الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملامح وسمات وتأثرات:
الجدل والحجاج المفحم:
إذا كان القصيمي في منتدى أو مجلس خاص سيطر على الحاضرين بحديثه العذب ولغته الفصحى وبشخصيته القوية وذكائه الوقاد، وعارضته الكاسرة، وحجاجه المفحم.
تراه يأخذ موقف المعلم فيسهب في الحديث لتوضيح فكرته الجديدة أو الموضوع الذي يطرحه للبحث حتى إذا اعترضته بسؤال أخذ يداورك وبدلًا من أن تكون سائلا تصبح مسئولا ويمطرك بالأسئلة المتلاحقة ولا تكاد تبدأ في الإجابة عن السؤال حتى يفاجئك بسؤال ثان فثالث فرابع، وهكذا يفحمكم ويسكتك، وهو دائما بلد المشاكل، ويثير المشكلة تلو المشكلة بأسلوب سقراطي ويلذ له أن يكون مسيطرًا على النقاش دائما، وبين حين وآخر يشد سامعيه بعبارة من عباراته القوية المركزة التي تجري مجرى الحكم والأمثال فيؤخذون ببلاغتها أكثر مما يفكرون بحقيقتها (1).
وإذا صمدت له بحجج قوية تشبث بأضعفها في تقديره وجملها مدار النقاش وترك باقيها، فهو جدلي بارع يعرف كيف يروغ ويزوغ، حتى إذا شعر بضعف موقفه - وقلما يحدث هذا - انصرف عن المجلس (2).
القلق والإقلاق:
وكثيرًا ما يستعمل النقاش ويحتدم ساعات متتاليات دون أن يصل إلى نتيجة فكأن مهمته أن يحرك العقول الراكدة للتفكير ولتقليب وجهات النظر ولو لم تعثر على الحقيقة.
(1) الآداب - العدد العاشر - السنة الخامسة، أكتوبر 1957، ص 21180.
(2)
التيارات الأدبية الحديثة، ص 44.
الإقلاق الفكري أحد أهدافه الكبرى سواء في أحاديثه ومناقشاته الكلامية، أم في مقالاته في الصحف والمجلات، يقول في تمهيده لمقالته عن "طاقة الحياة أم إرادة البقاء"(1).
القلم الذي نحتاج إليه هو الذي يثيرنا ويتعبنا، وليس الذي يتحول إلى هتاف في الأسواق وإلى تشجيع متكرر للانفعالات الحانقة الضاربة في الفراغ كما تصنع أقلام كثيرة.
لا يحتاج القارئ العربي إلى أن تثار مشاعره فحسب، بل هو محتاج إلى أكثر من ذلك، محتاج إلى تعقيل هذه المشاعر وإلى تشييد خزانات ضخمة لها التحفظها من التبخر والتسرب والفيضان في شكل سباب وادعاء وصياح وتفاؤل بليد يصنعه العجز واليأس من مجاراة الأقوياء.
أفضل ما يجب على كتابنا اليوم أن يخرجوا بفكرة عن الراحة والاستقرار إلى مخاطر التعب والقلق - أن يثيروا أشواقه إلى المجهول، وإلى الأسفار البعيدة، ويعلموه القفز فوق الحواجز وعرض اللجج، ويشككوه في قيمة الإعجاب بالنفس والوقوف عندها.
لقد آن لوعينا أن يمل الإقامة الدائمة في مكان واحد، إنه من غير تحرك زماني لا حياة ومن غير تحرك فكري لا حضارة، استراحة الفكر آفة تتصيد الهاربين من التعامل مع الأحداث إذا استراح فكر أمة انتهى تأثيرها في التاريخ، الفكر كائن يعيش بالاحتمال، فهو ينمو بالارتحال والمغامرة ويضمر بالوقوف والخوف.
نحن الآن نعاني قلقا انفعاليًا خطيرًا ولكننا لا نعاني مثله في تفكيرنا، وإذا لم تتناسب الانطلاقات الفكرية والعملية لمجتمع من المجتمعات مع انطلاقاته العاطفية أصبح كالجيش الذي يفجر أسلحته في معسكراته ولا يصوبها إلى الأهداف الخارجية.
(1) الآداب - العدد الثامن - السنة الخامسة، ص 17.