الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنها تشغل عن غيرها {وَتَتَّقُوا} الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه {يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} يعطكم ثواب الإيمان والتقوى {وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ} لا يطلب جميع أموالكم، بل يقتصر على الزكاة المفروضة التي هي جزء يسير، كربع العشر، والعشر.
{فَيُحْفِكُمْ} يبالغ في الطلب، من الإحفاء والإلحاف: بلوغ الغاية في كل شيء، يقال:
ألحف بالمسألة وأحفى وألح بمعنى واحد، {وَيُخْرِجْ} البخل {أَضْغانَكُمْ} أحقادكم أي عداوتكم لدين الإسلام {ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ} أي أنتم يا مخاطبون، هؤلاء الموصوفون. {لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} ما فرض عليكم من الزكاة ونفقة الجهاد وغيرها {يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} يقال: بخل عليه وعنه {وَاللهُ الْغَنِيُّ} عن نفقتكم {وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ} إلى الله {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا} تعرضوا عن طاعته {يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} يقم مقامكم قوما آخرين أو يجعل بدلكم {ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ} في التولي عن طاعته وعن الإيمان، بل مطيعين له تعالى.
المناسبة:
بعد أن أمر الله تعالى بالجهاد، ونهى عن الضعف والخور في مواصلة الكفاح وطلب الموادعة والمصالحة مع الأعداء، حث على الجهاد بالنفس والمال والإنفاق في سبيل الله، بتحقير الدنيا في أعين المؤمنين، والترغيب في الإيمان والتقوى، لتعود فائدتها عليهم، وهدد تعالى في ختام السورة بأنه إن أعرضتم عن الإيمان والجهاد والتقوى، يجعل بدلا عنكم قوما آخرين هم أفضل منكم لإقامة دينه، ونصرة دعوته.
التفسير والبيان:
{إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} أي احرصوا أيها المؤمنون على جهاد الأعداء، واسترخصوا الحياة الدنيوية واطلبوا الآخرة، فإنما حاصل الدنيا لعب ولهو، أي باطل وغرور، لا ثبات له ولا اعتداد به إلا ما كان منها لله عز وجل، بسلوك سبيله وطلب رضاه وعبادته وطاعته. وفي هذا تحقير لأمر الدنيا وتهوين لشأنها. واللعب: كل ما لا ضرورة فيه في الحال ولا منفعة في المآل، ولم يشغل عن غيره، فإن شغل عن غيره فهو لهو، ومنه آلات الملاهي، لأنها مشغلة عن غيرها.
وقد جاء ذمّ الدنيا والحرص عليها والتمسك بزينتها وإهمال الآخرة في آيات كثيرة، منها قوله تعالى:{اِعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ، وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ، وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ.} . الآية [الحديد 20/ 57].
ثم أعاد الله تعالى الوعد بالثواب وتأكيده والترغيب في الآخرة قائلا:
{وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ} أي إن تؤمنوا بالله ورسوله حق الإيمان، وتتقوا ربّكم حق التقوى بأداء فرائضه واجتناب نواهيه، يؤتكم ثواب أعمالكم وطاعاتكم في الآخرة، ولا يأمركم بإخراج جميع أموالكم في الزكاة وسائر وجوه الطاعات، بل أمركم بإخراج القليل منها، والمعنى: أن الله غني عنكم، لا يطلب منكم شيئا، وإنما فرض عليكم صدقات الأموال، مواساة لإخوانكم الفقراء، ليعود نفع ذلك عليكم، ويرجع ثوابه إليكم.
ثم بيّن الله تعالى سبب الحرض على الدنيا، فقال:
{إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ} أي إن يطلب ربكم أموالكم كلها، فيجهدكم ويلح في الطلب عليكم، تشحوا وتبخلوا، وتمتنعوا من الامتثال، ويظهر عندئذ أحقادكم.
قال قتادة: قد علم الله تعالى أن في إخراج الأموال إخراج الأضغان. وهذا كما ذكر ابن كثير حق وصدق، فإن المال محبوب إلى النفس، ولا يصرف إلا فيما.
هو أحب إلى الشخص منه.
ثم أبان تعالى ما سلف وأكده بقوله:
{ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} أي أنتم أيها المؤمنون المخاطبون مدعوون للإنفاق في سبيل الله، أي في الجهاد والزكاة وفي طريق الخير.
{فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ، وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ، وَاللهُ الْغَنِيُّ، وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ} أي فبعضكم يبخل باليسير من المال ولا يجيب لدعوة الإنفاق، فكيف لا تبخلون بالكثير وهو جميع الأموال؟ ومن يبخل في الإنفاق، فإنما يمنع نفسه الأجر والثواب ببخله، ويعود وبال ذلك عليه، فإنه بالبخل يتغلب العدو عليكم، فيذهب عزكم وأموالكم، وربما أنفسكم.
والله هو صاحب الغنى المطلق المتنزه عن الحاجة إلى أموالكم، فهو الغني عن كل ما سواه، وكل شيء فقير إليه دائما، لذا قال:{وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ} أي أنتم أيها العباد الفقراء بالذات إلى الله، وإلى ما عنده من الخير والرحمة، فهو سبحانه لا يأمر بالإنفاق لحاجته، ولكن لحاجتكم وفقركم إلى الثواب.
ثم أبان الله تعالى سنته في الاستبدال بقوم قوما آخرين أفضل منهم إن أعرضوا عن حمل الأمانة، فقال محذرا ومذكرا ومهددا:
{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ، ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ} أي إن تعرضوا عن الإيمان والتقوى وعن طاعة الله واتباع شرعه، يستبدل قوما آخرين يكونون مكانكم هم أطوع لله منكم، أي يكونون سامعين مطيعين لله ولأوامره، وليسوا أمثالكم في التولي عن الإيمان والتقوى، وفي البخل بالإنفاق في سبيل الله.
روى ابن أبي حاتم وابن جرير وعبد الرزاق والبيهقي والترمذي وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ، ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ} قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين إن تولينا، استبدل بنا، ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: فضرب بيده على كتف سلمان الفارسي رضي الله عنه، ثم قال:«هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس» لكن تكلم به بعض الأئمة رحمهم الله، كما قال ابن كثير، وقال الترمذي: حديث غريب في إسناده مقال.