الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله} [الحج: 40]، وهم أخرجوا لأنهم قالوا ذلك ومستمرون على قوله أيضًا، وقوله: {فهم لا يهتدون ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في الس
ما
وات والأرض} [النمل: 24 - 25]، والمقصود بـ (ألا يسجدوا) الحال.
ومثله قوله تعالى: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} [غافر: 28]، وقوله:{يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم} [الممتحنة: 1]، وقوله:{وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} [البروج: 8]، وإن كل ذلك ليس فيه تنصيص على الاستقبال.
ونحوه: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} [ص: 75]، وهو لم يسجد في الماضي وقوله:{ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره} [الروم: 25]، وهما قائمتان بأمره لم تزال ولا تزالان.
غير أنه يمكن أن يقال إن أغلب ما ذكرنا من الأمثلة يفيد الاستمرار الذي منه الاستقبال فتكون دلت على الاستقبال ضمنا لا تنصيصا، ولا ينطبق هذا على نحو قوله تعالى:{ألا يجدوا ما ينفقون} فيما أحسب فإن هؤلاء قد يجدون في الاستقبال ما ينفقون، والله أعلم.
ما: و (ما) تدخل على الفعل المتصرف في الغالب، ماضيًا كان أو مضارعًا، نحو قوله تعالى:{إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} [ص: 26]، وقوله:{وأنا بريء مما تجرون} [هود: 35]، أي من إجرامكم، وقوله:{لتجزى كل نفس بما تسعى} [طه: 15]، أي بسعيها، وقد تدخل على غير ذلك قليلا، نحو (بقوا في الدنيا ما الدنيا باقية)، وقوله:
أعلاقة أم الوليد بعدما
…
أفنان رأسك كالثغام المخلس
وقيل (ما) كافة لـ (بعد) من الإضافة (1).
(1) انظر شرح الرضي على الكافية 2/ 428، المغنى 1/ 311
وهي إذا دخلت على الفعل المضارع أفادت الحال (1). نحو {سبحانه وتعالى عما يصفون} [الأنعام: 100]، ونحو:{فذرهم وما يفترون} [الأنعام: 112].
وقد تكون زمانية نحو قوله تعالى: {إنا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها} [المائدة: 24]، أي مدة دوامهم فيها، وقوله:{فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]، أي مدة استطاعتكم.
وقد ذكر برجشتراسر أن التطابق كثير بين (أنْ) و (أنّ) و (ما). قال: وإذا تساءلنا عن الفرق بين (أن) و (أن) وبين (ما) مع صرف النظر عن الحالات التي تفي فيها (أن) بوظيفة خاصة بها، فتعمل في نصب الفعل، وجدنا أن التطابق بينها كثير، مثاله من القرآن الكريم {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة} [الأنفال: 53]، و {ذلك بما عصوا} [البقرة: 61]، فـ (أن) و (ما) معناهما واحد، ومنه {من بعد ما جاءهم العلم} [الجاثية: 17]، و {من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبن إخوتي} [يوسف: 100]، وعلى العموم فـ (ما) أندر كثيرًا من (أن) و (أن) ويقل استعمالها تدريجيا مع تطور اللغة العربية، غير أنها احتفظت بها في بعض الأحوال نحو (قل ما وجد مثل ذلك) و (طالما) و (بئس ما) ..
وقد تميز العربية بين (أن) و (أن) وبين (ما) في المعنى، واشهر مثال لذلك هو الفرق بين (كأن) و (كأن) وبين (كما) فـ (كأن) و (كأن) تفيدان فرض كون الشيء غير ما هو عليه في الحقيقة و (كما) تفيد التشبيه والتمثيل الحقيقي، مثال ذلك:{وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة} [الأعراف: 171]، والجبل لم يكن ظلة أو مثل ظلة، بل كان ضدها في المتانة والرسو، والمعنى لو كان الجبل كظلة لكان نتفه ورفعه وزلزلته قريبًا من الاحتمال فلأنه لم يكن كظلة كان نتفه من المعجزات، و (كما) مثل (آمنا كما آمن الناس) يعني إيمانيا مثل إيمانهم (2).
(1) انظر التصريح 2/ 62، الهمع 2/ 92
(2)
التطور النحوي 126 - 127
والحق أنه ليس ثمة تطابق بين هذه الأحرف، فـ (أن) تفيد التوكيد، وأما (أن) و (ما) فبينهما أوجه اختلاف منها:
1 -
أن (أن) تفيد الاستقبال في الغالب، و (ما) تفيد الحال، وذلك إذا دخلتا على الفعل المضارع، فمن ذلك قوله تعالى:{إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم} [المائدة: 11]، فـ (يبسطوا) المقصود به الاستقبال، ولو قال (ما يبسطون) لكان للحال، وقوله:{هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدًا} [الكهف: 66]، أي شريطة أن تعلمني، فالتعليم في المستقبل، ولو قال (على ما تعلمني) لكان المقصود به الحال.
وقوله: {فذرهم وما يفترون} [الأنعام: 12]، و {وأنا بريء مما تجرمون} [هود: 35]، فهذه كلها للحال بعكس (أن).
2 -
أن (ما) قد تكون ظرفية زمانية بخلاف (أن) وذلك نحو قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]، وقوله:{وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا} [مريم: 31]، وقولك:(أنت مفلح ما تفعل الخير) أي مدة فعلك الخير.
3 -
أن (ما) تكون اسما موصولا وتكوف حرفًا مصدريا، وفي قسم من التعبيرات يحتمل الكلام المعنيين، فيكون من باب التعبير الاحتمالي الذي سبقت له نظائر، وذلك نحو:{ساء ما يعملون} [المائدة: 66]، فقد يحتمل المعنى ساء عملهم وساء الذي يعملونه، وقوله:{يآيه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك} [الزخرف: 49]، فالمعنى يحتمل ادع ربك بعهده عندك، ويحتمل بالذي عهده عندك، ويحتمل بالذي عهده عندك، ونحوه قوله:{قال ياليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين} [يس: 26 - 27]، فهذا يحتمل ياليت قومي يعلمون بمغفرة ربي لي، ويحتمل أنه ياليتهم يعلمون بالشيء الذي غفر لي به ربي.
ونحوه أن تقول: (صبرت على ما كذبتني) فالمعنى يحتمل (صبرت على تكذيبي) ويحتمل صبرت على ما كذبتني به، أي الشيء الذي كذبتني به ونحوه أن تقول (صدق ما عاهد الله) فهذا يحتمل أنه صدق عهد الله، ويحتمل صدق ما عاهد الله عليه، أي صدق الشيء الذي عاهد الله عليه.
أما (أن) فلا تكون إلا مصدرية.
وبذا قد تؤدي (ما) أكثر من معنى أحيانا.
4 -
ولكون (ما) كذلك أي أنها قد تكون مصدرية، وقد تكون اسما موصولا وقد تحتمل المعنيين أحيانا يؤتى بـ (أن) إذا أريد التنصيص على المصدر، وبخاصة إذا كان مجيء (ما) قد يصرف الكلام إلى معنى آخر، وذلك نحو قوله تعالى:{ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} [البقرة: 105]، فلو أبدلت (ما) بـ (أن) لكان المعنى أنهم لا يودون ما ينزل عليكم، أي لا يودون الخير النازل عليكم من الله، وكقوله تعالى:{عبس وتولى أن جاءه الأعمى} [عبس: 1، 2]، أي لمجيء الأعمى، ولو قلت: عبس وتولى لما جاءه الأعمى أو بما جاءه الأعمى لكان المعنى: عبس للشيء الذي جاء به الأعمى ولم يأت الأعمى بشيء، وإنما عبس لمجيئه لا لشيء جاء به، ولو قال (عبس وتولى ما جاءه الأعمى)، لكان المعنى أنه عبس وتولى كلما جاءه الأعمى، وكلا المعنيين غير مراد.
ونحوه قوله تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} [التكوير: 29]، والمعنى أنكم لا تشاؤون إلا بمشيئة الله، أي إلا إذا شاء الله، ولو قيل (وما تشاؤون إلا ما يشاء الله) لكان المعنى أنكم لا تشاؤون إلا الشيء الذي يريده الله ويشاؤه. وهذا غير مراد ولا يصح.
5 -
الأصل في مصدر (ما) أن يكون مخصوصًا، وفي مصدر (أن) أن يكون لإرادة مجرد الحدث، ـ وهذا فرق رئيس بين استعماليهما، ولذا لا يحسن وضع أحداهما، مكان الأخرى أحيانا، فمثلا قوله تعالى:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65]، يصح فيه تأويل (مما قضيت) بمصدر فتقول:(ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا من قضائك)، ولكن مع ذلك لا يحسن وضع (أن) مكان (ما) فلا تقول:(ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا من أن قضيت) لأن المعنى سيكون عند ذلك: عليهم ألا يجدوا في أنفسهم حرجا من كونك تقضي، أو من مبدأ أنك تقضي، وليس هذا المقصود، وليس في أنفسهم
حرج من ذلك، بل المقصود أن عليهم أن يرضوا بما يقضي، ولو كان لا يوافق هواهم ورغبتهم، ليس في أنفسهم حرج من ذلك، لا من مجرد أنه يقضي، فيكون مصدر (ما) مخصوصا، وقد يراد بـ (ما قضيت) المقضي به أي اسم موصول.
ونحوه قوله سبحانه: {سبحانه وتعالى عما يصفون} [الأنعام: 100]، فإنه يصح تأويل (عما يصفون) بـ (عن وصفهم) غير أنا لو أبدلنا (أن) بـ (ما) لوجدنا أن المعنى يختلف، فلو قلت: سبحانه وتعالى عن أن يصفوا) لكان المعنى تنزيه الله عن مجرد الوصف، وليس هذا المقصود، إذ لا شك أن الله له الصفات العليا، وإنما المقصود تنزيهه عن الوصف الباطل والصفات التي لا تليق به سبحانه، ويحتمل أن تكون (ما) اسمًا موصولا، أي عما يصفونه به من الصفات الباطلة.
ونحوه قوله: {أفتهلكنا بما فعل المبطلون} [الأعراف: 173]، وهذا يحتمل أن المعنى: أفتهلكنا بفعل المبطلين، ومع ذلك لا يصح إبدال (أن) بـ (ما) فلا تقول: أفتهلكنا بأن فعل المبطلون، فإن الأول فعل مخصوص، وهو الذي يؤدي إلى الإهلاك، وأما الثانية فيكون المعنى أتهلكنا لأن المبطلين فعلوا، ولا ندري ما فعلوا، فالفعل أولا مخصوص معلوم بخلاف مصدر (أن) ويحتمل أن تكون (ما) اسمًا موصولا أيضًا.
ومثله قوله تعالى: {ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} [التوبة: 118]، والمعنى برحبتها. ولو قلت:(بأن رحبت) لكان المعنى أنها ضاقت عليهم بكونها رحبة، وهو معنى متناقض غير مراد.
ونحوه قوله تعالى: {لا تؤاخذني بما نسيت} [الكهف: 73]، والمقصود به نسيان مخصوص وهو العهد الذي بينهما، ولو قال (بأن نسيت) لاحتمل المعنى أنه آخذه بمبدأ النسيان أي آخذه لكونه نسي، أي لمجرد حصول النسيان عنده.
ونحو قوله تعالى: {لتجزي كل نفس بما تسعى} [طه: 15]، أي بسعيها، ولو أبدلت (أن) بها فقلت (لتجزي كل نفس بأن تسعى) تغير المعنى، وأصبح أنها تجزي لأنها تسعى، فالأولى سعي مخصوص تجزي به أن كان خيرًا فخير، أو شرًا فشر. والثانية أنه مطلق السعي فهي تجزي لأنها تسعى وليس فيها المعنى الأول.
ونحوه قوله تعالى: {ربكم أعلم بما لبثتم} [الكهف: 19]، أي: يلبثكم، والمقصود به زمن لبثكم ومدته، ولو قال:(ربكم أعلم بأن لبثتم) لكان المعنى أن ربكم يعلم بأنكم لبثتم، وهذا غير مراد، فالأولى لبث مخصوص بخلاف الثانية.
فمصدر (ما) مخصوص محدود، بخلاف مصدر (أن) فإنه لمجرد الحدث، وهذا فرق رئيس بينهما كما ذكرت.
5 -
إن (أنْ) تستعمل للتعليل كما ذكرنا بخلاف (ما) وهي تقوم مقام حرف التعليل مع الأفعال الماضية، وذلك نحو {وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا} [مريم: 90، 91]، وقد تقول أن (ما) وردت للتعليل أيضا، نحو {لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} [ص: 26]، وقوله:{إني جزئتهم اليوم بما صبروا} [المؤمنون: 111].
والحق أن (ما) لم تأت للتعليل إلا مع حرف يفيد التلعيل، أما (أن) فهي حيث وردت للتعليل منزوعة من حروف التعليل في القرآن الكريم، إلا في نحو قوله تعالى:{لئلا يعلم أهل الكتاب} [الحديد: 29]، وقد مر بنا هذا.
6 -
ثم أنهما يختلفان من حيث التعليل، وذلك أن تقول مثلا (عاقبتك بما ذهبت إلى القرية) أي عاقبتك بسبب ذهابك، ولو قلت:(عاقبتك بأن ذهبت إلى القرية) احتمل هذا المعنى واحتمل أنه عاقبه بالذهاب، أي جعل ذهابه هو العقوبة.
ونحوه أن تقول: (لقد جزاك الله بما كنت من المصلحين) و (جزاك الله بأن كنت من المصلحين) فالأولى معناها أنه جزاك بسبب كونك من المصلحين، والثانية تحتمل السببية، وتحتمل أنه جزاه أن جعله من المصلحين، فالجزاء هو جعله من المصلحين.
7