صباحا) علما لمذكر وتمنعها الصرف علما

(1) الأشموني 3/ 244، وانظر حاشية على شرح ابن عقيل 2/ 97

ص: 292