الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالذي يبدو أن قولهم (كان ذلك على عهده) معناه أن الحدث مختص بأمر من أمور الدولة، أو بما هو من شأنها، كأن تقول (جمع المصحف على عهد أبي بكر) و (بنيت البصرة على عهد عمر) و (فتحت عمورية على عهد المعتصم) كأن العهد حمل هذه الاعمال، وقام بها، ولا تقول (بنيت دارا على عهد الواثق) ولا (سافرت إلى البصرة على عهد المتوكل) لأن ذلك ليس من شأن الدولة.
وأما (في) فهي لعموم الظرفية، فتقول:(بنيت دارا في زمن المتوكل) و (تزوجت في عهد فلان) و (انتصر الروم على الفرس في عهد الرسول وفي زمن الرسول) لأن الحدث ثم في ذلك الوقت، ولا تقول على عهده لأنه لم يفعله وهو ليس من شأن حكومته صلى الله عليه وسلم. فإن عهده لم يتحمل هذه المسألة.
فـ (على) للاستعلاء وذلك أنها تفيد أن الحكم إضطلاع بالأمر أو هو من شأنه أن يفعله والله أعلم.
زيادة (ما)
تزاد ما بعد طائفة من حروف الجر، وزيادتها على ضربين:
1 -
كافة عن الجر نحو: ربما سعيت إلى حتفك وأنت لا تعلم.
2 -
غير كافة، نحو قوله تعالى:{عما قليل ليصبحن نادمين} [المؤمنون: 40].
ما الكافة
.
وتدخل على رب والكاف، ونحو قوله تعالى:{ربما يود الذين كفروا لو كان مسلمين} [الحجر: 2]، ونحو (كن كما أنت) ونحو قوله:
وأعلم أنني وأبا حميد
…
كما النشوان والرجل الحليم.
وقوله:
أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد
…
كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه (1).
ونحو قوله صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) وهي في الحديث ليست مصدرية فإنه لم يقع التشبيه بالرؤية، وأنت لو صرحت بالمصدر ههنا، لم يكن كلاما صحيحا فإنه لو قيل: صلوا كرؤيتكم صلاتي، لم يكن مطابقًا للمعنى المقصود (2).
ونحو قوله تعالى: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} [الأعراف: 138]، قيل: وقد تدخل على (من) والباء نحو (إني مما افعل ذاك) ونحو قوله:
وإنا لما نضرب الكبش ضربة
…
على رأسه تلقي اللسان من الفم
وقوله:
فلئن صرت لا تحير جوابا
…
ليما قد ترى وأنت خطيب
ويحتملان غير ذلك (3).
والغرض من زيادة (ما) هذه أن تهيء الحرف للدخول على ما لم يكن يدخل عليه فيدخل على الأفعال وعلى الجمل الإسمية، فهي توسع دائرة استعمال الحرف، بعد أن كان منحصرًا في دائرة معينة، ف (رب) مثلا مختصة بالأسماء الظاهرة النكرة، فإذا دخلت عليها (ما) هذه وسعت دائرة استعمالها، فأصبحت تدخل على الأسماء الظاهرة والمضمرة، على النكرات والمعارف، على الأفعال والأسماء تقول (رب كلمة تهوي بصاحبها في النار) ولا يصح أن نقول (رب الكلمة) ولا (رب تهوى) فإن أدخلت عليها (ما) هذه صح كل ذلك فتقول:(ربما ألقت الكلمة صاحبها في النار) و (ربما الكلمة عادت على صاحبها بالوبال)، قال الشاعر:
(1) المغني 1/ 178، 309
(2)
بدائع الفوائد 1/ 144
(3)
انظر كتاب سيبويه 1/ 476، المغني 1/ 310
ربما الجامل المؤبل فيهم
…
وعتاجيج بينهن المهار
فقد وسعت (ما) معنى التقليل والتكثير في (رب)، وقد التفت القدامى إلى وظيفة (ما) هذه جاء في تفسير الرازي، والنحويون يسمون ما، هذه الكافة يريدون أنها بدخولها كفت الحرف عن العمل الذي كان له، وإذا حصل هذا الكف فحينئذ تتهيأ للدخول على ما لم تكن تدخل عليه، ألا ترى أن (رب) إنما تدخل على الاسم المفرد نحو (رب رجل يقول ذاك) ولا تدخل على الفعل فلما دخلت (ما) عليها هيأتها للدخول على الفعل كهذه الآية (1). يعني قوله تعالى:{ربما يود الذين كفروا} [الحجر: 2].
وجاء في (لسان العرب) /: والفرق بين ربما، ورب، أن رب لا يليه غير الاسم، وأما ربما فإنه زيدت ما مع رب ليليها الفعل، تقول رب رجل جاءني، وربما جاءني زيد، ورب يوم بكرت فيه، ورب خمرة شربتها، ويقال ربما جاءني فلان، وربما حضرني زيد (2).
وجاء في شرح الكافية للرضي: وأما ما التي بعد رب، .. فهي تكفها عن العمل فلا تطلب متعلقا. وتبقي رب للتقليل، أي لتقليل النسبة التي في الجملة الواقعة بعدها (3).
ومثلها الكاف فإن الكاف لتشبيه مفرد بمفرد ظاهر، فتقول (هو كالبحر) وهي كاللؤلؤة، ولا تدخل على المضمر، ولا على فعل، فإن جئت بـ ما اتسع التشبيه بها، وصارت تدخل على الظاهر والمضمر، وعلى الأسماء والأفعال، وتستعمل لتشبيه مفرد بمفرد، ولتشبيه مضمون جملة بأخرى (4). وذلك نحو (كن كما أنت) فقد دخلت على
(1) التفسير الكبير 19/ 152، وانظر المغنى 1/ 137، جواهر الأدب 219، بدائع الفوائد 1/ 144
(2)
لسان العرب 1/ 393
(3)
شرح الرضي 2/ 381 - 382
(4)
انظر شرح الرضي 2/ 381
الضمير، ونحو (كما تكونون يولي عليكم) و (صلوا كما رأيتموني أصلي) و {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} [الأعراف: 138]، فقد وسعت ما دائرة التشبيه بالكاف.
وقيل إن كما تفيد التشبيه والمماثلة الحقيقية، بخلاف كأن، تقول:(اضربه كما ضربك) والمعنى اضره ضربا مماثلا لضربه لك، بخلاف قولك (اضربه كأن قد ضربك) فإنه لا يفيد أنه ضربك، وتقول (إمدحه كما مدحك) والمعنى إمدحه مدحا مماثلا لمدحه لك، والمعنى أنه مدحك، ولو قلت (امدحه كأنه مدحك) لكان المعنى أنه لم يمدحك جاء في التطور النحوي: وكأن وكأن تفيدان فرض كون الشيء غير ما هو عليه في الحقيقة، وكما تفيد التشبيه والتمثيل الحقيقي، مثال ذلك {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة} [الأعراف: 171]، والجبل لم يكن ظلة أو مثل ظلة، بل كان ضدها في المتانة والرسو، والمعنى لو كان الجبل كظلة، لكان نتفه، ورفعه، وزلزلته، قريبا من الاحتمال فلأنه لم يكن كظلة، كان نتفه من المعجزات.
وكما مثل (آمنا كما آمن الناس) يعني إيماننا مثل إيمانهم (1). وذكروا كما معاني أخرى غير هذه منها:
المبادرة نحو (سلم كما تدخل) أي بادر الدخول بالسلام، نحو:(صل كما يدخل الوقت) بمعنى بادر بالصلاة عند دخول الوقت.
ومنها أن تكون بمعنى قران الفعلين في الوجود نحو قولك: (كما قام زيد قعد عمرو) فقد اقترن الفعلان في الوجود وفيها معنى المبادرة.
قالوا: وقد تكون بمعنى (لعل) نحو (انتظرني كما آتيك) أي: لعلما آتيك، قال رؤية، لا تشتم الناس كما لا تشتم، فيكون قد تغير معنى الكلمة بالتركيب (2).
(1) التطور النحوي 127
(2)
انظر شرح الرضي على الكافية 2/ 381، المغني 1/ 179