الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحمد اللهيب يقدم الشعر بردًا وسلامًا:
عزف كلاسيكي على نبع حزين:
صدر للشاعر أحمد بن سليمان اللهيب الحاصل على جائزة جريدة الرياض في الشعر ديوانه (النبع الحزين) من إصدارات نادي القصيم الأدبي، وإلى جانب جائزة الرياض حصل الشاعر على جوائز أخرى مثل جائزة الشعر على مستوى أندية المنطقة الوسطى وفازت قصيدته (صهيل الذكريات) على المركز الأول في جائزة الأندية الرياضية ومن قصيدته (هل تذكرين؟ ) يقول:
هنا رسمت هوانا فرحة رقصت
…
هنا تمايلت في عينيك منتصرا
حبيبتي وهنا ما كان أخلقنا
…
بعد المحبة ألا نعشق السفرا
الشاعر أحيا العديد من الأمسيات الشعرية في الأندية الأدبية والجامعات، وله من المؤلفات كتاب (صورة المرأة في شعر غازي القصيبي) ومجموعة شعرية (أحرف ضائعة).
ويضم الديوان الصغير مجموعة شعرية لقصائد تتفاوت بين التميز والمناسباتية وعزف الشاعر في أكثر قصائده على لحن المباشراتية منوعًا في بحور قصائده. انتهى
ومنهم المهندس أحمد بن سليمان بن محمد اللهيب: مهندس في تحلية المياه.
وأخوه عبد الله بن سليمان اللهيب يحمل ماجستير من جامعة الملك عبد العزيز، والآن هو مدير مدارس المنطقة الغربية التابعة لوزارة الدفاع.
و(اللهيب) كان أكثرهم من الذين يسمون أهل الحداجة، والحداجة هي الرحل على بعير الحمل، وقد ذكرتها في (معجم الألفاظ العامية) وأهل الحداجة الذين لهم إبل، وغالبا ما تكون جمالا قوية فيحملون عليها البضائع الأحمال بين
البلدان بأجر، ويكونون معها يتنقلون حسبما تقتضيه طبيعة الحمل.
وكان للهيب دكاكين مهمة ثمينة في أعلى سوق بريدة في الجانب الجنوبي من السوق يقال لها (دكاكين اللهيب) وهي خارجة من بيتهم الذي كان يقع خلفها كما أدركنا ذلك مستمرًا لسنين طويلة.
ونعود إلى ذكر الدكتور الشاعر أحمد بن سليمان اللهيب - فهو عضو في نادي القصيم الأدبي في بريدة ابتعث مدرسًا في إحدى دول الخليج العربي.
طبع له ديوان صغير عنوانه (النبع الحزين) رأيت دراسة له كاملة واضحة للأديب المعروف سعد البواردي نشرت في إحدى الجرائد السعودية استحسنت إيرادها هنا من باب الاكتفاء بها، ولكونها أشمل وأوضح.
قال الأستاذ سعد البواردي:
استراحة داخل صومعة الفكر
آه من الحزن .. كم قتلنا وجعًا وأنات .. وكم قتلناه شعرًا، وكلمات .. الحزن لا يمكن الفكاك من أسره .. ولا التمرد على أمره .. إنه جزء من حياتنا يتأوه، ويصرخ .. ويحتج .. وأحيانًا يتمرد على مجرى الآهات .. وسيل الدموع الساخنة بضحكة ساخرة ترى المشهد الحياتي مجرد مشهد درامي شر بليته ما يضحك.
شاعر اللهيب. لحزنه لهيب .. هذا ما استنتجه قبل أن أقرأ خطابه الشعري .. إنه مجرد تخمين قد يرى التوفيق .. وقد يرى الإخفاق .. الاحتكام إلى شاعرنا الذي اختار النبع الحزين عنوانا لأبياته الشعرية:
بداية أهدي نبعه الحزين إلى امرأة .. دون أن يحدد مَنْ تكون .. وماذا تعني بالنسبة له:
غزلت من دمع عيني نرجسًا
…
ساحر الألوان تاجي العقود
قزحيًا يتراءى ساجيًا
…
رفعت روحي لأسرار الخلود
في خيال سابح خلف الغيوم
…
وجمال شفقي كالورود
آه .. يا قلبي أهذا حلم؟
…
نسجته عبرة فوق الخدود
إلى هنا والصراع قائم بين حلمه .. وعلمه .. تارة يأخذه جناح ربيعه إلى ما فوق السحاب .. وأخرى تأخذه عاصفة شك إلى ما دون الشعاب، لا يدري أين تقف قدماه .. ولا إلى أين يشخص بصره .. إلى فوق حيث الألوان القزحية أم إلى تحت حيث الآلام الحسية؟ يبدو أنه يتراجع عن نرجسة لصالح بؤسه:
فتت الحزن فؤادي فغدا
…
تفا للحزن تذروها الرياح
بعثرتها فاستظلت أدمعي
…
واستقت من دمها رغم الجراح
ملاحظتان عابرتان (تفا للحزن) لم أفهمها جيدًا .. حبذا لو أبدلها بأخرى أكثر وضوحًا كان يقول (مخزنًا) أو (مَجْمعًا)، أما الشطر الأخير الذي هو (واستقت من دمها رغم الجراح) لماذا رغم؟ الموقف موقف معاناة .. دم .. ودموع حسنًا لو كان (واستقت من دمها طعم الجراح) .. أو (مر العذاب) ..
(كل شيء كان حلمًا) تلك هي المحطة التالية من الراحلة.
ليت شعري هل يقيد اليوم جرحي، وعذابي؟
الجرح .. والعذاب، وابتهالات القلب .. وصبابات الليل جميعها أدوات تعبير عن حالات نفسية تكابدها .. معاناتها رغم قسوتها صوت ضراعة، وشكوى .. وإيقاظ حين يكون للجرح علاج .. وطبيب يداوي .. وحكيم يرحم .. وإلَّا فإن الوجع يؤدي إلى الوجع وإلى ما هو أقصى منه.
واجما أمسى يتيمًا
…
يرقب النجم ويبكي
الآن شيئًا غريبًا تراءى له أشبه بالشبح الخرافي نزع عن دواخله استشعاره بالأمن .. وأطفأ الأنوار من قلبه .. بحثت بين ثنايا قصيدته عن ذلك الشيء الغريب الذي أوجعه .. وأقض مضجعه لم أجد شيئًا يرسم لنا صورته المخيفة لعله الوهم الذي يستغرقنا لحظة خوف .. إذا كان وهما فإننا نملك إرادة التحدي كي نطارده ونطرده من هواجسنا لا أن ندع له فرصة النيل من ثباتنا .. أقول لشاعرنا الحبيب .. الشعر صورة لواقع .. أو الخيال يرسم الواقع ويجسده .. يقول اللهيب:
شمعة فيها معاني أغنيات
ذات أنغام يصدَّاح مُعنَّى
ذات ألفاظ .. ولكن دون معنى
إذا لم يكن للشمعة .. ولا للأنغام التي تصدح أي معنى .. فأي معنى أبقيناه على درب الأمل والعمل .. شمعة رمز نهار .. والأنغام الجميلة صوت فرحة .. النكن متفائلين .. وفاعلين ..
في مقطوعته أبيات موحية رغم رماديتها:
قد رأيت البدر يثوي
بين هاتيك الغيوم
مقعدًا لم يستطع فيها حراكا
عاجزًا أعيته أحداث السنين
مثقلًا فيها بألوان الهرم
الغيوم هي التي تتحرك .. والبدر أيضًا يتحرك .. والأرض أيضًا تتحرك .. الغيوم هي التي تنقشع وتبقي للضوء صورته الجميلة التي نشهدها ونشاهدها .. لأنها رمز إيحاء
جميل لكوكبنا في ليل معتم .. حتى الشمس التي قال عنها غنها أمحت .. إنها أقوى بوهجها اعترف شاعرنا أنه يحلم .. ولكن ما هكذا تبدو الأحلام سوداوية .. لنحلم معًا بالجمال رغم دمامة القبح .. كن جميلًا ترى الوجود جميلًا ..
(عيناك والحب نقطة توقف جديد يعمره الفأل بعيدًا عن ركلة التشاؤم ورحلته ..
عيناك، والحب، والأحلام، والقلم
…
قد هيّجت خاطري إذ خاطري شبم
وأوقدت حرقًا ما تنطفي أبدًا
…
تساق في ألم يستاقه ألم
كل هذه الأشياء الجميلة يا عزيزي لم تطفئ الحرق في نفسك .. هل أنها في حاجة إلى سيارة إطفاء .. حين نحب ونمتطي مطية لا نقبل سريعًا التراجع ولا التوجع .. لقد علقت فتاة حلمه دررا على وجنتك أضاءت لك الطريق، وابتسم لحبرك الليل، وسامرتك الأنغام .. وإذا بأهاتك تقتحم كل هذه الحصون والقلاع وتستوي عليها .. لا أدري لماذا؟ ! هل أنها أقوى من جبهة حبك؟ طال بك التوصيف الجميل لها ثم انطرحت كما تقول:
ثم انطرحت، ونجم الصبح قد تهكت
…
أستاره، وشعاع الشمس يضطرم
ما زلت أبحث عن دنيا (
…
) بها
…
حتى تلازم عندي الحزن والندم
ها قد قضيت وفي الأنفاس لحن صدي
…
عيناك والحب، والأحلام، والقلم
القصيدة في بنائها الشعري جميلة، ينقصها أن نعرف معك، وبك أسباب هذا النوح، والبوح، الجارح لمشاعرك .. أعط لها دورًا يدلنا على أسباب النهاية المحزنة كي تكتمل الصورة .. أنت وحدك الجانب الظاهر ليها .. أما هي فمستترة لا دور لها بارز في وجعك.
أتجاوز مقطوعة يا قلب فهي بدورها تقطع القلب شكوى .. وأحط تحت ظلال فلسفة الحياة (الرغبة التاجية).
دنياي مالك ما سئمت عنائي
…
وتوجدي في حالك الظلماء
أبصرت فيَّ لذاذة فطعمتها
…
حتى أطلت في الوجود بقائي
ملاحظتان صغيرتان .. البيت الأول تساؤل يحتاج إلى علامتي استفهام (؟ ) .. والشطر الأخير أفضل إبدال كلمة (في) ب (على).
في ظل فلسفة الحياة وما بها
…
من لوعة السراء والضراء
ما زلت أبحث عن ضياء مدامعي
…
حتى رجعت وما وجدت ضيائي
السراء ليست لها لوعة .. وإنما فرحة يحسن إبدال اللوعة بكلمة (حالة) .. والمدامع يا شاعرنا لا تعبر عن ضياء وإنما عن بكاء الأنسب أن يحل محلها حقيقتي) و (فرحتي) أو أية مفردة تتفق وروح الأمل والسعادة .. بهذا القدر من قصيدته أكتفي فأي جادة لا تستوعبها كل محطاته .. ماذا قال عن (إباء عاشق)؟
قطع الحزن نشيدي فاقطعي
…
صلتي .. لا تذكر لي مدمعي
أسفت عيناي إذ قد نزفت
…
من دمائي ما هو من أضلعي
البيت الثاني بمجمله يحتاج إلى صياغة جديدة .. فالعينان مثني ونزفت مفردة .. ثم إن العينين لا تنزفان دمًا بل دموعًا .. ليكن هكذا:
أسفت عيناي أن قد نزفا
…
من دموعي ما شكته أضلعي
ويستطرد في أبياته:
كانت الأحلام تثري رونقا
…
فسهاد الليل يهوى مضجعي
الأحلام الجميلة يا شاعرنا يمزقها سهاد الليل آلا رفقت بها وقلت مثلًا: (كانت الأحلام وهم ضارب) .. أو (ظل هارب) .. ومن اباء عاشق إلى ترانيم على زخات المطر لعلها تأتي ربيعية كما أتمنى:
أيها الشعر يا نديم فؤادي
…
وأنيسي في يقظتي ورقادي
إنما أنت ملبس قد توارت
…
تحته لوعتي، وطل سهادي
والربى ألبست من الغيم ثوبا
…
لؤلؤي الجمال بين الوهاد
تتوالى الغيوم أثر غيوم
…
وتسير كأنها في تهادي
أبيات معبرة عن المطر وزخاته وأجوائه الربيعية لولا الشطر الأخير الذي يحتاج إلى تغيير .. أحسبه هكذا (ممطرات تبل لوعة صادي).
أمام الليلة المجنونة تسارعت الخطوات بحثًا عن ليلة عاقلة نسامرها وتسامرنا معًا .. فقد أرهقنا .. وأزهقنا جنون عام صاخب من حولنا لا يرحم ولا يعترف بخطا بالعقل لغة له .. وإنما خطاب القوة المفتولة العضلات .. نبحث سويًا مع شاعرنا عن محطة أكثر أمانًا وراحة .. أليست بالنسبة للمسافرين استراحة؟ !
وجدتها كما قال أخميدس إنها (فتاة في حلم).
قد تراءت لكن الأحلام تثري في سكون لست أدري من هي لكنها تلك الفتون ..
البيت الثاني يعاني من عرج يمكن تقويمه لو جاء على النحو التالي (لست أدري من تكون .. إنها تلك الفتون).
أتراها تلك من أحببت؟ أم تلك الحنون؟
أم تراها تلك من عانقت في ليل هتون؟
لقد تكاثرت النساء في عيني شاعرنا فما يدري من يصيد! ولحسن حظه أن لا خلاف عليهن واحدة أحبها، وثانية أعترف بتحنانها .. وثالثة عانقها في ليلة هتون .. أي ممطرة .. إلَّا أنه أمام هذا المشهد الثلاثي الزوايا والأبعاد تراجع .. واستدرك:
أم هي الأحلام ضرب من أحاديث الجنون
من قال هذا يا عزيزي .. الأحلام ليست أحاديث جنون .. بل صوت استشراف الأمل نتمناه .. ونسعى لتحقيقه .. حسنًا إن جددت أملك بقولك:
يا فؤادي ما علينا أن تكن مرت سنون
…
فرحة الحب تهادت بين أحلام الجفون
إلَّا أنها فرحة لم تتم .. ليته أسقط بيته الأخير من حسابه إذا لكان أسعد لنا وله .. تلك أيام تولت يا فؤادي كالظنون حفنة ولم حرصت أن ألامسها باصبعي ألتقط منها بعض الذرات:
يا رمل أي خطى للعز لم تثب
…
وأي نشوة فجر في صدى أدبي
إنك تسأل .. لك سؤال علامة استفهام لازمة (؟ ).
وقفت فوق ثراك العطر أسأل عن
…
صحائف كتبت في طرس كل أبي
عن البطولات من أمجاد أمتنا
…
بين العوالم .. عن أبطالنا النجب
أسئلة جميلة .. ومبررة .. أعادت إلى أذهاننا بدر، وحطين، والفتح الإسلامي بكل شموخه وعزته .. هل أجاب الرمل؟ !
آه أيا رمل هل في وقفتي أمل؟
…
أم أنا صرخة في صدر مكتئب
أخشى أن تكون صرخة .. الرمل لا يجيب لأنه جماد .. والجماد لا نعرف لغته .. نحن نعرف .. ولكننا لا نريد أن نعرف كي نقول:
متاهات اليأس .. ومضارب البؤس في فضاءات شاعرنا كثيرة انتزعها من أعماق نبعه الحزين .. أتجاوز بكم البعض منها: (الوقوف على متاهات اليأس) فهي وقفة بائسة .. والقلب والشعر) الخادع والمخدوع .. و (همسات قلبين) تتمتمان حول موقد حارق .. و (ترسمات على وجه عراقي) المجللة بالوجد والفجيعة، ونقف معًا أمام (النبع الحزين) وكل ما حوله حزين من البداية ..
نبع من التحنان يلمع في مآقي مقلتيك
…
ويساير الحزن الدفين وقد تهادى في يديك
الحزن الدفين يا شاعرنا لا يتهادي وإنما يتمادي، حسنًا لو أبدلتها:
أوقفت نفسي في رباك محبة ورضى عليك
…
ذا مدمعي وسدته ليل الصبابة ساعديك
حطت رحال الشوق وهي إليك منك بشاطئيك
…
قلبي الأسير فحركيه بما أردت براحتيك
أبيات رغم أن حبها مستسلم فهي موحية بصدق وجماليات الخطاب الشعري لعلها الأجمل من بين ما قرأت .. (غريب هذا الرحيل) محطة جديدة من محطاته الكثر.
ولقد مررت على الديار
…
يلفني الصمت الرهيب
فتجاوبت حيطانها:
…
: من ترى هذا الغريب؟
المستفيض دموعه حزنًا
…
على عهد طروب
الواقف النظرات ترفل
…
بالأسى لا تستجيب
حبذا لو أبدل الواقف النظرات) ب (الزائغ النظرات) الحيطان أنطقها شاعرنا .. وراح يحاورها ويداورها في سرد جميل:
ما في بقايا الكأس من أمل يعاوده الفؤاد
…
نضب الرحيق وخاطري ظمأن يبحث عن مداد
عن بسمة عن نظرة عن فرحة بين الوهاد
…
عن حبه كيف استحال عاد كالحلم المعاد
مَنْ يا تُرى هذا الغريب؟
إنه لسان الحيطان التي تسأل .. تستمع إلى شكوى شاعرنا اللهيب دون أن تطفئ أوار لهيب يأسه وبؤسه .. هكذا أراد لحيطانه طرح الأسئلة فقط ..
قصائد قصيرة إلى عينيها واحدة من أجمل محطات السفر توصيفًا وتوظيفًا لمفرداتها الشاعرية أحسب شاعرنا فيها خرج من دائرة حزنه مستشرفًا ضوء النهار .. وابتسامة الفجر دون تاوه .. ولا توجع:
عيناك يا حبيبتي كحبتي زيتون
عميقتان جدًّا .. وسوداوان جدًّا
أردت أن أبحر في المساء
لكنني أرى بصفحة القمر عينيك كيف تسبحان
المزيد من خياله الرومانسي:
أود يا حبيبتي إذا البحار تزفر
إذا النجوم تسهر ..
إذا الشموس تصهر ..
وفي الصباح والمساء .. والصيف ..
والخريف والشتاء
بأن أرى عينيك كيف تزهر
ودائما كزهر الربيع ليست تذبل
جميل هذا الوصف الذي أبدعه شعرًا دون مناحة.!
العالم الكبير يا حبيبي يراقب النجوم
ويرقب الكواكب الصغار، والأجرام
ويرصد المذنبات .. وما أزال يا حبيبتي
مراقبًا عينيك
ومن نبع حبه الفرح لا الحزين يأخذنا في جولة بين القبور حيث يسكن الموتى .. في لغة تساؤل:
من هؤلاء الواقفون .. البائسون؟
الواقفون على ضريحك ينظرون؟ .
المنغضون إليك من ألم رؤوسًا
حاسرات؟
الدمع ينخر في محاجرهم يجاذبها السهاد!
والحزن يرفل في الجوانح كالسراب يتهامسون.!
يستغرق في تساؤله .. يتطلع إلى ملامح وجوههم الحزينة .. أقدام .. الشمس التي تصهر رؤوسهم العارية .. إنه يتأمل .. يتألم فأمام عينيه مشهد مثوى جدته التي غادرت دنياها .. وأمام ذاكرته حديث خاله قبل أن يرحل.
وأرى جموع الناس ترفل بالأسى
وأظل أنصت للعذاب بداخلي
كالقبر ينصت للسنين ..
(ترفل) مفردة لا تتناسب والأسى .. أنسب منها كلمة (تشعر بالأسى)
…
مشهد طغت عليه المباشرة وكثافة الوصف يفتقر إلى رسوم الصورة الموحية بمضامينها .. هي أشبه بالقبر الذي ينصت للسنين .. نسافر معًا إلى نقطة النهاية بعد أن تجاوزنا لعدة محطات وددت لو توقفت عندها .. إلَّا أن مدة الرحلة وساعاتها أزفت على النهاية .. ولأن السفر مع شاعرنا أحمد اللهيب ممتع رغم نبعه الحزين المتدفق اخترت مقطوعة (مسافر) فكلنا على سفر:
أواه لو تبصرين اليوم ما يجد
…
مسافر هذه التحنان والكمد
يعيش بالأمل الباقي ويطرده
…
حزن من البعد ما يفني له مدد
غفى على مركب الترحال يصحبه
…
سر إلى منهج العلياء يطرد
(غفى) صحتها (يغفو) ونحن جميعًا معك في رحلتك عيوننا ما برحت ساهرة .. وسائرة نحو نهاية المطاف.
من حوله مهرجان العيد ما نزحت
…
عنه الديار وغني حوله غرد
المدمع الحب ميعاد يمزقه
…
لكل ما لاح برق هدّه برد
معذب في هواك كلما خطرت
…
له خواطر من ذكراك يبتعد
رسم الصورة الوجدانية جيد .. أُذكِّر صديقي أنه لا برد دون برق .. ولا حب دون تضحية .. ولا حياة دون أمل .. ولا هدف دون مغامرة توصل إليه .. ولقد وصلنا معك إلى نقطة آنستنا بالرفعة .. وأنستنا متاعب الرحلة .. ذقنا فيها طعم عذوبة .. وعلقم عذاب .. هكذا الشعر بوح .. وجرح. انتهى.
ومنهم عبد اللطيف بن عبد الله اللهيب من أهل خب القصباء وهو صاحب معاميل فاتح بابه للناس لشرب القهوة وليس له أولاد وستأتي قصته مع سليمان المطوع جد المطاوعة.
وكان ساكنًا في حويلان في بيت العيد في جنوب حويلان الذي كان يسمى (الروض) في السابق قال فيه شاعر:
يا ويلكم يا ويلكم يا هل الروض
…
يا ويلكم وان مات (عبد اللطيف)
عبد اللطيف مشرع كنه الحوض
…
ترد عليه الهاملة والضعيف
وجدت ذكر عبد اللطيف بن عبد الله اللهيب هذا الذي كان ذكره شائعًا في زمنه في وثيقة مداينة بينه وبين مزيد السليمان بن (مزيد من المزيد أهل الدعيسة).
والدين فيها ألف ومائتا وزنة تمر شقر ومكتومي، وقد كتبها الكاتب بأنها اثنعشر مائة، وهذا صحيح، وثمنها اثنا عشر ريالًا هو ما عبرت عنه الوثيقة وأوضحت أن ثمن كل مائة وزنة من التمر ريال واحد وهو الفرانسي، ومائة وزنة من التمر هذه تساوي مائة وخمسين كيلًا، وأما ثمنها في هذا الدين فهو مائة ريال فرانسي وهذا التمر مؤجل الثمن لست سنين. أولهن سنة 1295 هـ وآخرهن يعرف من ذلك.
وأيضًا لمزيد على عبد اللطيف اللهيب سبعة أريل فرانسة يحل مع كل سنة ريال أي يستحق الدفع من هذا الدين ريال واحد، وذكرت الوثيقة أنه يحل مع حلول التمر.
والرهن هو مكان عبد اللطيف في حويلان مما يؤكد ما قلناه من كون عبد اللطيف اللهيب من أهل حويلان.
ثم ذكر تحديد المكان.
الشاهد صالح السليمان الناصر وهو من الناصر الذين هم من السالم الأسرة الكبيرة القديمة السكنى في منطقة بريدة وكذلك شهد أخوه ناصر (السليمان السالم).
والكاتب علي الحسين بن نقيدان.
وهذه وثيقة إلحاقية بدين على عبد اللطيف اللهيب لمزيد السليمان بن مزيد وهو أربعون وزنة تمر عوض أي ثمنها ريال واحد، يحل أجل أدائها على قلتها في شهر ذي القعدة عام 1298 هـ. وهي بخط علي الحسين النقيدان.
والتاريخ شهر ذي الحجة سنة 1297 هـ.
وتحتها وثيقة مداينة بين الطرفين أيضًا.
والدين فيها ثمانون وزنة تمر شقر ومكتومي عوض أي ثمنها خمسة غازيات والغازيات جمع غازي وهو نقد تركي منه فضي يسميه أهل نجد (غازي أبيض).
وقد أضيفت إلى الدين السابق فصح الجميع - كما تقول الوثيقة سبعة عشر مائة أي ألف وسبعمائة وزنة.
الأول والتالي ست سنين أولها سنة 1295 هـ.
وقد ذكر الشمالي في الوثيقتين الملحقتين وهم من الشمالي أهل حويلان الذين كانوا انتقلوا كلهم إلى جنوب العراق وتقدم ذكرهم في حرف الشين.
والكاتب علي الحسين النقيدان.
والتاريخ جمادي الثانية سنة 1396 هـ.
وجاء ذكر عبد اللطيف بن لهيب شاهدًا على وثيقة مداينة بين إبراهيم الشمالي ومزيد بن سليمان المزيد من المزيد أهل الدعيسة مكتوبة في شهر جمادى الآخرة من عام 1296 هـ وقد نقلت صورتها وتكلمت عليها في رسم (الشمالي) أهل حويلان.
من الوثائق المتعلقة باللهيب هذه التي تفيد بأن عبد الله المحمد بن لهيب قبض من إبراهيم العلي الرشودي خمسين ليرة عصملي: عمصلي هو عثماني ومعناها: الجنيه الذهبي التركي.
وهي بضاعة أي مضاربة كجاري العادة من جهة توزيع الربح الذي يأتي من استثمارها بين صاحبها وهو هنا إبراهيم الرشودي وبين المستثمر لها وهو ابن لهيب.
وأيضًا معه لإبراهيم الرشودي ثلاث وثلاثون ليرة منهن خمس فرنقي أي افرنجي، وثمان وعشرون ليرة عصملي (تركية) أمانة.
والشاهد محمد بن عبد الرحمن بن بطي، والكاتب عبد الله بن عبد الرحمن الحميضي، والتاريخ 28 محرم سنة 1354 هـ.