الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القْنَيْ:
بإسكان القاف وفتح النون فياء كياء النسبة: على لفظ تصغير القنا الذي هو القنو في الفصحى وهو الذي يكون فيه تمر النخلة.
أسرة صغيرة من أهل بريدة.
جاءوا إلى بريدة من الشمال جهة حائل، أول من جاء منهم عثمان بن عبيد، فسكن بريدة ورزق بأولاد أحدهم عبد الكريم الذي عرف بلقب (قني) وبذلك عرفت أسرته بذلك، ونسي الناس اسمها الأول.
وقد خلف عثمان أبناء ثلاثة غير أنه لم يعش أبناء ذكور لهم إلَّا لقني فخلف ثلاثة أبناء مع أنه تزوج بنحو خمسين امرأة طلبًا لكثرة الذرية.
و(قني) اسمه عبد الكريم العثمان العبيد ولكنه صار لا يعرف إلَّا بـ (قني) وقد صار مشهورًا في بريدة وفي خارجها لأنه صار (نايبا) فيها وهو الذي يتولى الحسبة بمعنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتتبع الجريمة وكشفها إذا وقعت فوفق في ذلك وله فيه أخبار طويلة عجيبة وبعضها طريف مما حملني على أن أؤلف في ترجمته كتابًا أسميته (أخبار قني) وهو الكتاب الرابع من سلسلة كتب عن المبرزين في ميدان من ميادين الحياة في بريدة وهي:
أخبار حمد القصعبي.
أخبار الملا ابن سيف.
أخبار مطوع اللسيب.
أخبار قني.
أخبار محمد الربدي.
أخبار علي المقبل وابنه سليمان.
وقد عثرت على وثيقة بخط الشيخ عبيد بن عبد المحسن والد المشايخ من آل عبيد يذكر فيها شهادة لقني ولكن باسمه الكامل (عبد الكريم العثمان العبيد) من دون ذكر لقبه (قني).
وقد بقي قني في النيابة أي في وظيفة (نايب) دهرًا كان منفردًا فيها ثم كان معه غيره وبخاصة عبد العزيز بن علي المقبل.
و(قني) اشتهر بذكائه وقوة فراسته في اكتشاف الجريمة، وله عجائب وغرائب في هذا الأمر.
حتى زعم بعض العامة أنه يستخدم الجن في ذلك لما رأوا من صدق حدسه، وقوة فراسته، ولطف حيلته على حد قول أبي العلاء المعري: :
وقد كان أرباب الفطانة كلما
…
رأوا حسنًا عدوه من صنعة الجنِّ
جاء قني إلى سوق النساء وهو في طرف سوق الرجال الرئيسي في بريدة في غربيه في آخر (قبة رشيد) القديمة فرأى امرأة أمامها شيء تبيعه مثل بضائع النساء التي تتراوح من البيض والنوى، إلى أشياء أكبر منها، فعرف أنها رجل قد لبس ملابس امرأة فوقف عليها وسأله عما معها فأشارت المرأة بطرف كمها كما تفعل المستحية، وقالت بصوت رقيق كصوت المرأة: إنه بكذا، فما كان من قني إلَّا أن عرفه وقال: يا فلان قم ولا تعود لها، وإلا رحت بك للأمير.
فانصرف الرجل المتظاهر بأنه امرأة خجلا ليعيد لبس ملابسه (الرجالية) في بيته وكان الرجل فعل ذلك لكي يرى النساء عن قرب وربما يجد بينهن مريبة يحادثها ويتفق معها على شيء.
كان أحد العقيلات أهل بريدة عائدا من الشام ومعه (كَمر) أي هميان وهو الحزام من الجلد الذي توضع فيه النقود ويشد على البطن وفي هذا الكمر جنيهات ذهبية هي حاصل ما معه، وكان معه عدد من رفقته، وقد نزلوا على ماءٍ عنده أعراب إلَّا أنهم كالمتحرزين منهم وبعضهم يحرس بعضًا.
وقد فقد (الكمر) وفيه الجنيهات في الطريق فلم يسع الرجل عمل شيء حتى
عاد إلى بريدة وأخبر (قني) بالواقع، فسأله عن رفقته، فقال: فلان وفلان وعدهم فشك قني في اثنين منهم، وأرسل إلى أحدهم ابنه وقال له: يقول لك الوالد أبيك إذا صليتم المغرب انتظرني عند باب دكاني - ثم قال للثاني مثل ذلك، وعندما اجتمعا في عتبة دكانه الذي كان مغلقا، وكان مختبئا بداخله سأل أحدهما الآخر عن الغرض الذي من أجله طلبه قني، وقال للآخر: وش يبي بنا (قني)؟
فأجاب صاحبه: ما أدري، قال الأول: خلك صاحي لا يكون يبي يسألنا عن الكمر لكن لا يأخذ منك ولا كلمة تراه يبي يطلع منك كلام فاحتد صاحبه وقال: أنا ما يأخذ مني كلام، ولكن أنت لا تبين له شيء.
وكان قني يسمع كلامهما من داخل الدكان فخاطبهما من داخله وأعطاهما المفتاح من تحت الباب وقال: افتحا الباب ثم قال لهما: لقد سمعت كلامكما فأحضرا الكمر مع كل ما فيه من الجنيهات ونستر عليكم، وإلَّا علمت الأمير يحبسكم ويقطع أيديكم، فأعطوه إياه.
حدث الرسيني ولا أعرف اسمه كاملًا، قال: اشتريت وأنا و (قني) ثمرة تمر في الصباخ لأجل السقمة وهي التمر الذي يدخله المرء في بيته يخزنه بالجصة للسنة كلها الطعام الغداء، ولا غداء لهم إلَّا التمر، لذلك يحرصون عليه، قال: وبينما كنا نقسم التمر مهتمين به وحانت لحظة الإسهام عليه أو التخيير في القسمة وإذا بقني ينظر إلى جادة عنيزة التي تباري الصباخ ويذهل عني ثم يسرع ذاهبا إليها فناديته: يا أبو صالح - وراك؟ تعال نقسم، فقال دون أن يقف: اعلمك بعدين.
ثم ذهب وترك الرسيني.
وبعد فترة طويلة من الوقت، دخل الرسيني أثناءها من الصباخ إلى بريدة، مؤجلًا قسمة التمر، رأى (قني) فلامه على تركه وإهماله، فقال له قني: الله يسلمك لقيت (صوغ أهل عنيزة) والصوغ هو الحلية من الذهب التي تلبسها النساء، وذلك أن البسام، أو قالوا: السليم إحدى أسرة عنيزة سرق لهم حلي كثير
من الذهب من حلي نسائهم، ولما فقدوه أخبروا الأمير في بريدة لاحتمال أن يبيعه السارق في بريدة، لأنه سيكتشف إذا باعه في عنيزة.
قال قني: التفت إلى رجل راكب على حمار وعليه مراحل إحداهما كبيرة، والأخرى صغيرة، ومع ذلك الصغيرة راجحة بالكبيرة، أي أنها أثقل منها، ورأيت الراكب يكثر من النظر إلى الصغيرة فعرفت أن فيها (مصاغ) أهل عنيزة المسروق فأسرعت إليه.
قال: لما لحقت بالرجل رأيت معه مطبقة صغيرة لكنها راجحة بالمرحلة الأخرى، فقلت له: وش انت جايب؟ قال: معي تمر، وكان وضع رطبًا في المرحلة الأولى، فحادثته لكي يطمئن فلا يؤذيني، ولم يكن يعرفني، وذلك حتى يدخل بريدة فلا يستطيع أن يعمل شيئًا، فقلت له: بعني ما في هذه (المطبقة) وهي وعاء معدني له غطاء محكم.
فقال: لا، هذي فيها زهابي، فلمستها فتغير وجهه فعرفت أن فيها الذهب المسروق.
فلما وصلت بريدة أخذتها بالقوة، وقلت: هذه فيها الذهب المسروق من عنيزة جبته لأجل إنك تبيعه ببريدة، إن كان انت قدرت، وأنا قني النائب: أنت تبي استر عليك عطني إياه، وإلا أروح بك ها الحين للأمير يحبسك ويقطعون يدك، فقال: أنا شاريه من عنيزة ما سرقته، فقلت له: قل للأمير والشيخ هذا واللي تبي تقوله.
قال قني: وسحبت الرجل، فتهالك وقال: خذ الذهب وخليني أروح، فسلمت الذهب للأمير فقال: خله عند الشيخ (القاضي) أو قال: خله عندك، فقال القاضي: إذا جاء أهل الذهب من عنيزة واثبتوا أنه ذهبهم مثل أن يصفوه قبل أن يروه أعطيناهم إياه، فأثبتوا ذلك وتسلموا ذهبهم.
قيل إن (قني) رأى امرأة تصلي في أثل ملتف، والأثل يخفي الذي بداخله لأنه ينمو ويتكاثر على هيئة غابة فرابه أنها تصلي في مكان يخفيها عن الناس،
والعادة أن الذي يصلي لا يختفي، فسألها لماذا تصلين هنا؟
فقالت: حبيت أركع ركعتين ينفعنني يوم القيامة، فقال: ولا لك شغل آخر؟ يشير إلى أشغال معتادة؟ كأن تقول: إنها تنتظر زوجها أو رفيقات لها، قالت: لا.
فبقي في حافة الأثل حتى أقبل رجل مريب عرف أنه يريدها على ريبة، فسألهما فأقرا له، وحلفا أنهما يتوبان وأن يستر عليهما هذا الفعل.
رأي قني مرة وهو يدور في بريدة ليلا لأنه نائب سراجًا في روشن في بيت غربي الجامع لآل سليم، ولم يكن مألوفًا إيقاد سراج في مثل تلك الساعة، فسأل الشيخ عمر بن سليم في النهار عن السراج فقال الشيخ عمر: حنا نقدنا على العيش كأنه ينقص يريد أن بعضهم يسرق منه.
فقال قني: يا شيخ السراج يساعده أطفوا السراج حتى ما يعرف من اللي بالبيت! ! !
وكان (قني) جالسًا عند رجل في دكانه في سوق بريدة وهو رجل أعرفه ولكني لم أرد ذكر اسمه فجاءت إليه أمه تطلب منه سكرا لتصنع الشاي لضيوف جاءوا إليها في البيت، فقالت له: نبي شوي سكر عندنا ضيوف، فلم يعرفها لأنها متحجبة، واستحيت أن تقول له أمام (قني) إنها أمه، فقالت: نبي سكر!
فقال لها: من أنت؟ فقال قني له: هذي أمك يا فلان، وكان (قني) قد عرفها وهي متحجبة ولم يعرفها ابنها.
ولد قني في بريدة عام 1271 هـ.
ومات فيها عام 1359 هـ في ربيع أول عن 88 سنة.
وحفيده الشيخ إبراهيم بن صالح القني عضو في المحكمة الكبرى في جدة الآن - 1423 هـ.
أكبر أسرة القني سنا في الوقت الحاضر: صالح بن النائب عبد الكريم العثمان العبيد، ولد في عام 1337 هـ. ولا زال حيا الآن هـ، وله 84 سنة.