الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاء السببية
ينتصب الفعل المضارع بعد فاء السببية بشرطين:
الأول: أن تكون نصا في السبب.
الثاني: أن يتقدمها نف طلب كالأمر، والنهي، والاستفهام، والتمنى، وما إلى ذلك نحو:(ما تأتينا فنكرمك) ونحو (لا تأكل كثيرا فتمرض).
ويذكر النحاة للفعل المنصوب بعد فاء السبب في نحو قولهم (ما تأتينا فتحدثنا) معنيين يجمعهما التنصيص على السبب:
أحدهما: ما تأتينا فكيف تحدثنا؟ أي: أنك لا تأتينا، ولهذا لا تحدثنا، ولو أتيتنا لحدثتنا.
الثاني: أنك تأتينا ولكن لا تحدثنا أي: ما تأتينا إلا لم تحدثنا، والعنى أنه يقع منك اتيان كثير ولا حديث منك (1).
وعلى الوجه الأولن جاء قوله تعالى: {لا يقضي عليهم فيموتوا} [فاطمة: 36]، أي: فيكيف يموتون، ويتنع أن يكون على الوجه الثاني إذ يمتنع أن يقضي عليهم ولا يموتون (2). ويجز رفع الفعل بعدها على معنيين:
العطف أي ما تأتينا فما تحدثنا، ونحو:(لا اذهب إليه فاشتمه) أي: لا اذهب إليه فلا اشتمه.
والاستئناف: أي: أنك ما تأتينا، ولكنك تحدثنا، ونحوه:(أعطني فاشكرك) أي: فأنا ممن يشكرك على كل حال، والمعنى: أنك قائم بشكرك، وبالنصب يكون المعنى (أعطني لأشكرك) أي: أنت لاتشكره الآن، وإنما يكون الشكر مسببا عن العطاء.
(1) انظر كتاب سيبويه 1/ 418، المقتضب 2/ 16، الجمل 202 - 203
(2)
المغني 2/ 480
والخلاصة أن الفعل بعد الفاء له ثلاثة أحوال:
1 -
النصب وذلك إذا قصد التنصيص على السبب نحو قلوه تعالى: {ياليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما} [النساء: 73]، و {لا يقضي عليهم فيموتوا} و (لا تضرب خالدا فيهنيك).
وفي هذه الحال يكون معنى الفعل مخالفا لما قبلها، فقولنا (لم تزرنا فنكرمك) بالنصب معناه أنك لم تزرنا فكيف نكرمك، والمقصود أنك لو زرتنا لأكرمناك، ولو ابتع لكان الفعلان منفيين، ولكان المعنى أنك لم تزرنا فلم نكرمك، ونحوه (هل يأتيك خالد فيعلمك) بالنصب والمعنى هل يجيئك ليعلمك؟
وقد يراد بالاستفهام النفي / أي: هو لا يأتيك فكيف يعلمك؟
وبالاتباع يكون الاستفهام عن الاتيان والتعليم جميعا أي فهل يعلمك؟ قال سيبويه: " تقول (لاتأتيني فتحدثني) لم ترد أن تدخل الآخر فيما دخل فيه الأول فتقول (لا تأتيني ولا تحدثني) ولكنك لما حولت المعنى عن ذلك تحول إلى الاسم كأنك قلت: ليس يكون منك اتيان فحديث (1).
وجاء في (الأصول) لابن السراج: اعلم أن الفاء عاطفة في الفعل، كما يعطف في الاسم .. فإذا قلت (زيد يقوم فيتحدث) فقد عطفت فعلا موجبًا على فعل موجب، وإذا قلت (ما يقوم فيتحدث) فقد عطفت فعلا منفيا على منفي، فمتى جئت بالفاء وخالف ما بعدها ما قبلها لم يجز ان تحمل عليه، فحيئنذ تحمل الأول على معناه، وينصب الثاني بإضمار (أن) وذلك قولك:(ما تأتيني فتكرمني) و (ما أزورك فتحدثني) لم ترد ما أزورك وما تحدثني، ولو أردت ذلك لرفعت ولكنك لما خالفت في المعنى، فصار (ما أزورك فكيف تحدثني) وما أزورك إلا لم تحدثني حمل الثاني على مصدر الأول، وأضمر (أن) كي يعطف اسمًا على اسم (2).
(1) كتاب سيبويه 1/ 418
(2)
الأصول 2/ 159، وانظر المقتضب 2/ 14 - 15
2 -
العطف وذلك إذا كان الثاني بمعنى الأول فيتبعه في إعرابه نحو: (لا تأتيني فتحدثني) أي أنت لا تأتيني فلا تحدثني، ونحو (أتأتيني فتحدثني) والمعنى: أنك تستفهم عن الاتيان والحديث (وأريد أن تأتيني فتحدثني) أي تريد الاتيان والتحديث، ونحو (لا تقم فتصرب محمدا)، أي: لاتقم ولا تضرب محمدًا، ولو نصبت لكان المعنى لا تقم لأنك أن قمت ضربته، فإذا أردت هذا المعنى نصب، (1).، ونحو (لم يدرس فينجح) أي: هو لم يدرس فلم ينجح، ولو قلت (لم يدرس فينجح) بالنصب لكان المعنى أنه لم يدرس فكيف ينجح؟
3 -
الاستئناف وحكم الفعل بعدها الرفع ومعناه يختلف عن المعنيين السابقين إذ هو على تقدير مبتدأ محذوف عندهم وذلك نحو (لا تكرم خالدا فيشتمك) أي فهو يشتمك والمعنى أنه يشتمك على كل حال أي هو قائم بشتمك، فلا تعطه ونحو (أتعطيني فأشكرك) بالرفع أي: أنا قائم بشكرك على كل حال، ولو نصبته لكان المعنى أنك أن أعطيتني شكرتك فتجعل العطاء سببا للشكر، و (أعطني فأشكرك) أي: أنا ممن يشكرك، فالشكر ثابت سواء أعطاك أم لم يعطك، ولو قلتها بالنصب لكان الشكر غير حاصل وإنما يكون بعد العطاء، ويوضح هذا أنك تقول (ما زيد قاسيا فيعطف على عبده) أي فهو لانتفاء القسوة عنه يعطف على عبده (2). ولو قلت (ما زيد قاسيا فيضرب عبده) بالنصب لكان المعنى: ليس هو قاسيا فكيف يضرب عبده أي هو لا يضربه، ولا يصح الرفع لأن المعنى سيكون ما هو قاسيا فهو يضربه دوما. وتقول:(حسبته شتمني فأثب عليه) إذا لم يقع الوثوب ومعناه:
لوشتمني لو ثبت عليه، وإن كان الوثوب قد وقع فليس إلا الرفع (3).
(1) انظر المقتضب 2/ 15
(2)
شرح شذور الذهب 370
(3)
الرد على النحاة 147
ومثله (ما تأتينا فتجهل أمرنا) أي: أنك لا تأتينا ولذا تجهل أمرنا والمقصود أنك تجهل أمرنا، ونحو (لم تقرأ فتنسى) والمعنى أنك لم تقرأ فأنت تنسي (1).
ومنه قوله:
غير أنا لم تأتنا بيقين
…
فنرجى ونكثر التأميلا
" كأنه قال فنحن نرجى، فهذا في موضع مبني على المبتدأ .. وقال:
ألم تسأل الربع القواء فينطق
…
وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق
لم يجعل سببا للآخر ولكنه جعله ينطق على كل حال كأنه قال: فهو مما ينطق كما قال (ائتني فأحدثك) فجعل نفسه ممن يحدثه على كل حال" (2).
وتقول: (أريد أن تأتيني فتشتمني) لم يرد الشتيمة ولكنه قال:
كلما أردت اتيانك شتمتني، هذا معنى كلامه فمن ثم انقطع من (أنْ)، قال رؤبة:
يريد أن يعربه فيعجبه
أي فإذا هو يعجبه (3).
ولو عطف لكان المعنى في الأول أنه يريد أن يأتيه ويشتمه.
ونحو (ما أنت بصاحبي فأكرمك) فالرفع على معنى، أنك لست بصاحبي، لكن أكرك، أي: أنت قائم بإكرامه، مع أنه ليس صاحبك
(1) المغني 2/ 480
(2)
كتاب سيبويه 1/ 419 - 422
(3)
كتاب سيبويه 1/ 430
والنصب على معى: أنك لست بصاحبي فكيف أكرمك؟ أي: أنت لا تكرمه ولا يجوز لأنه ليس قبله ما يصح عطفه عليه (1).
قال تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة} [الحج: 63]، " فإن قلت: فما له رفع، ولم ينصب جوابا للاستفهام؟
قلت: لو نصب لأعطي ما هو عكس الغرض، لأن معناه أثبات الاخضرار، فينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار، مثاله أن تقول لصاحبك: ألم تر أني أنعمت فتشكر؟ إن نصبته ناف لشكره، شاك تفريطه فيه.
وإن رفعت فأنت مثبت للشكر، وهذا وأمثاله مما يجب أن يرغب له من اتسم بالعلم في علم الاعراب وتوقير أهله (2).
فاتضح بهذا أن لكل تعبير معنى، فقولك (لم تؤده فيرهبك) بالجزم معناه أنك لم تؤده فلم يرهبك، فالفعلان منفيان ماضيان في المعنى. وبالنصب، معناه أنك لم تؤذه، فكيف يرهبك؟ أي ليس ثة سبب لرهبتك فإنك لم تؤذه. وبالرفع معناه انك لم تؤذه وهو مع ذلك يرهبك أي هو يرهبك على كل حال.
وقد يدل الاستئناف على السبب قليلا نحو قوله:
فلقد تركت صبية مرحومة
…
لم تدر ما جزع عليك فتجزه
أي لو عرفت الجزع لجزعت، ولكنها لم تعرفه فلم تجزع، وهذا أحد وجهي النصب وهو انتفاء الثاني لانتفاء الأول (3). وكقوله تعالى:{ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [المرسلات: 36]، فهذا يحتمل السبب.
(1) انظر المقتضب 2/ 17
(2)
الكشاف 2/ 354
(3)
المغنى 2/ 480، وانظر شرح الرضي 2/ 272 - 274 - 275