الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يصح ربطه بـ (يدعون) لأن الكلام على ذلك لا يتم، لأنه سيكون (وما يتبع الذين يدعون شركاء ولا ندري النفي عن أي شيء ولا ما يتبعون.
ومن ذلك قوله تعالى: {فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك} [هود: 81]، فامرأتك مستثنى يحتمل تعلقه بـ (أسر) فيكون المعنى: فأسر بأهلك إلا امرأتك ويحتمل تعلقه بـ (يلتفت) فيكون المعنى (ولا يلتفت منكم أحدا إلا امرأتك) وعلى هذا تكون مسرى بها معهم، ولكنها تلتفت، والراجح عندي الأول، والله أعلم.
ومثل هذا أن تقول (ذهب الطلاب إلى المكتبة واستعاروا كتبا إلا خالدا) فإنك إذا علقت المستثني بـ (ذهب) كان المعنى: ذهب الطلاب إلى المكتبة إلا خالدا فهو لم يذهب، وإذا علقته بـ (استعاروا) كان المعنى: إن خالدا ذهب معهم إلى المكتبة ولكنه لم يستعر كتابًا.
فالتعلق هو الارتباط المعنوي، سواء كان ذلك في الجار والمجرور والظرف، أم في غيرهما مما يقتضي الارتباط.
الإضافة
معنى الإضافة:
الإضافة نسبة اسم إلى اسم آخر، واسناده إليه نحو: غلام هند، وكتاب خالد (1). وقد استقر الأمر مؤخرا عند النحاة على أن الإضافة، أما أن تكون بمعنى اللام، نحو: دار سالم، ومال محمد، أي دار لسالم، ومال لمحمد، أو تكون بمعنى من وذلك إذا كان المضاف إليه جنسا للمضاف، نحو ثوب صوف، وخاتم ذهب، أي ثوب من صوف وخاتم من ذهب، أو تكون بمعنى (في) وذلك إذا كان المضاف إليه ظرفا واقعًا فيه.
(1) الإضافة عند النحاة اسناد اسم إلى اسم آخر على تنزيل الثاني من الأول منزلة تنوينه أو ما يقوم مقام تنوينه.
المضاف، نحو (شهيد الدار) أي في الدار و {بل مكر الليل والنهار} [سبأ: 33]، أي في الليل والنهار (1).
ولا تخرج الإضافة عن هذا عندهم.
وذهب بعض النحاة إلى أن الإضافة ليست على تقدير حرف اصلا، وإلا لزم أن غلام زيد يساوي غلام لزيد، وليس كذلك، فإن معنى المعرفة غير النكرة.
وأجيب بأن قولنا غلام لزيد، ليس تفسيرا مطابقا من كل وجه، بل لبيان الملك او الاختصاص فقط (2).
والحق فيما نرى أن الإضافة تعبير آخر ليس على تقدير حرف، فقد يصح تقدير حرف في تعبير، وقد يمتنع تقدير أي حرف في تعبير آخر، وما صح تقديره بحرف لا يطابق معناه معنى المقدر. فهي أعم من أن تكون بمعنى حرف، ومما يدل على ذلك أمور، منها:
1 -
امتناع إظهار أي حرف من هذه الحروف في قسم من التعبيرات، نحو:(جئت مع خالد) و {من لدن حكيم عليم} [النمل: 6]، و {ولدينا مزيد} [ق: 35]، و {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل} [آل عمران: 93]، و {من كل زوج كريم} [الشعراء: 7]ـ و (عند خالد مال) و (خرج جميع القوم) و (يوم الأحد) و:
غير مأسوف على زمن
…
ينقضي بالهم والحزن
ونحو ذلك كثير، مما يدل على أن الإضافة أوسع من أن تكون بمعنى حرف، وقد لاحظ النحاة ذلك، فحاولوا الخروج من هذا المأزق بقولهم: " ولا يلزم فيما هو بمعنى اللام أن يجوز التصريح بها بل يكفي إفادة الاختصاص الذي هو مدلول اللام، فقولك (طور سيناء) و (يوم الأحد) بمعنى اللام ولا يصح إظهار اللام في مثله (3).
(1) انظر ابن عقيل 2/ 3، شرح الرضي 1/ 298 - 299
(2)
حاشية الخضري 2/ 3، وانظر الهمع 2/ 46
(3)
شرح الرضي على الكافية 1/ 299
ونحن نقول: ومن أين لهم أن نحو طور سيناء، ويوم الأحد، وكل الرجال، وجميعهم فيه مدلول اللام الذي يفيد الاختصاص؟
2 -
اقر النحاة أن الإضافة غير المحضة (وهي إضافة اسم الفاعل، والمفعول والصفة المشبهة إلى معمولها) ليست على تقدير حرف، فقولك:(هو حسن الوجه) ليس على تقدير حرف فليس الوجه في مثل هذا " مضافا إليه (حسن) بتقدير حرف الجر، بل هو هو وكذا في ضارب زيد، لأن ضارب وإن كان مضافا إلى زيد، لكنه بنفسه لا بحرف الجر كما كان مضافا إليه من حيث المعنى حيث نصبه أيضا، ولم يحتج في إضافة إليه لا في حال الإضافة ولا قبلها إلى حرف جر (1).
وذلك أن قولك (هو ضارب زيد) و {إنك جامع الناس} [آل عمران: 9]، مضاف بنفسه، لا بتقدر حرف لأن اسم الفاعل فيهما مأخوذ من متعد، وهو يتعدي بنفسه، فقولك (هو ضارب زيدا) تقديره: هو يضرب زيدا وليس التقدير: هو يضرب لزيد ولذا يقول النحاة في نحوه: (هو ضارب لخالد) إن اللام فيه زائدة مقوية، والأصل (هو ضارب خالد) بإضافة الوصف إلى معموله، وأصل التعبير (هو ضارب خالدا) ومثله {فعال لما يريد} [البروج: 16]ـ، فإن اللام فيه زائدة مقوية، والأصل: فعال ما يريد، فكيف ينقلب الزائد اصلا؟ فالتقدير يختص بالمحضة عندهم.
3 -
ونحن نقول: إنه لا فرق بين المحضة وغيرها، فقد يمتنع التقدير في المحضة أيضا مما له شبه بغير المحضة من وجه وذلك نحو (إطعام مسكين) وكقوله:{كطي السجل للكتاب} [الأنبياء: 104]، وقوله:{وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} [الأنبياء: 73]، وقوله:{ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97]، فهذه كلها إضافة محضة، لأن إضافة المصدر عندهم محضة، وهي ليست على تقدير حرف كما هو ظاهر، وذلك أن المصدر في هذه الأمثلة متعد، وقد أضيف إلى مفعوله، وهو يتعدى إليه في الأصل بلا تقدير حرف، كما في (ضارب خالد).
(1) شرح الرضي 1/ 297، وانظر الهمع 2/ 46
وممثله إضافة اسم الفاعل إذا كان ماضيًا، نحو (أنا مكرم محمد أمس) فهي محضة، وهي ليست على تقدير حرف في الراجح، لأنه متعد، وقد صرح بذلك ابن يعيش، قال: " وعندي أن إضافة اسم الفاعل إذا كان ماضيا من ذلك، ليس مقدرا بحرف مع أن إضافته محضة (1).
وعلى هذا فلا يصح تقدير حرف في نحو هذا، وبذا يكون قد خرج قسم من المحضة من التقدير.
4 -
إضافة اسم التفضيل في الغالب لا تفيد معنى حرف، ولا تدل عليه، وذلك نحو قوله تعالى:{ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب} [البقرة: 85]، فهذا نظير قولهم (حسن الوجه)، فلا يصح تقدير حرف فإن أشد هو العذاب كما ذكروا في الصفة المشبهة، ونحوه قوله تعالى:{ولكن أكثر الناس لا يشكرون} [البقرة: 243]، وقوله:{وما كان أكثرهم مؤمنين} [الشعراء: 67]، ونحو:(أكرمته أحسن الإكرام).
وإضافة اسم التفضيل محضة عند الجمهور، فهذا خرج عن التقدير أيضا.
5 -
ومما يدل على ضعف مذهبهم أن الأولى أن يكون التقدير أحيانا على غير ما ذهب إليه النحاة، وذلك نحو قوله تعالى:{يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت} [البقرة: 19]، فهو على تقدير اللام عندهم، وتقدير (من) أرجح وأولى، أي: حذرا من الموت، وهم لا يقدرونه بـ (من) لأن المضاف إليه ليس جنسا للمضاف وكذلك (هربت خوف سعيد) فهو على تقدير اللام عندهم، وتقدير من أظهر في المعنى، أي: خوفا من سعيد، ونحوه قوله تعالى:{أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين} [البقرة: 161]، فهم يقدرونه باللام وتقدير (من) أظهر في المعنى أي: لعنة من الله وهم يمنعون تقديره بـ (من) لأن المضاف إليه ليس جنسا للمضاف ومثله قوله: {غفرانك ربنا} [البقرة: 285]، ومعناه غفرانا منك، وليس غفرانا لك،
(1) شرح ابن يعيش 2/ 119
وكذلك قولنا (هو أكبر القوم) و (أفضل الطلاب) فإن تقدير (من) فيه أولى من اللام، أي أكبر من القوم وأفضل من الطلاب.
فدل على ضعف المعنى في تقديرهم أحيانا.
6 -
أن المعنى يتغير عند التقدير، فتصبح المعرفة نكرة، فلو قدرت (هذه دار محمد) باللام كان التقدير (هذه دار لمحمد) والأولى معرفة، والثانية نكرة، ونحو ذلك قوله تعالى:{يآدم أنبئهم بأسمائهم} [البقرة: 33]، فهو لا يساوي (بأسماء لهم) ومثله قوله تعالى:{لا تكلف إلا نفسك} [النساء: 84]، فهو لا يساوي (إلا نفسًا لك) إذ يقتضي أن له أكثر من نفس، وقوله:{يؤذن رسول الله} [التوبة: 61]، فهو لا يساوي (رسولا لله) وقوله {فاليوم ننجيك ببدنك} [يونس: 92]، لا يساوي (ببدن لك) إذ يقتضي أن له أكثر من بدن، وقوله:{وأقسموا بالله جهد أيمانهم} [الأنعام: 109]، لا يساوي (جهدا لأيمانهم) وليس له معنى.
وقد أدرك النحاة ذلك، فقد ذهب أبو حيان تبعًا لابن درستويه، كما أسلفنا، إلى أن الإضافة ليست على تقدير حرف أصلا، وإلا لزم أن غلام زيد يساوي (غلام لزيد) وليس كذلك، فإن معنى المعرفة غير النكرة.
وأجيب بأن قولنا غلام لزيد ليس تفسيرا مطابقا من كل وجه، بل لبيان الملك أو الاختصاص فقط (1).
ورد النحاة عليه ليس متينا، فإنهم إن قدروا حرفا تغير المعنى واستحالت المعرفة إلى نكرة، فالأولى عدم التقدير للخلاص من هذا الأمر، جاء في (المقتضب): " وأما الأسماء المضافة إلى الأسماء بأنفسها فتدخل على معنى اللام، وذلك قولك: المال لزيد كقولك: مال زيد، وكما تقول: هذا أخ لزيد، وجار لزيد، وصاحب لزيد، فهذا بمنزلة قوله: جاره وصاحبه.
(1) حاشية الخضري 2/ 3
فلا فصل بينهما، إلا أن اللام إذا حالت بين الاسمين، لم يكن الأول معرفة بالثاني من أجل الحائل.
فإذا أضفت الاسم إلى الاسم بعده بغير حرف، كان الأول نكرة ومعرفة بالذي بعده.
فإذا أضفت اسما مفردا إلى اسم مثله مفرد، أو مضاف صار الثاني من تمام الأول وصارا جميعا اسما واحدا وانجر الآخر بإضافة الأول إليه، وذلك قولك: هذا عبد الله، وهذا غلام زيد وصاحب عمرو ..
ألا ترى أنك تقول: هذا غلام رجل فيكون نكرة، فإذا أردت تعريفه قلت: هذا غلام الرجل وهذا صاحب المال (1).
فالمبرد - وإن كان يقدر تبعا للنحاة - ذكر الفرق بينهما، وأدرك أن كلا منهما تعبير خاص، وأن إضافة إسم إلى آخر، تصير الثاني من تمام الأول، وتجعلهما جميعا اسما واحدا.
7 -
إن إضافة الشيء إلى الشيء قد تكون بأدنى ملابسة، وهي أعم من أن تكون بمعنى حرف مما يدل على أنها تعبير آخر، جاء في كتاب سيبويه: ألا ترى أنك تقول هذا حب رمان، فإذا كان لك قلت (هذا حب رماني) فأضفت الرمان إليك، وليس لك الرمان إنما لك الحب، ومثل ذلك هذه ثلاثة أثوابك، فكذلك يقع على جحر ضب ما يقع على حب رماني، تقول (هذا جحر ضبي) وليس لك الضب، إنما لك جحر ضب كما أضفت الجحر إليك مع إضافة الضب (2).
وجاء في (شرح ابن يعيش): "وياضف الشيء إلى الشيء بأدنى ملابسة نحو قولك: لقيته في طريقي أضفت الطريق إليك لمجرد مرورك فيه، ومثله قول أحد حاملي الخشبة خذ طرفك، إضافة الطرف إليه لملابسته إياه في حال الحمل"(3).
(1) المقتضب 4/ 143 - 144
(2)
كتاب سيبويه 1/ 217
(3)
شرح ابن يعيش 3/ 8