الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء فيه في قوله تعالى: {وتالله لأكيدن أصنامكم} [الأنبياء: 57]: " إن التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب كأنه تعجب من تسهيل الكيد على يده، وتأتيه، لأن ذلك كان امرًا مقنوطا منه لصعوبته وتعذره"(1).
وللقسم موطن خاص يعالج فيه بإذن الله
حتى
حتى حرف غاية وتكون حرف جر، ومجرورها على ضربين:
الضرب الأول: أن يكون مجرورها داخلا في حكم ما قبلها، أي يكون مشاركًا لما قبلها في الحك، كقولك (ضربت القوم حتى خالد) فخالد مضروب، وكقولك (قرأت القرآن حتى سورة الناس) فسورة الناس مقروءة، وهي هنا بمعنى العاطفة، ولذا يصح العطف بها فتقول (ضربت القوم حتى خالدًا) و (قرأت القرآن حتى سورة الناس) بالنصب.
والضرب الثاني: أن لا يكون مجرورها داخلا في حكم ما قبلها، بل ينتهي الأمر عنده كأن تقول (صمت رمضان حتى يوم الفطر) فيوم الفطر ليس داخلا في الصوم، بل انتهى الأمر عنده، وهذا الضرب لا يجوز فيه العطف، فلا تقول (صمت رمضان حتى يوم الفطر) لأنه لم يشاركه في الحكم فكيف تعطفه عليه (2).
وأكثر ما يكون مجرورها مذكورا لتحقير أو تعظيم، أو قوة أضعف، فقولك مثلا (ضربت القوم حتى خالد) لابد فيه أن يكون خالد أرفعهم أو أوضعهم، وإلا فلا معنى لذكره، جاء في (الأصول) وإنما يذكر - يعني مجرورها - لتحقير أو تعظيم، أو قوة أو ضعف، وذلك قولك (ضربت القوم حتى زيد) فزيد من القوم وانتهى الضرب به، فهو مضروب مفعول، ولا يخلو أن يكون أحقر من ضربت، أو أعظمهم شأنا، وإلا فلا معنى لذكره (3).
(1) الكشاف 2/ 331
(2)
انظر الأصول 1/ 516 - 519
(3)
الأصول 1/ 516، وانظر شرح ابن يعيش 8/ 16
فإن لم يكن مجرورها كذلك، أي لا يفيد تعظيما أو تحقيرًا وجب كونه آخر الاجزاء حسا أو ملاقيًا له (1).، وذلك قولك (قرأت القرآن حتى سورة الناس) فسورة الناس آخر القرآن وهي آخر ما قرأ، و (صمت رمضان حتى يوم الفطر) يوم الفطر ملاق للآخر.
وهي حرف غاية، إلا ان استعمالها في الغاية يختلف عن (إلى) فإن (إلى) أمكن (2). في الغاية من (حتى) وأعم، وإيضاح ذلك أن (إلى) تستعمل لعموم الغايات، سواء كانت آخر جزء من الشيء أم لا، فتقول:(نمت إلى آخر الليل، ونمت إلى الصباح، ونمت إلى ثلث الليل، ونمت إلى منتصب الليل) وقرأت الكتاب إلى آخره، وقرأته إلى نصفه، وقراته إلى ثلثه).
وأما (حتى) فلا تستعمل إلا لما كان آخرا أو متصلا به، فتقول:(نمت حتى آخر الليل) و (نمت حتى الصباح) لأن آخر الليل هو آخر جزء من الليل، والصباح ملاق لآخره، أي متصل بآخره، ولا يجوز أن تقلو (نمت حتى منتصف الليل) و (نمت حتى ثلثه) لأن منتصف الليل ليس آخر الليل وكذلك ثلثه. فـ (حتى) تستعمل غاية لآخر الأمر، ولفظها يوحي بهذا المعنى، فإن لفظها يبدو أنها من (الحت) ومعنى (الحت) الاستئصال والإزالة والخلوص إلى النهاية، أي الوصول إلى نهاية الأمر، جاء في (لسان العرب) الحت فركك الشيء اليابس عن الثوب ونحوه، يحته حتا فركه وقشره فانحت وتحات .. وفي الحديث أنه قال لامرأة سألته عن الدم يصيب ثوبها فقال: حتيه ولو بضلع، معناه حكيه وأزيليه .. والحت والقشر سواء .. قال شمر:(تركتهم حتا فتا بتا) إذا استأصلتهم .. وحت الله ما له حتا، أذهبه فأفقره على المثل ..
وقال بعضهم: (حتى)(فَعْلَى) من الحتّ وهو الفراغ من الشيء، مثل (شتى) من الشت. قال الأزهري: وليس هذا القول مما يعرج عليه، لأنها لو كانت فعلى من الحت كانت الإمالة جائزة، ولكنها حرف أداة، وليست باسم ولا فعل.
(1) انظر شرح الرضي على الكافية 2/ 361
(2)
الهمع 2/ 22
وقال الجوهري: حتى فعلى (1).
أما قول الأزهري أنها لو كانت (فَعلى) من الحث كانت الأمالة جائزة فهو مردود، فإن أمالتها محكية (2).، ويمكن أن يقال إنها أخذت من الحت فجمدتـ، فكانت حرفا أو كالحرف فلا تمال، وواضح أن بين اللفظتين (حتى) والحت تقاربا لفظيا ومعنويا.
ويترجح عندي أنها من لفظ الحث ثم جمدت، مثل على اصلها من لفظ العلو ثم جمدت.
والاختلاف الآخر بين استعمال (إلى) و (حتى) في الغاية، أن (حتى) تفيد تقضي الفعل قبلها شيئا فشيئا إلى الغاية - وهذا معنى الحت - و (إلى) ليست كذلك ولذا يجوز أن تقول (كتبت إلى زيد) ولا يجوز أن تقول:(كتبت حتى زيد)(3)، لأن الكتابة لا تنقضي شيئا فشيئا حتى تصل إلى زيد، ويقال: أنا إلى عمرو ولا يقال: أنا حتى عمرو، لما ذكرنا (4).
والاختلاف الآخر بينهما أن (حتى) لا يقابل بها ابتداء الغاية، يقال (سرت من البصرة حتى الكوفة) بل يقال: إلى الكوفة، قالوا: وذلك لضعف (حتى) في الغاية (5).
فـ (إلى) أوسع وأعم في استعمال الغاية من (حتى) ولذا تستعمل في عموم الغايات بخلاف (حتى). جاء في (كتاب سيبويه): ويقول الرجل: إنما أنا إليك، أي أنما أنت غايتي ولا تكون (حتى) ههنا فهذا أمر (إلى) وأصله وإن اتسعت.
وهي أعم في الكلام من (حتى) تقول: (قمت إليه) فجعلته منتهاك من مكانك ولا تقول: حتاه (6).
(1) لسان العرب 2/ 326 - 328
(2)
الهمع 2/ 23، شرح الأشموني 4/ 232، حاشية الخضري 2/ 182
(3)
المغنى 1/ 124، وانظر الهمع 2/ 22
(4)
المغنى 1/ 124
(5)
المغنى 1/ 124، الهمع 2/ 22، 23
(6)
كتاب سيبويه: 2/ 310