الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأعلى في الإعتداد بالنفس اعتمادًا على الله، فقاوم أهل الأرض كافة وهو موقن بالنصر، موقن بأن العاقبة له، فكان له ما أيقن وكان له ما قدر، وحتى كان الأعرابي الفظ يسمع الآية الزاجرة فيصعق فرقًا من النار ويسمع الآية في الرحمة فيطير لبه شوقًا إلى الجنة.
وفي حجاجه لمنكري الخوارق والمعجزات يقول: هم ينكرون الخوارق والمعجزات فيهم الخوارق والمعجزات، وفي خلقهم وموتهم وحياتهم الخوارق والمعجزات، وفي أحقر عضو فيها وأبسط تكوين في أجسامهم توجد الخوارق والمعجزات (1).
وفي هذا النص من تكرار كلمتي (الخوارق والمعجزات) ما يفقد العبارة كل مزايا التكرار وجماله.
الطور الثاني: طور التحرر الفكري:
في هذه المرحلة انتقل القصيمي من طور الجمود إلى طور التحرر ومن الإيمان الأعمى بالمقدسات والموروثات إلى الشك فيها، وتمحيص الصحيح من الزائف منها، ومن الاتباعية السلفية وتقديس النصوص إلى تحكيم العقل والمنطق، ومن الإيمان بالمعجزات والدفاع عنها إلى إنكارها والكفر بها، ومن الكفر بالإنسانية وبالعلم والتطور إلى الإيمان بها جميعًا.
إيمانه بالتطور:
في الطور الماضي كان جامدًا وقافًا ورجعيًا متخلفًا، ولكنه في هذا الطور أصبح مفكرًا حرًّا يؤمن بالعلم وبالتطور، فكل شيء في نظره - دائب في طريقه الطويل بلا حيدة أو وقوف، والعالم كله حيوانه ونباته وجماده لم يزل دارجًا في
(1) المرجع السابق (نقد كتاب حياة محمد)، ص 41.
طريق التطور متنقلًا من طور إلى طور أفضل ومن حالة إلى حالة هي أدنى إلى الكمال، بطريقة منظمة دائبة لا يحررها توقف، وعند العلماء أن شيئًا من هذا العالم لم يوجد بحالة ثابتة ولا بحالة فيها الاستعداد للرجوع إلى الوراء، ولا للانتقال من الكمال إلى النقص، بل ثبت لديهم ثبوت الحقائق أن هذا الوجود قد وجد وجودا بدائيا، وأنه قد ظل في جملته هذا التنقل ملايين الملايين من الأعوام حتى بلغ الحالة التي تصلح لوجود الحياة فيه.
وبعد أن يستعرض الحقائق الجيولوجية المعروفة من انتقال الكون من حالة الغازية أو السديمية إلى حالة التكتل والتقلص ثم إلى حالة الانفجار حيث تحرق كتلًا غازية مازالت تتفاعل حتى أصبحت نجومًا وشموسًا درجت هي بدورها في طريق التطور، ثم انقسمت على نفسها فكان منها النجوم والسيارات والتوابع.
بعد أن يستعرض ذلك يقول: فما من شيء في هذا الوجود وصل إلى حالته التي هو عليها إلَّا بعد أن سلك هذه السبيل سبيل التطور المنظم البطيء، فما جاءت الشموس ولا السيارات ولا الأقمار ولا النجمات، ولا كل هذه العوالم إلَّا من هذا الطريق.
وهذه الأرض التي نعيش عليها ونجد فيها كل ما نحتاجه وكل ما يلزم الحياتنا ولسعادتنا ماذا فعل بها هذا التطور؟
إنه لولاه لما وجدت ولما وجد فيها ما وجد، ولما صلحت لظهور الحياة عليها، ولما وجدنا فيها، ولو وجدنا لما بقينا أحياء، ولو بقينا أحياء لما وجدنا ما نحتاج إليه وما يلزم لوجودنا ولصناعاتنا ولزراعاتنا.
إنه بهذا الناموس تخلت الأرض عن عهودها الجليدية، وعن عهودها النارية إلى عهد الاعتدال الذي تبقى معه حياة النبات والحيوان الذي منه الإنسان.