المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الكريديس: بإسكان الكاف في أوله فراء مفتوحة فياء ساكنة أولى فدال - معجم أسر بريدة - جـ ١٨

[محمد بن ناصر العبودي]

فهرس الكتاب

- ‌باب القاف

- ‌القَاسم:

- ‌القاسم:

- ‌القاسم:

- ‌القَبَّاع:

- ‌القبلان:

- ‌القُبْلان:

- ‌القْبَيشي:

- ‌القحطاني:

- ‌القحطاني:

- ‌القِدْماني:

- ‌القِرْبان:

- ‌القَرْزِعِي:

- ‌القرَعاوي:

- ‌الشيخ صالح القرعاوي في ذمة الله:

- ‌الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن عثمان القرعاوي:

- ‌ عبد الله بن صالح القرعاوي

- ‌القِرْعيط:

- ‌القِرْعيط:

- ‌القْرَيَّاني:

- ‌القريشي:

- ‌القريعان:

- ‌القْرَيري:

- ‌القُسُومي:

- ‌خط عبد الرحمن بن حمد القسومي:

- ‌القْصَيِّر:

- ‌وثائق للقصيِّر:

- ‌أسرة الحميدي بن حمد:

- ‌ القصيِّر

- ‌القصيمي:

- ‌والد القصيمي:

- ‌من الصعيدي إلى القصيمي:

- ‌ابن يابس والقصيمي:

- ‌مقابلة القصيمي:

- ‌مات القصيمي فيلسوف العبث المتمرد:

- ‌أبرز مؤلفات القصيمي:

- ‌أسرار المفكر الغامض:

- ‌فكر القصيمي وكيفية تطوره:

- ‌أطوار حياته الفكرية:

- ‌الطور الأول طور الثقافة الأزهرية والعقيدة الوهابية:

- ‌ الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم:

- ‌ البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية:

- ‌ نقد كتاب (حياة محمد):

- ‌ الصراع بين الإسلام والوثنية:

- ‌أسلوبه التعبيري:

- ‌الطور الثاني: طور التحرر الفكري:

- ‌إيمانه بالتطور:

- ‌الإيمان بالإنسانية:

- ‌تعليم الفتاة:

- ‌رأيه في الاختلاط:

- ‌مشكلة التوكل:

- ‌الديانات وتعويق المجتمعات:

- ‌الإيمان بالآخرة وتعطيل الحياة:

- ‌الكتب الموروثة وتقديس القدماء:

- ‌معجزات النبوة بين الإيمان والإنكار:

- ‌المشكلة التي لم تحل:

- ‌أسلوبه التعبيري:

- ‌الطور الثالث: طور الانفجار:

- ‌الثورة على العقيدة:

- ‌من القول بالتطور إلى القول بالطاقة:

- ‌العرب بين الطاقة والظروف:

- ‌ملامح وسمات وتأثرات:

- ‌الجدل والحجاج المفحم:

- ‌القلق والإقلاق:

- ‌اللاهدفية:

- ‌أسلوبه التعبيري:

- ‌مؤلفات القصيمي:

- ‌كتب المرحلة الأولى:

- ‌كتب المرحلة الثانية:

- ‌كتب المرحلة الثالثة:

- ‌دراسات صدرت عن القصيمي:

- ‌أقوال عن القصيمي:

- ‌شبه القصيمي:

- ‌القضيبي:

- ‌تعليق على الوثيقة:

- ‌القِطن:

- ‌القْطَيشي:

- ‌القِعَّدي:

- ‌القْعَيِّد:

- ‌القْعَير:

- ‌القْعَيِّمي:

- ‌القِفَاري:

- ‌القْفَيْدي:

- ‌ القفيدي

- ‌القُلُوص:

- ‌القِلَّيش:

- ‌القَنَّاص:

- ‌القناعي:

- ‌القنبر:

- ‌القْنَيْصي:

- ‌القنيعان:

- ‌القْنَيْ:

- ‌القَوْم:

- ‌القُوسي:

- ‌القُوطي:

- ‌القويع:

- ‌القويفل:

- ‌القْهَيْدان:

- ‌القْهَيْلي:

- ‌القَيْظي:

- ‌القيعاني:

- ‌باب الكاف

- ‌الكبريت

- ‌الكبريش:

- ‌الكْبَيِّر:

- ‌الكَرْدا:

- ‌الكريديس:

- ‌خط الشيخ ابن كريديس:

- ‌العلامة الشيخ صالح الإبراهيم بن سالم بن كريديس:

- ‌الشيخ صالح بن إبراهيم بن سالم بن كريديس (1292 هـ - 1360 ه

- ‌الكْرَيْديس:

- ‌الكْرَيدا:

- ‌الكْلَيَّه:

- ‌الكليفيخ:

- ‌الكنعان:

- ‌الكويري:

- ‌الكوَيْس:

- ‌الكْوَيك:

- ‌باب اللام

- ‌اللَّاحِم:

- ‌اللَّافي:

- ‌اللَّافي:

- ‌اللبيدان:

- ‌اللحيدان:

- ‌اللمَيْع:

- ‌اللُّويث:

- ‌اللويحان:

- ‌اللَّهَيْب:

- ‌حمد بن محمد بن سليمان اللهيب (1305 - 1410 ه

- ‌أحمد اللهيب يقدم الشعر بردًا وسلامًا:

- ‌عزف كلاسيكي على نبع حزين:

- ‌اللهيمي:

- ‌اللِّيفة:

- ‌الليلي:

الفصل: ‌ ‌الكريديس: بإسكان الكاف في أوله فراء مفتوحة فياء ساكنة أولى فدال

‌الكريديس:

بإسكان الكاف في أوله فراء مفتوحة فياء ساكنة أولى فدال مكسورة ثم ياء ثانية ساكنة بعدها سين في آخره.

على صيغة تصغير الكردوس الذي هو الجماعة من الخيل وأكثر ما يطلق ذلك على جماعة الخيل في الحرب.

أسرة صغيرة من أهل بريدة جاءوا في وقت قريب إلى بريدة من البكيرية.

وأصلهم من اليحيى أمراء النبهانية في القديم والحديث، والذي أعرفه أنهم أبناء عم للطاسان أو هكذا سمعته.

ص: 304

منهم شيخنا الشيخ صالح بن إبراهيم بن سالم الكريديس كان إمام مسجد ابن شريدة في شمال بريدة وهو المسجد الذي نصلي فيه لأنه قريب من بيتنا، لا نعرف تاريخ ولادته ولكنه عندما توفي في 12 ذي الحجة عام 1359 هـ كان في سن الثمانين.

وكانت له حلقة في هذا المسجد تضم عددًا من الطلاب المختلفة أعمارهم بعضهم يجوِّد عليه القرآن وبعضهم يقرأ عليه الحديث وبعضهم يدرِّسه النحو.

ومنهم خالي إبراهيم بن موسى العضيب ومحمد الرويسان وإبراهيم بن صالح الصايغ، وخالي صالح بن موسى العضيب، مع أنه طالب علم مجيد، وعبد الرحمن بن صالح الحصان.

وقد رغب إليه والدي في أن أقرأ عليه في الدرس الذي يراه وكنت آنذاك في الثالثة عشرة من عمري، ولكن والدي كان حريصًا على أن أطلب العلم، فطلب مني الشيخ ابن كريديس أو نصحني أن يكون درسي في (الأربعين النووية) للإمام النووي فكان يأمرني بحفظ الحديث ثم يشرحه لي وذلك في المسجد بحضور جماعته الحريصين على مجالس الذكر والاستماع إلى الفوائد العلمية، ومنهم والدي رحمه الله.

وكان إلى جانب ما هو معهود من المشايخ من طلبة العلم الذين كان أكثر تعليمهم لطلابهم أن يقرعوا الكتب قراءة صحيحة أي أن يصححوا أخطاءهم كان يشرح الحديث، ويأتي بفوائد علمية بلغة فصيحة، إلا أنه كان في بعض الأحيان يأتي بكلمات عامية توضح للطلبة المعنى إذا لم يفهموه وبخاصة أنه كان يحضر مجلسه بعض العوام الذين يريدون أن يفهموا الدرس في المسجد.

بدأت القراءة عليه فكانت قراءتي عليه فتحًا عظيمًا بالنسبة إليَّ.

كانت سني آنذاك ثلاث عشرة سنة إلا أن كون الدرس في مسجدنا

ص: 305

ويحضره خالي ويستمع إليه أبي وعلى شيخ قريب منا جعلني أقاوم التهيب الذي كان هو طابع علاقة الصبيان والفتيان بكبار القوم على وجه العموم، وبالمشايخ وطلبة العلم على وجه الخصوص.

والأهم من ذلك في نفسي حينما كنت صغيرًا أنه كان يشجعني على القراءة، وكان يثني علي إجادتي للعبارات، وكان يذكر ذلك لوالدي رحمه الله فيبتهج به، ويذكره لي.

وأذكر أن والدي قابله مرة فسأله وأنا أسمع قائلا:

وش لون الحميدي - تصغير محمد - يقصدني - يا المطوع عسى قرايته زينة؟

ولم يخاطبه بكلمة شيخ لأن الناس في ذلك الوقت لم يتعودوا على إطلاق كلمة شيخ إلَّا على قاضي البلد أو من كان قد تولى القضاء.

فكان جوابه أن قال:

يا أبو محمد، حنا نستفيد من محمد الله يصلحه.

وكان يقصد بذلك أنه وقد ضعف بصره لطول عمره يستفيد ممن يقرأ عليه الكتب لأنه يسمعه ما يود سماعه منها عن طريق قراءته.

وكان هذا قولًا فوجئ به والدي لأنه كان يظن من قبل أن (المطوع) سيمن علينا بجلوسه لنا للقراءة، ولكن هكذا أخلاق العلماء.

كان الشيخ صالح الكريديس حافظًا لكتاب الله تعالى مجودًا لتلاوته حفظ عليه القرآن طائفة من أهل العلم في شمال بريدة حيث كان يسكن.

وكان يصلي في رمضان تاليًا القرآن الكريم في سنوات نشاطه حفظًا عن ظهر قلب، ثلاث ختمات في شهر رمضان، وليس ختمتين كما يفعل أكثر أئمة المساجد في ذلك الحين.

ص: 306

وكان إلى ذلك يفتي في المسائل الصغيرة ويقنع أهل ناحيته من البلد بفتياه.

حدثني سليمان بن علي المقبل أنه رآه جالسًا قبل وقعة السبلة بجانب الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله ليس بينهما أحد، وكان الملك عبد العزيز يسميه الشيخ صالح، ويجله ويحترمه.

وكان الشيخ صالح بن كريديس من الذين وقفوا بقوة ضد الأعراب والمغالين في التدين الذين كانوا يسمون الإخوان، لأنهم كانوا يقولون في الإعتزاء، إنا إخو من طاع الله، بديلة مما كان الناس غير المتدينين يقولونه مثل قولهم: أنا أخو فلان، أو أنا أخو فلانة، أو أنا ولد فلان.

وقد آل أمرهم إلى أن وقفوا ضد الملك عبد العزيز آل سعود، بل حاربوه على اعتبار أنه في عرفهم قد تساهل بحكم الدين، واتصل بالكفار من الإنكليز، وسمح بالتيل وهو البرقية، بأن يوجد في بلاد المسلمين.

إلى أن أفضى بهم الأمر وبالملك عبد العزيز آل سعود إلى الحرب فكانت وقعة السبلة قرب الزلفي التي قضى فيها الملك عبد العزيز على قوتهم قضاء مبرمًا وذلك في عام 1347 هـ.

فكان الشيخ صالح بن كريديس قبل ذلك يدعو عليهم في القنوت في رمضان مثل قوله: اللهم اقتلهم بددًا وأحصهم عددًا، ولا تبق منهم أحدًا.

بل كان الشيخ صالح الكريديس من أشد طلبة العلم قيامًا على أولئك الأعراب الذين أسموا أنفسهم الإخوان وخرجوا على الملك عبد العزيز آل سعود وأنكروا على المشايخ الذين والوه من آل سليم وغيرهم، وكان ينكر عليهم ويظهر ذلك حتى إبان قوتهم.

وكان أيضًا شديد الإنكار على طلبة العلم الذين ناصروهم مثل عبد الله (أبو حماد) الرسي، وجماعة كانوا معروفين آنذاك.

ص: 307

والشيخ صالح بن كريديس صاحب نكت وطرائف يمزج ما بين النكت عند العامة والنكت عند طلبة العلم، فكان مرحًا لا يخلو مجلسه من طرف مستملحة، أو فائدة علمية مستطرفة إلى جانب كونه ورعًا عفيفًا عن فضلات الدنيا لم يتول وظيفة ولا وصله شيء مقرر مما كان يصل إلى القضاة مثل ما كان يسمى بالبروة - جمعها براوي - وهي مقرر سنوي من التمر والقمح، وإنما كان صاحب دكان يبيع ويشتري ويكتفي بما يصل إليه منه.

وكان سعيه مباركًا، إذ كان يعيش عيشة ميسورة جيدة.

ومن النكت المروية عن الشيخ صالح بن كريديس في هذا الصدد وهي لا تستغرب على طبعه المرح إلَّا أنه أخرجها مخرج الجد ما حدثني به بعض جيران له في حانوته في شرقي جردة بريدة حيث كان يشتغل بالتجارة فيه وأكثر التجارة في الجردة في ذلك الوقت كانت مع البدو، قالوا: جاء أربعة من الإخوان البدو في وقت صولتهم وقوة شوكتهم يسألون في الجردة عن (مطوع) يعقد لهم الزواج فدلهم بعض جيرانه الذين يعرفون بغضه لهؤلاء وإنكاره عليهم على دكانه وقالوا لهم: هذا هو المطوع صالح، ولكنه مطوع ورع لا يحب أن يقوم بمثل هذا العمل، فإذا اعتذر إليكم بأنه لا يعرف فكرروا عليه وألزموه.

قالوا: فلما دخلوا عليه وكان في أقصى دكانه وعليهم عمائمهم الكبيرة قالوا: يا المطوع (نبيك تملك لنا).

فلم ير في أول الأمر أن الحكمة تكون في مجابهتهم في الرد بالإقناع المباشر، لذلك قال لهم:(يا الربع)، أنا تخفاني بعض الأمور دوروا غيري.

قالوا (ما نبي غيرك يا المطوع) يقولون ذلك بعنف وشدة على عادة أهل البدو في ذلك الوقت فغضب منهم وقال:

ص: 308

اسمعوا يا بدو - أنتم تبون أملككم، وأنا لو لي من الأمر شيء خصيتكم كلكم حتى إنكم ما تجيبون عيال يقطعون طرق المسلمين ويخيفون السابلة ويخرجون على إمام المسلمين.

كيف تبوني أملككم حتى أتسبب لكم إن الله يجيب لكم عيال يوذون المسلمين، قوموا عن دكاني فأجفلوا منه وانصرفوا مسرعين.

ومعنى أملك لكم يعني أعقد لكم عقد الزواج.

لقد كان من عادة الشيخ صالح الكريديس أن يعظ جماعة المسجد الذي يؤم فيه بالمناسبات وذلك على هيئة درس يلقيه بعد الصلاة وبخاصة بعد صلاة المغرب أو العشاء، وكان المسجد الذي يؤم فيه وهو مسجد عبد الرحمن بن شريدة في شمال بريدة هو آخر مساجد بريدة من جهة الشمال لذلك كان غير بعيد من السور الشمالي الذي كان يحيط ببريدة عندما عقلنا الأمور في منتصف القرن الرابع عشر فكان الناس على عادة أهل نجد في تلك العصور يلقون بالنفايات في خارج السور غير ملاصق له.

ومن ذلك أنه إذا مات حيوان ولم يكن من حيوان الأكل أو كان من حيوان اللحم مثل الإبل والبقر والغنم، ولكن أهله لم يستطيعوا أن يذكره تذكية شرعية، وهي ذبحه ذبحًا شرعيًّا أن يسحبوه عن طريق رشاء وهو الحبل الغليظ يربط به وتجر به جثته ليبعدوه عن حدود المدينة، فتأكله السباع وبخاصة الكلاب فتأكله وتبقي عظامه.

وكان بعض المعوزين يشترون من القصابين عظام قوائم البعير كالأيدي والأرجل فيكسرونها ويطبخونها لغرضين، الأول وهو الأساسي أن يستخرجوا منها المخ الذي يكون فيها مع ما قد يكون في العظم من دسم فيصفونه ويستعملونه إدامًا.

ص: 309

كما يأكلون عصبه لأن تلك العظام لا يكون بقي عليها إلا العصب، أما الهبر والشحم فإن القصاب يكون أخذه وباعه.

وهذا العصب الذي يكون في قوائم البعير يقال له (بخص) ولا يمكن أكله إلا إذا طبخ طبخًا إضافيًا، لأن الطبخ الذي ينضج لحم البعير لا ينضجه، وذلك الطبخ يحتاج إلى حطب بطبيعة الحال، والحطب غالٍ لأنه يجلب من أماكن بعيدة، فصار بعضهم يجمع العظام القديمة منها عظام بعض الجيف ويوقد بها تحت القدور التي فيها البخص، فيكون للعظام عندما توقد بها النار رائحة كريهة ودخان منعقد كثيف يؤذي الناس مثلما تؤذي رائحته.

فأراد شيخنا الشيخ صالح الكريديس أن يعظ أولئك الذين يوقدون بالعظام على البخص فتكلم بعد صلاة المغرب وكنت حاضرا الصلاة، ولكنني كنت صغيرًا فسمعت والدي يكرر رواية وعظ الشيخ على الذين لم يحضروها.

ابتدأ الشيخ ابن كريديس موعظته بأن ذكر أن الرسول من الرسل الأولين قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يبعث إلى قومه خاصة.

أما رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الأنبياء وهو مرسل إلى الناس عامة، وليس إلى قومه من قريش وحدهم، بل كان رسولًا للثقلين الجن والإنس، كما في القرآن الكريم، أنه استمع نفر من الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي الحديث أن جن نصيبين وهي بلاد تقع شمالًا عن بلاد الشام جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه الزاد لهم ولدوابهم، فذكر لهم أن زادهم العظام وهي طعام لهم يجدون على العظم، أو قال في العظم ما يكفيهم وأما دوابهم فإن طعامها ارواث الدواب.

ثم قال بصوت مرتفع، ولذلك ها الناس اللي يوقدون بالعظام يؤذون

ص: 310

الثقلين: الجن والإنس، هم مؤذين للإنس بالرائحة والدخان ومؤذين الجن بإتلاف طعامهم العظام.

وقال: يجب أن يستحضر الإنسان منهم يوم القيامة إذا جاء الجن والإنس يشكونه إلى رب العالمين! .

موعظة أخرى:

وهذه الموعظة سببها أن أحد الرجال كان شديد السمرة إلى درجة السواد ولكنه كان على شيء من الثراء في عام 1327 هـ الذي صار يسمى (سنة الجوع) لأنه مات فيها بعض الناس بسبب الجوع، وهذا أمر مؤكد معروف، وقد ذكرت شيئًا من ذلك في ترجمة موسى بن عبد الله العضيب في حرف العين.

وكان لأحدهم أخت ليس لها محرم غيره، وهو يريد أن يذهب إلى العراق فرارًا من الجوع، ولكن مشكلته أن أخته ليس لها من يكفلها فعرض على هذا الثري ذي اللون الرمادي أن يزوجه بها، وتزوجها بالفعل وعاش معها بهناء عدة سنوات ثم ماتت.

وكان الجدب والجوع قد انجلى عن الناس، فصار يبحث عن زوجة بيضاء مثلها فلم يستطع لأن العادة جرت أن ذا اللون الأسود يتزوج سوداء، فبقي بدون زواج.

وقد أراد الشيخ ابن كريديس أن يحث الناس على الزواج فاستخدم ما يعرفه عن هذا الشخص بدون أن يذكره بالاسم أو يذكر ما قد يعرفه منه الناس.

فذكر في أول درسه أو هو موعظة بعد صلاة المغرب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، ويروي فإنني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة، ومعناها أن يتبين للأنبياء الذين قبلي كثرة أتباعي.

قال: ولهذا حث على الزواج بطريق أولى، ولكن المشكلة أن بعض الناس

ص: 311

لا يتزوج لأنه أسود يريد بيضاء أو لكونه فقيرًا يريد الزواج بامرأة غنية، أو لكونه قبيح المنظر يريد أن يتزوج بامرأة جميلة، فلم يتعدى طوره ولا يقنع بما يستطيع الحصول عليه؟

ثم رفع صوته، وقال: حتى الحيوان يتزوج مثله فالجعل يتزوج الخنفساء فأنت يا جَعَل تزوج خنفساء!

وللشيخ صالح بن كريديس نكت يلقيها على هيئة جُمل أو عبارات لا ينتظر وقعها على الآخرين، من ذلك أنه وقد بلغ رتبة شيخ كان يجلس بعد صلاة العشاء مباشرة في محراب المسجد موجهًا وجهه للناس من جماعة المصلين فيقرأ عليه أحدهم وفي السنوات الأخيرة من حياته التي أدركتها كان يقرا عليه المطوع (عقلا بن موسى الحسين) وهو موجه وجهه إليه، كما هي عادة كبار المشايخ ولا يفعل مثل ذلك لطالب العلم الصغير أو لإمام المسجد الذي لم يبلغ من العلم مبلغًا كبيرًا.

فيقرأ القارئ عليه من كتاب، ويعلق الشيخ على ما يرد في ذلك الكتاب من شيء يحتاج إلى إيضاح أو من شيء متعلق به يحتاج إلى أن يوضح للناس حله أو حرمته.

ومرة كان يقرأ عليه في قصة بني إسرائيل على قوله تعالى: (قالوا يا موسى إن فيها قومًا جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها) وورد في الكتاب مما هو منقول عن بني إسرائيل من دون شك: أن أحد الجبارين أخذ اثني عشر من قوم موسى أو قالوا: بضعة عشر رجلًا من قوم موسى الذين هم بنو إسرائيل في كمه.

فواتت الشيخ صالح النكتة، فقال:(كنهم علوب لوبا) والعلوب: جمع علب، وهو القرن من القرون اللوبيا: هذه الخضرة التي تطبخ مع الطعام وتؤكل مطبوخة.

ولابد من إيضاح ما ذكر من أن ذلك الجبار أخذ ذلك العدد في كمه بأن أكمام الأولين أو بعضها يكون لها أردان - جمع ردن - وهو قماش يخاط في

ص: 312

طرف الكم على هيئة منديل، ينتفع به صاحبه بحمل ما يريد حمله من الأشياء الدقيقة كالقهوة والسكر ويسمون الثوب الذي يكون كذلك (مْرَودن) أي ذا أردان، وقد أدركت الناس يلبسون الثياب المردونة هذه.

وكلمة (ردن) عربية فصيحة قديمة كما ذكرت ذلك مبسوطًا في معجم: (الأصول الفصيحة للألفاظ الدارجة).

وقد شبههم الشيخ ابن كريديس بعلوب اللوبا أي قرون اللوبيا، لأن الناس كانوا في القديم يحملون اللوبيا القليل في أردان ثيابهم.

علق الشيخ صالح بن كريديس على ما قرأه القارئ عليه في المسجد من قصة ذكرت أن قومًا كانوا مجتمعين فأطبق الغار أو المكان الصخري عليهم أي حال دونهم ودون الخروج من المكان الذي كانوا موجودين فيه بقوله: (صَيد فارة) أي صادهم كما تصاد الفارة التي تطبق عليها الحبالة!

ومع محبة الشيخ صالح الكريديس للنكتة فإنه قد يقع فيها في بعض الأحيان.

كان والدي يحملني على كتفه وأنا صغير من البيت إلى دكانه، لأنني أول ابن له يكبر، إذ كان رزق بأبناء من زوجة له هي ابنة عمه، ولم يعيشوا، وذلك عندما كان عمري في الرابعة أو نحوها قال والدي: كنت أحملك على كتفي إلى دكاني، وكان للشيخ صالح بن كريديس دكان غير بعيد من دكاني فقال لي مرة وقد رآك على كتفي:

يا ناصر، ولدك هذا تقدم نفعه لك، يركبك! تقدم نفعه، أي جاء نفعه مبكرًا، يمزح معه في كونه يحملني على كتفه.

قال والدي: وقد أجللته عن أن أرد عليه، وبخاصة أن له ابنًا كبيرًا وأنا ليس لي ابن أكبر منك.

ومضت الأيام وإذا به يرزق بابن علي كبر فصار يحمله على كتفه

ص: 313

ويحضره لدكانه كما كنت أفعل ذلك.

ومرة من المرات قال لي وأنا في دكاني بطريقة غير طبيعية: يا أبو محمد حط بالك على الدكان أبي أروح للدار وأجي.

قال: فسألته، وين تبي تروح، بها الوقت؟

فقال: الله يسلمك ولدي زَغَّلْ عليَّ وأنا شايله فوق كتفي أبي أروح أتغسل وأخلي أهلي يغسلون ثوبي.

قال والدي: فذكرت قوله لي، وقلت له: يا أبو إبراهيم ولدك هذا تقدم نفعه يركبك، ويزَّعِّلْ عليك! !

هذا وكان الشيخ صالح بن كريديس قد ذهب في شبابه إلى الرياض لطلب العلم فحصلت له الدراسة على مشايخ الرياض وعلى الذين قد يأتون إليها من خارجها، فكان يفيد ويستفيد.

روي إبراهيم الطامي نكتة عنه ذكر أبو طامي: أنه كان يطلب العلم بالحوطة، ويظهر لي أنه رواها عن أحد من أهل الحوطة، عندما كان - أي الشيخ ابن كريديس - يطلب العلم.

قال أبو طامي (1):

قصة حكاها لي أحد علمائنا الأفاضل الشيخ صالح البراهيم الكريديس يقول رحمه الله:

كنت أطلب العلم في حوطة بني تميم وعشت فصول هذه القصة المضحكة ويقول: كان هناك أخوان شقيقان، كبيرهما يحتطب ويبيع جزءًا وللبيت جزء، وكانت لهم فلاحة متواضعة فيها ناضح وهو البعير الذي يسني عليه، ليسقي الفلاحة، وكان

(1) نزهة النفس الأدبية، ص 96.

ص: 314