الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد بيّنت سابقا كيف تمّ الصلح الذي جاء في بعض رواياته: أنه لما همّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال كفار قريش، بعثوا سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزّى، ومكرز بن حفص، ليسألوه أن يرجع في عامه، على أن تخلي قريش مكة من العام القابل ثلاثة أيام، فأجابهم، وكتبوا بينهم كتابا، على النحو المذكور آنفا.
التفسير والبيان:
{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} أي إن مشركي العرب من قريش وحلفائهم هم الكفار الجاحدون توحيد الله دون غيرهم، وهم منعوكم أيها المسلمون من الطواف بالبيت الحرام، وأنتم أحقّ به وأنتم أهله، وصدّوا الهدي (ما يهدى إلى الحرم من الأنعام) محبوسا في مكانه عن بلوغ محلّه بغيا وعنادا، وكان الهدي سبعين بدنة (ناقة) ومحلّه: منحره الذي يذبح فيه عادة، وهو حيث يحلّ نحره من الحرم، وهو منى أو الحرم المكي، فرخّص الله سبحانه لهم بجعل ذلك الموضع الذي وصلوا إليه وهو الحديبية مكان الإحصار (المنع من دخول مكة) محلاّ للنحر، وكانوا خارج الحرم.
{وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ، فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي ولولا وجود المستضعفين من المؤمنين والمؤمنات بمكة، الذين يكتمون إيمانهم ويخفونه خيفة على أنفسهم من قومهم، لأذنّا لكم بالفتح، ولما كففنا أيديكم عنهم، ولكنّا سلّطناكم عليهم، فقتلتموهم واستأصلتموهم، ولكن يقع بينهم فريسة القتل أقوام من المؤمنين والمؤمنات لم تعرفوهم ولم تعلموا أنهم مؤمنون حالة القتل، فتطؤوهم بالقتل، فتصيبكم من جهتهم مشقة وتأسف، وإثم وكفّارة على القتل الخطأ، لوقوع القتل جهلا بغير علم منكم بهم، وحينئذ يقول المشركون: إن المسلمين قد قتلوا أهل دينهم.
{لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ} أي ولكن كف أيديكم عنهم وحال بينكم وبين قتالهم ليخلص المؤمنين من أسرهم، وليرجع كثير منهم إلى الإسلام.
{لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً} أي لو تميز الذين آمنوا من الذين كفروا، وانفصل بعضهم عن بعض بما يسمى اليوم بفك الارتباط، لعذبنا الذين كفروا عذابا مؤلما وهو القتل، بأن نسلطكم عليهم، فتقتلوهم قتلا ذريعا. والخلاصة: لو تزيل المؤمنون من الكفار لعذبهم الله عذابا أليما بقتلهم إياهم.
ثم بيّن الله تعالى ظرف العذاب أو وقته، فقال:
{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى، وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} أي لعذبناهم حين جعلوا في قلوبهم أنفة الجاهلية التي لا تذعن للحق ولا تعرف منطقا ولا تعتمد دليلا مقنعا، وهي قولهم: واللات والعزى لا يدخلونها علينا، وإباؤهم كتابة البسملة ووصف محمد صلى الله عليه وسلم بأنه رسول الله في مقدمة صلح الحديبية.
فأنزل الله الطمأنينة والثبات والصبر على رسوله وعلى المؤمنين، حيث لم يدخلهم ما دخل أهل الكفر من الحمية، وثبّتهم على الرضا والتسليم، وألزمهم كلمة الشهادة أو التوحيد وهي «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» أو ألزمهم تعظيم الحرم، وترك القتال فيه، ولم يستفزهم صنيع الكفرة، لينتهكوا حرمة الحرم.
وكان المؤمنون أحق بهذه الكلمة وأجدر بها وأهلا لها من دون الكفار، إذ هم أهل الخير والصلاح والعقيدة الصحيحة، على نقيض الكفار ذوي العقيدة الفاسدة.
وكان الله وما يزال عليما بمن يستحق الخير، ممن يستحق الشر.