الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاف
الكاف تفيد التشبيه نحو: (هو كالبحر جودًا) وهي (كالبدر)، وما ذكر لها من معان أخرى ترجع في حقيقتها إلى معنى التشبيه. فما ذكر لها من معان:
التعليل: واستدل مثبتو ذلك بقوله تعالى: {واذكروه كما هداكم} [البقرة: 198] قالوا أي لهدايته إياكم، وأنكره الأكثرون (1).
وهي للتشبيه فيما أرى، ونحن نستعمل مثل هذا التعبير في كلامنا الدارج فنقول (أحسن إلى فلان مثلما أحسن إليك) و (اصنع له خيرا مثل ما صنع إليك) و (اذكره مثلما ذكرك) أي اصنع مثل فعله، وقابله بمثل ما فعل، واعمل مشابهًا لعمله، ونحو ذلك.
والاستعلاء: مثل قولهم: (كن كما أنت) والمعنى كن على ما أنت عليه. وكونها للتشبيه ظاهر، أي كن مثلما أنت عليه الآن لا تغير، أي لتشبه حالتك في المستقبل حالتك الآن (2).
وزائدة تفيد التوكيد، وجعلوا منه قوله تعالى:{ليس كمثله شيء} [الشوري: 11]، قال الأكثرون:" التقدير ليس شيء مثله إذ لو لم تقدر زائدة صار المعنى ليس شيء مثل مثله فيلزم المحال، وهو إثبات المثل، وإنما زيدت لتوكيد نفي المثل"(3).
وجاء في (شرح الرضي على الكافية) أنه" يحكم بزيادتها عند دخولها على (مثل) في نحو (ليس كمثله شيء) أو دخول مثل عليه كقوله (فأصبحوا مثل كعصف مأكول) إذ الغض أنه لا يشبه بالمشبه، فلا بد من زيادة إحدى أداتي التشبيه، وزيادة ما هو حرف أولى (4).
(1) المغني 1/ 176
(2)
المغني 1/ 176، وانظر حاشية الصبان 2/ 225
(3)
المغني 1/ 179، وانظر لسان العرب 14/ 132، المقتضب 4/ 418
(4)
شرح الرضي 2/ 380
وذهب قوم إلى أنها ليست زائدة في قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} بل هي نفي الشيء بنفي ملازمه، كقولهم (على لا حب لا يهتدى بمناره) أي ليس له منار فيهتدى به وليس معناه أن له منارا لا يهتدى به، وقولهم:(ولا ترى الضب بها ينجحر) أي ليس بها ضب فينجحر، وعلى هذا يكون معنى الآية: ليس له مثل فيشبه به، جاء في (شرح الرضي على الكافية): ويجوز في قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} أن لا يحكم بزيادة الكاف، بل تكون على طريقة قوله:(ولا ترى الضب بها ينجحر) وقولك: (ليس لأخي زيد أخ) أعني نفي الشيء بنفي لازمه، لأن نفي اللازم يستلزم نفي الملزوم، فأخو زيد ملزوم والأخ لازمه لأنه لابد لأخي زيد من أخ هو زيد، فنفيت هذا اللازم، والمراد نفي الملزوم أي ليس لزيد أخ، إذ لو كان أخ لكان لذلك الأخ أخ، هو زيد، فكذا ههنا نفيت أن يكون لمثل الله مثل، والمراد نفي مثله تعالى، إذ لو كان له مثل، لكان هو تعالى مثله (1).
وذهب قوم في تخريج الآية الى تلمس فرق بين كاف التشبيه ومثل.
جاء في (الفروق اللغوية): الفرق بين كاف التشبيه وبين المثل، أن الشيء يشبه بالشيء من وجه واحد لا يكون مثله في الحقيقة، إلا إذا أشبهه من جميع الوجوه لذاته، فكان قوله تعالى لما قال {ليس كمثله شيء} أفاد أنه لا شبه له ولا مثل، ولو كان قوله تعالى:{ليس كمثله شيء} ، نفيا أن يكون لمثله مثيل لكان قولنا (ليس كمثل زيد رجل) مناقضة، لأن زيدًا مثل من هو مثله، والتشبيه بالكاف يفيد تشبيه الصفات بعضها ببعض وبالمثل يفيد تشبيه الذوات بعضها ببعض، تقول (ليس كزيد رجل) أي في بعض صفاته لأنه كل أحد مثله في الذات، وفلان كالأسد في الشجاعة دون الهيئة، وغيرها من صفاته. وتقول السواد عرض كالبياض ولا تقول مثل البياض (2).
(1) شرح الرضي 2/ 380 - 381
(2)
الفروق اللغوية 128
ويبدو أن كلام أبي هلال ليس دقيقا، فالتشبيه بمثل يكون في الذات والصفات فإنك تقول:(ليس مثل المتنبي شاعر) ولا شك أن كل الشعراء مثله في ذاته، وتقول: ليس كالمتنبي شاعر. والعرب تقول هي مثل الشمس، ومثل البدر. قال الشاعر:
مه عاذلي فهائمًا لن أبرحا
…
بمثل أو أحسن من شمس الضحى.
ولا شك أن ذات الإنسان لا تماثل ذات الشمس، وإنما هو تشبيه بصفة الحسن والجمال. غير أن التشبيه بمثل أقرب من الكاف فقولك (هي مثل البدر) أقرب في الشبه من (هي كالبدر) لأنك في الأولى تدعى المماثلة، والمماثلة أقرب من عموم الشبه.
وعلى هذا يمكن أن يقال إنه جاء بالكاف ومثل، لنفي المماثلة والشبه كليهما ولو جاء بالكاف وحده لكان نفيا للمشابهة فقط، ولو جاء بمثل لكان نفيا للمماثلة فجاء بهما لنفي المشابهة القريبة والبعيدة.
والذي يبدو لي أن الكاف ليس زائدة، بل هي على معناها، وإيضاح ذلك أنك تقول (هي مثل البدر) و (هي كمثل البدر) فقولك (هي مثل البدر) أقرب في الشبه إلى البدر من كمثل البدر، وذلك لمجيئك في الثانية بأداتي تشبيه: الكاف ومثل، وإذا حذفت أداة التشبيه كان الشبه أقرب. فلو قلت (هي البدر) لكان أقرب كما هو معلوم لأنك تدعي أنها البدر وليست شبيهة به.
فقولك (هي البدر) أقرب في الشبه من (هي كالبدر أو مثل البدر).
وقولك (هي مثل البدر) أقرب إلى الشبه من قولك (هي كمثل البدر) فإنك في الأخيرة أبعده الشبه بذكر أداتين للتشبيه، فلو قال تعال (ليس مثله شيء) لكان ينفي ذا الشبه القريب أو المثل القريب. ولكنه قال (ليس كمثله شيء) مريدًا بذلك نفي المشابهة ولو من وجه بعيد على معنى أنه لا يشبهه شيء ولو من وجه بعيد.
ولا يقال إن ذلك يثبت المثل فإننا نقول في كلامنا (ليس كمثل خالد رجل) على معنى لا يشبهه رجل، ولو كان ذلك يثبت المثل، لكان قولنا متناقضا، كما قال أبو هلال العسكري لأن خالدا مثل من يشبهه، فكيف ننفي وجود مثله وهو موجود؟
وإنما الأمر كما ذكرنا والله أعلم، أراد بذلك نفي الشبه من جميع الوجوه، ولو كان من وجه بعيد.
وأما قول الرضي إنه يحكم بزيادتها عند دخولها على (مثل) أو دخول (مثل) عليها فليس الأمر فيه كما ذكر، وإنما هو لقصد تبعيد المشبه عن المشبه به.
ونحوه ما ذكر في قول الشاعر (فأصبحوا مثل كعصف مأكول) فإن الكاف فيهل يست زائدة، وإنما تشبيه بمشبه وإيضاح ذلك - إذا لم نقل إنه جاء بالكاف ومثل لإقامة الوزن - أنه لم يرد أن يقول (فأصبحوا مثل عصف مأكول) وإنما يريد أن يشبههم بحالة من شبه بالعصف المأكول، وهم أصحاب الفيل، فأصحاب الفيل كما أخبر ربنا جعلهم كعصف مأكول، وحالة هؤلاء الذين ذكرهم الشاعر أصبحت كحالة أولئك فقال (مثل كصعف مأكول).
وجعلوا من زيادتها قول الشاعر (لواحق الأقراب فيها كالمقق)(1).
والمقق هو الطول لأنا نقول فيها طول ولا نقول: فيها كالطول، وهذه الزيادة سماعية عند النحاة. والذي أراه أنها ليست زائدة بل هي على معناها أيضا، ونحن نستعمل هذا في لغتنا الدارجة فنقول: هذا القميص بيه مثل الطول وأرى بيه مثل القصر، والمعنى أنه ليس فيه طول واضح أو قصر واضح، وإنما هو كأنما فيه طول.
(1) شرح الرضي على الكافية 2/ 380