الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المغفرة: تمام النعمة في الفتح، وهداية الصراط المستقيم، والنصر العزيز، فيتحقق لك عز الدارين وسعادة الدنيا والآخرة. والمغفرة تشمل جميع ما فرط منك قبل الرسالة وبعدها من الهفوات التي تعد خلاف الأولى بالنظر إلى مقامك العالي، وذاك بالنظر لمن سواك لا يسمى ذنبا، فهو من قبيل ما يسمى: حسنات الأبرار سيئات المقرّبين. وفي هذا تشريف عظيم للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو من خصائصه التي لا يشاركه فيها غيره.
أخرج الجماعة (أحمد والأئمة الستة إلا أبا داود) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم قدماه، فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «أفلا أكون عبدا شكورا» .
وأخرج أحمد ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّى، قام حتى تتفطّر رجلاه، فقالت له عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، أتصنع هذا، وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم:
«يا عائشة، أفلا أكون عبدا شكورا» .
{وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ، وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً، وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً} أي ولكي يتمم إنعامه عليك بإعلاء شأن الدين وانتشار الإسلام وفتوح البلاد شرقا وغربا ورفع شأنك في الدنيا والآخرة، وليرشدك إلى الطريق القويم بما يشرعه لك من الشرع العظيم، ويثبتك على الهدى إلى أن يقبضك إليه، ولينصرك الله على أعدائك نصرا غالبا منيعا، لا يتبعه ذل، أو هو عزيز المنال فريد المثال.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يلي:
1 -
بشّر الله نبيه والمؤمنين بفتح عظيم مبين واضح، وهو في رأي الجمهور كما
تقدم صلح الحديبية الذي كان سببا لفتح مكة وانتشار العلم النافع والإيمان، واختلاط الناس مع بعضهم بعضا، وتكلّم المؤمن مع الكافر. قال موسى بن عقبة: قال رجل عند منصرفهم من الحديبية: ما هذا بفتح، لقد صدّونا عن البيت،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بل هو أعظم الفتوح، قد رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالراح، ويسألوكم القضية، ويرغبوا إليكم في الأمان، وقد رأوا منكم ما كرهوا» . وتساءل الزمخشري بقوله: كيف يكون فتحا، وقد أحصروا، فنحروا، وحلقوا بالحديبية؟ ثم أجاب: كان ذلك قبل الهدنة، فلما طلبوها، وتمت، كانت فتحا مبينا.
وقال الشعبي في قوله تعالى: {إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} قال: هو صلح الحديبية، لقد أصاب فيها ما لم يصب في غزوة، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبويع بيعة الرضوان، وأطعموا نخل خيبر، وبلغ الهدي محلّه، وظهرت الروم على فارس، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس. وقد سبق كلام الزهري. والخلاصة: تحقق في هذا الصلح أمور ثلاثة: هي معرفة قوة العدو ومدى كفايته في السلم والسياسة والصلح، وتمييز المؤمنين من المنافقين، واختلاط المسلمين بالمشركين الذي أدى إلى الدخول في الإسلام.
وقيل: إنه فتح مكة، وهو مناسب لآخر السورة التي قبلها، حيث حث تعالى على الجهاد بالنفس وبالمال والإنفاق في سبيل الله، ونهى عن طلب الصلح، فقال: لا تسألوا الصلح من عندكم، بل اصبروا، فإنهم يسألون الصلح ويجتهدون فيه، كما كان يوم الحديبية.
2 -
كانت ثمار الفتح الأعظم أربعة أمور هي:
الأول-البراءة المطلقة للنبي صلى الله عليه وسلم بمغفرة جميع ذنوبه المتقدمة والمتأخرة التي تعد بمثابة خلاف الأولى والأفضل بالنظر لمقامه الشريف.